شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

هذي يدي ممدودة

 

 

حسن البصري

 

على أثير إذاعة خاصة، سأل حكم مبتدئ مفتيا في شؤون تحكيم كرة القدم، عن حكم الشرع الكروي في لاعب لا يرد السلام على حكم بعد انتهاء المباراة.

رد المفتي بنبرة قوية: «أفشوا السلام بينكم»، حتى ساد الاعتقاد بأننا في حضرة «ركن المفتي»، وقبل أن نرتب أفكارنا ونفهم ما يدور حولنا، صاح المفتي: «الإثم على من لم يرد السلام».

أسباب النزول قرار صادر عن لجنة الأخلاقيات التابعة للعصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، يتضمن توقيف الحكم الوطني عفيف، المنتمي للعصبة الجهوية بالدار البيضاء، عن الممارسة لمدة خمس مباريات مع غرامة مالية قدرها عشرون ألف درهم، لعدم مصافحته لاعبا إفريقيا خلال مباراة جمعت النادي القنيطري وأولمبيك اليوسفية يوم فاتح أكتوبر المجيد.

فضل القرار عدم ذكر التهمة التي أدين بها الحكم، حتى لا يتم تكييف القضية إلى «فعل عنصري»، ولكن يبدو أن الفريق الغرباوي هو المطالب بالحق المدني في هذه النازلة.

قد نفهم الغاية من توقيف هذا الحكم عن الصفير، ومصادرة صفارته وبطاقاته الصفراء والحمراء، وعبوة بخاخ ترسيم الملعب، لكن ما لا يفهمه أحد هو قرار «المنع من ولوج الملاعب طيلة مدة التوقيف»، وكأني بالرجل يعاني من مرض سريع الانتشار.

لو كانت لي صلاحيات لجنة الأخلاقيات، لأصدرت حكما لا يقبل الاستئناف، يلزم الحكم بمصافحة جميع المتفرجين في الملعب، فقد أخذنا العبرة من عقوبات الطفولة حين كان المدرس يجبرنا على كتابة نص أدبي عشرين مرة حتى نحفظه من حيث لا ندري.

هل ستتحول لجنة الأخلاقيات إلى مدرسة لإعادة التربية، حين تعرض عليها شكاوى ضد حكم رفض مصافحة لاعب أو مدرب، أو ضد مسير بصق في وجه لاعب أو مدرب صفع طفلا يجمع الكرات المنفلتة من خلف المرمى؟

لكن هناك واقعة مصافحة أخرى حصلت في البطولة النسوية ببلادنا، حين رفضت حكمة مصافحة مدرب دخل إلى الملعب لتهنئتها على حسن أدائها، مد المدرب يده فظلت ممدودة، وطمأنته مساعدتها وانتشلته من فورة الغضب الجاثم على جسده، «غير سمح لينا راها إخوانية».

في الدوري الإيطالي، رفض الحكم الإيطالي إيوان لوكا ساكي، مصافحة زميلته الحكمة فرانشيسكا دي مونتي، التي ظلت يدها ممدودة في حالة شرود، وذلك قبيل مباراة جمعت بين ناديي ليتشي وساسولو، وتحديدا في الممر المؤدي إلى أرض الملعب. قررت لجنة الحكام الإيطالية توقيف الحكم الإيطالي لمباراة بسبب سوء تصرفه وإخلاله بأحد مبادئ الروح الرياضية.

وفي الدوري الإسباني، رفض ليونيل ميسي مصافحة الحكم خيسوس مانزانو، بعد انتهاء مباراة جمعت فريقه السابق برشلونة بنادي خيرونا، رغم أن الحكم مد يده لمصافحة اللاعب، لكن هذا الأخير تجاهله، إلا أن القضية سجلت ضد مجهول ولم يتعرض ميسي للعقوبة.

ولأنه لأول مرة يعاقب حكم مغربي، بسبب عدم الرد على طلب مصافحة، ولأول مرة أيضا تكشف هيئة ضبطية تأديبية عن اسم حكم موقوف، فإن الحكام مطالبون بتبني شعار بالأحضان يا لاعبين، وإن اقتضى الأمر المصافحة «من حنك للحنك».

من المفارقات العجيبة أن يكون ملعب اليوسفية هو مسرح واقعة «اليد الشاردة»، وفيه أدين معاذ وهو حكم جهوي واعد بتهمة ضعف الصرامة المكتسبة، وتعرض لعقوبة المنع من الصفير. لم يستأنف الحكم الابتدائي وفي غفلة من اللجنة الجهوية للتحكيم جمع الفتى أغراضه الصغيرة، ووضع «صاكه» على كتفيه، ثم رمى الصفارة المبحوحة في وجه عصبة حرمته من متعة قيادة مباريات الكرة، واندس وسط مركب مطاطي هربا من غبار الملاعب وشظايا شتائم الجمهور الغاضب، الذي يردد مع كل صافرة منفلتة لازمة «ألربيط أمسخوط الوالدين»، وكأن قضاة الملاعب تخرجوا من مدارس العقوق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى