إعداد: إكرام أوشن
إذا أردت فعلا أن تكون حكيما عليك أن تعرف أن في داخلك يعيش ألد أعدائك، وهي أفكارك السلبية التي عندما تعرف كيف تتحكم فيها ستجدها تعمل لصالحك، تماما مثل الحصان الشارد الذي يستطيع أن يقتلك بخبطة واحدة، ولكنك لو أحسنت ترويضه يصبح صديقا نافعا. تذكر أن أفكارك من صنعك أنت ولن يستطيع أي إنسان على وجه الأرض أن يغيرها، ولكنك أنت الوحيد الذي تستطيع أن تغيرها وتجعلها تخدمك وتساعدك على خلق الاتزان وتحقيق السعادة..
التفكير السلبي أخطر مما يتصوره أي شخص، فهو يجعل الحياة سلسلة من المتاعب والأحاسيس والسلوكيات السلبية وأيضا النتائج السلبية.. يمكننا أن نعتبره مثل عضة الثعبان، مؤلمة فعلا وتكفي لأن تسبب الموت، لكن الذي يقتل هو السم الذي يجري في العروق والدم، تماما مثل الفكرة السلبية، فهي في ذاتها مجرد كلمات داخلية يستخدمها الإنسان، ولكن ما يجعلها خطيرة هو تكرارها وتخزينها حتى تصبح عادة يستخدمها الإنسان في حياته، فتسبب له متاعب ليست لها نهاية.
التفكير السلبي يبحث ويفكر في السلبيات التي حدثت في الماضي، ويقلق ويخاف من المستقبل، ويعيش الحاضر بأحاسيس واعتقادات سلبية تجعل حياة المرء سلسلة من التحديات والمشاكل.
الحقيقة أننا جميعا تمر علينا أوقات نقع فيها في مطب التفكير السلبي ونسلك فيها الطرق المظلمة، وهناك بعض الناس يغيرون من ذلك الوضع ويتوكلون على الله عز وجل فيجد لهم المولى مخرجا، غير أن البعض الآخر يستمرون بالتفكير في هذه الطريقة، فتجدهم يعيشون معظم أيام حياتهم في تعاسة وصعوبات.
مسببات التفكير السلبي..
• البعد عن الله سبحانه وتعالى: الحياة المادية التي نعيشها والمنافسة القوية التي نراها حولنا والتغيير السريع، كلها أمور تجعل معظم الناس يضيعون مع التحديات ويبتعدون عن الله سبحانه وتعالى، سواء كانوا يدركون ذلك أم لا.. هل تعرف أحدا حياته عبارة عن سلسلة من المشاكل والمتاعب والصعوبات، وكلما خرج من مشكلة دخل في مشكلة أخرى؟ إذا كانت إجابتك نعم، فهل تعرف ما هو السبب الأساسي في ذلك؟ هو بعده عن الله سبحانه وتعالى.
• البرمجة السابقة: هل سمعت أن شخصا أراد أن يسوق سيارته، فعمل كل شيء كما هو المعتاد، ولكن السيارة أبت أن تتحرك، قبل أن يكتشف أن فرامل اليد كانت مشدودة؟ فالبرمجة السابقة السلبية تعتبر مثل فرامل اليد، فكلما حاولت أن تتحرك إلى الأمام تشدك بقوة إلى الخلف أو تجعلك تقف في مكانك لا تستطيع الحركة. فلو كانت برمجتنا في السنوات السبع الأولى من حياتنا سلبية، فهي تؤثر بشدة على حياتنا في كافة النواحي، فمثلا من الأشياء التي قد يكون الإنسان برمج عليها، هي عدم محاولة فعل أي تغيير لأن ذلك قد يؤدي إلى الفشل، فنجده يتفادى أي تغيير حتى لا يواجه الفشل.. والبرمجة السابقة هي من أقوى أسباب التفكير السلبي..
• عدم وجود أهداف محددة.
أشخاص يؤثر التفكير السلبي في حياتهم
• أشخاص لا يعرفون ما يريدون: هؤلاء الناس يعيشون حياتهم مثل ورقة شجر يأخذها الريح أينما شاء، فهم لا يعرفون ما يريدون من الحياة، فتجدهم دائمي الشكوى من أن الحياة صعبة جدا. وتجد هذا النوع من الناس لا يفعل أي شيء لكي يتقدم في حياته، فهو لا يقرأ ولا ينمي خبراته ومهاراته، ولا يفعل أي شيء إيجابي لكي يحافظ على صحته، ولغته الأساسية هي الشكوى الدائمة.
• أشخاص يعرفون ما يريدون ولكنهم لا يفعلون أي شيء لبلوغه: هؤلاء الناس عندهم علم تام بأهدافهم وما يريدونه بالتحديد، ولكنهم لا يأخذون أي خطوة إيجابية حتى يحققوا أهدافهم. وتجد هؤلاء يعانون نفسيا أكثر من سابقيهم الذين لا يعرفون أي شيء عن الأهداف، ولكن النوع الثاني من الناس عنده المعرفة ولكنه لا يفعل أي شيء حتى يحقق أهدافه، فتجده يقارن بينه والآخرين ولغته الأساسية هي النقد واللوم.
• أشخاص يعرفون ما يريدون وعندهم أهداف محددة ولكنهم لا يعتقدون في قدراتهم: هؤلاء يعرفون تماما ما يريدون ومتى يريدونه وكيفية بلوغ المراد، ولكنهم لا يعتقدون في قدراتهم على تحقيقه. فالتقدير الذاتي لدى هؤلاء ضعيف وصورتهم الذاتية ضعيفة وثقتهم في أنفسهم تكاد تكون منعدمة ويخافون من الفشل والسخرية. أناس من هذا النوع يعانون أكثر من النوعين الأوليين، وذلك لأن عندهم علما ومعرفة أكثر، ولكنهم لا يجدون الشجاعة في أنفسهم لكي يأخذوا الخطوات الإيجابية التي تخولهم تحقيق أهدافهم، ولغتهم سلبية مليئة بالحقد على الناجحين والشكوى من حالتهم النفسية.
• أشخاص يعرفون بالتحديد ما يريدون ولكنهم يتأثرون سلبا بالعالم الخارجي: هؤلاء الناس يعرفون جيدا ما يريدونه وعندهم أهداف محددة وتخطيطهم دقيق، ولكنهم ضعاف الشخصية فهم يتأثرون بسرعة بآراء الآخرين، ما يسبب تغييرا في خططهم في تحقيق أهدافهم. لذلك تجدهم لا يستخدمون قدراتهم ومهاراتهم، ولا يتقدمون كثيرا ولا يحققون إلا القليل من أهدافهم. لذلك تجدهم عصبيي المزاج دائمي الشكوى ممن حولهم، لغتهم سلبية وثقتهم في أنفسهم ضعيفة، ولكنهم لا يكفون عن إعطاء الآخرين الفرصة للتدخل في حياتهم الشخصية ما يسبب لهم الشعور المستمر بالضعف.
• أشخاص يعرفون ما يريدون ويذهبون وراء أهدافهم بقوة حتى يحققوها: هؤلاء يعرفون تماما ما يريدونه ويخططون لأهدافهم، ثم يذهب وراء تحقيقها بكل قوتهم ولا يتركونها للوقت. فهؤلاء يعلمون جيدا قانون الرجوع الذي يقول: «ما تفكر فيه وتفعله يعود إليك من نفس نوعه»، لذلك فهؤلاء يحققون أهدافهم ويعيشون أحلامهم.
• الروتين السلبي: كل منا يعيش في روتين معين وفي محيط عائلي واجتماعي ومهني محدد، وكل منا يشعر بعدم الراحة وعدم الأمان لو حدث تغيير في حياته. لذلك يحرص كل إنسان على أن تكون عنده منطقة أمان تجعله يضمن بقاءه، ولكن من الممكن أن تتحول هذه المنطقة إلى روتين سلبي ينعكس على الشخص نفسه ويجعله يخرج عن حيز الاتزان. الروتين السلبي يعني أن الشخص يفعل نفس الشيء بالطريقة ذاتها في كل لحظة من حياته، بدون أن يكون هناك أي تغيير على الإطلاق. فالشخص الذي يعيش في روتين سلبي يفقد الاهتمام بعمله وبكل شيء حوله، ولا يجد أي طعم لأي تغيير ويصاب بالاكتئاب.
• المؤثرات الداخلية: من أكبر التحديات التي يمكن أن يواجهها الإنسان في حياته، هي تحدياته مع نفسه، أي أن التحديات لا تحدث من العالم الخارجي، سواء كان ذلك من الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء، ولكنه يحدث بسبب التحديات والمؤثرات الداخلية.
ومن أخطر هذه المؤثرات التقبل الذاتي، لأنه من أهم أسباب التعاسة التي قد يشعر بها الإنسان. وعندما يصاب الشخص بعدم تقبل ذاته، فإن ذلك يجعله أيضا لا يقدر نفسه ولا قدراته ولا يحترم نفسه، بل وأكثر من ذلك، فقد يكره نفسه.
• المؤثرات الخارجية: التي تأتي من الأقارب والأصدقاء، وأيضا وسائل الإعلام يمكنها أن تؤثر فينا بقوة وتحرك أحاسيسنا وتسرق منا أحلامنا وتجعلها عرضة للضياع والتفكير السلبي.
• العيش في الماضي: «لو تسألنا هل الطائرة تطير بوقود الشهر الماضي؟» طبعا لا لأنه نفد وانتهى، تماما مثل ماضي الإنسان هو فقط تجارب وخبرات وعلم ومهارات لا أكثر ولا أقل. ولكن معظم الناس يعيشون في الماضي، فلو كانت تجاربهم سلبية فهم يشعرون بالحزن، مع أن ما حدث له كان في الماضي، ولو كانت تجارب هذا الماضي إيجابية ويقارن الشخص بين هذه التجارب وكيف أنه كان سعيدا، ويقارن بين ذلك الوقت والوقت الحاضر، فإنه يسبب لنفسه الشعور بالإحباط بسبب هذه المقارنة.
والحقيقة أننا جميعا نفكر في الماضي من وقت لآخر، ومعظم مشاكل الناس تأتي من شيئين: «الماضي والمستقبل»، وعندما نفكر نجد أنهما ليس لهما وجود، فالماضي انتهى بكل ما فيه من خير ومن شر، فلو تعلمت منه أصبحت ماهرا في التعامل مع الحياة وإن لم تتعلم منه ستجد نفسك سجينا في الأحاسيس السلبية التي ليس لها وجود إلا في الذاكرة، ولو قررت أن تعيش في المستقبل ستجد نفسك في سجن القلق.
• التركيز السلبي: التركيز السلبي يجعل الإنسان يوجه كل انتباهه إلى التحدي الذي يواجهه ويلغي كل الإيجابيات الموجودة في حياته، ويكرر ما يركز عليه حتى يصبح اعتقادا يسبب للشخص مشاكل لا حصر لها.
كيف تتخلص من التفكير السلبي؟
• تغيير لغة الجسد: هل توقفت لحظة وراقبت لغة جسدك؟ وهل تجلس بطريقة مريحة لك؟ فإذا لم تكن تجلس بطريقة مريحة، ستكون أكثر عرضة للتفكير السلبي.. وذلك لأن سوء لغة الجسد يقلل من صورتك الذاتية، ويؤدي إلى فقدانك الثقة. ومن الطبيعي في هذه الحالة، أن توجد لديك أفكار سيئة. لذلك، ننصحك بالجلوس بطريقة مستقيمة ومريحة لجسمك، وزيادة الابتسامة.. لأنه عند تغييرك لغة جسدك الخاصة، ستشعر بأنك أفضل بكثير. ويمكن أن يكون كل ما تحتاج إليه هو مسح تلك الأفكار السلبية من عقلك.
• التحدث عن مشاعرك: في بعض الأحيان، يؤدي التفكير السلبي إلي حدوث مشاكل نفسية وعاطفية وتحتاج المشاعر إلى الخروج. ولاشك في أن كتم المشاعر أمر غير صحي بالنسبة لك، فأنت بحاجة إلى العلاج والتحدث مع بعض الأشخاص، مع وضع مشاعرك في كلمات بسيطة وأفكار يمكنها أن تساعدك على وضع الأمور في منظورها الصحيح، وتتمكن بالتالي من التعامل مع جذور المشكلة.
• التوقف عن التفكير مجرد دقيقة: إعطاء عقلك فترة راحة حتى يستطيع أن يستمر بصورة صحية. فمن الصعب أن يستمر السباق في عقلك. لأنه سيكون من الصعب السيطرة على الأفكار التي تحدث داخله، خصوصاً تلك الأفكار السلبية. هناك بعض الطرق التي تساعك على إفراغ عقلك، من قبيل الميل إلى التأمل، الذي يزيد من قدرتك على التفكير الإيجابي .
• تغيير طريقة التفكير: في الكثير من الأحيان، يكون التفكير السلبي طريقة أمام فقراء النجاح. فمثلاً، فبدل التكفير هكذا: «أنا أخرج في الوقت الصعب لمواجهة المتاعب»، يمكنك تغيير الطريقة هكذا: «أنا أواجه بعض التحديات، ولكني أعمل على إيجاد حلول لها». هنا تغير طريقة التفكير من السلبي إلى الإيجابي، وهذا يحدث فرقاً عظيماً ويكون له تأثير فعال على شخصيتك.
• أن تكون مبدعا: عندما تأتي الأفكار السلبية، لا تجد وقتا لكي تبدع في حياتك. جدد أفكارك للحصول على أفكار مبدع تغير حياتك، وكتابة هذه الأفكار على ورق حتى تصبح هدفك الذي تسعى للوصول إليه. فالإبداع يخرج العواطف ويساعد في التخلص من الملل.
• الخروج للمشي: لأن الأفكار تنشأ في العقل، فمن السهل أن تفترض أنه يشكلها. وأفكارنا هي نتاج البيئة التي نعيش داخلها. وعلى سبيل المثال، إذا كنت تحيط نفسك بأناس سلبيين ومحبطين، فربما يبدأ التفكير السلبي في العمل في عقلك. لذلك يجب أن تخرج عن الجو المعتاد بجوارك والتخلص من الضغوط، مثل الخروج للنزهة. فالوقت الذي تقضيه وأنت في خلوة مع نفسك، يجلب لك السلام مع عقلك
• البدء بكتابة إنجازاتك: هذه الخطوة تشجع على زيادة التفكير الإيجابي. لهذا لا تنس الأمور الجيدة التي قمت بها، إذ تساعدك على التفكير في مشاكلك اليومية. لذلك فأنت بحاجة إلى ترتيب عقلك والتركيز علي الأمور الجيدة التي تحدث في حياتك.
«قلة النوم تعزز القلق والتفكير السلبي لدى الإنسان
أشارَت دِراسة حديثة إلى أن قلةَ النوم تُعزِّزُ من الأفكار السلبيَّة التي تدُور في رأس الإنسان؛ وأن أفضلَ حلٍّ للقلق هو النوم مُبكراً، نظراً لأن الحُصولَ على قسطٍ كافٍ من النَّوم يُساعد على تهدئة الذهن. لكن، يُمكن قراءةُ هذه النتيجة من زاوية مُختلِفة، أي أن الشعُورَ بالقلق يُؤثرُ في نوم الإنسان.
وشملت الدِّراسة 100 طالب جامعيّ، ووجد الباحِثون أن مشاكلَ النَّوم ترتبط بالأفكار السلبيَّة المُتكرِّرة؛ وهي أفكارٌ غير مرغُوب فيها وغير مُفيدة وتُسبِّبُ الكآبة، وتتكرَّرُ بشكلٍ مُستمرّ في ذهن الإنسان، مثل فكرة أنَّ حياتَه عديمةُ الجدوى.
يُمكن أن تُصبِحَ الأفكارُ السلبيَّة المُتكرِّرة مُشكلةً شائِعة عندَ الأشخاص الذين لديهم اضطرابات في الصحَّة النفسيَّة، مثل اضطراب القلق المُعمَّم واضطراب الوَسواس القهري.
هذا وأجاب الطلابُ عن أسئلة تُقيِّمُ نماذجَ النَّوم لديهم والمزاج ومُستويات القلق وكم راوَدتهم الأفكارُ السلبيَّة المُتكرِّرة عادةً. ووجد الباحِثون أنَّ هناك علاقةً واضِحة بين النوعية الرديئة للنَّوم والأفكار السلبيَّة المُتكرِّرة، لكن لم يكن من الواضح إذا كانت النوعيةُ الرديئة للنوم تُؤدِّي إلى هذا النَّوع من الأفكار أم العكس. ومن المنطقيّ أن قلَّةَ النَّوم يمكن أن تُؤدِّي إلى الأفكار السلبيَّة أو المزاج السيِّئ، مثلما تفعل مع عمليَّة التركيز. وبشكلٍ مُشابِه، فمن السَّهل تخيُّلُ أن الشعُورَ بالقلق تجاه مسألة ما يُمكن أن يحُولَ دون أن يحصلَ الإنسانُ على قسطٍ جيِّد من النَّوم. ويجب التنويهُ إلى أنَّ العِلاجَ السلوكي الإدراكي أو المعرفي يُساعد على التغلُّب على الأرق المُستمرّ والأفكار غير المرغوب فيها.