هذه قصة بلمعروفي العسكري المغمور وهكذا كُلف باغتيال بوضياف
يونس جنوحي
وقع اختيار الجنرال نزار وبلخير على شخص من قدماء جيش التحرير الجزائري، واسمه الضابط بلمعروفي. يروي هشام عبود أن هذا العسكري البسيط الذي وقع عليه اختيار الجنرالات لكي «يمسحوا» فيه المسؤوليات، لم يكن لديه أي ماض عسكري مشرف ولم يكن ينحدر من أسرة عسكرية مرموقة، بل كان من العائلات التي كانت تستقر في الأحياء الهامشية والفقيرة لصغار عناصر الجيش، وكان الالتحاق بالجيش يشكل لها الخلاص لكي تحصل على مدخول شهري يقيها مرارة الفقر.
بلمعروفي يظهر
لم يوضح هشام عبود، في البداية، العلاقة بين رئيس الدولة، محمد بوضياف، وهذا العسكري المغمور بلمعروفي. لكن بدا واضحا أنه سوف يكون كبش فداء. فبعد الاجتماع الصوري الذي عقده وزير الدفاع الجزائري مع شخصيات عسكرية غير مهمة على الإطلاق وبعيدة تماما عن مجال تأمين موكب الرئيس، اختار الوزير رفقة الجنرال نزار، أن يأتوا بهذا العسكري البسيط الذي ألحق بمديرية الأمن العسكري، وجاؤوا به من ثكنة بعيدة ضواحي الجزائر، لكي يتم تكليفه بمهمة أمنية وتقريبه من محيط بوضياف.
لكن لماذا وقع عليه الاختيار بالذات وهناك آلاف العسكريين البسطاء مثله الذين لم يكونوا محظوظين في السابق لكي يصبحوا من المُنعم عليهم من طرف الجنرالات؟ يجيب هشام عبود عن هذا السؤال قائلا إن بلمعروفي كان فقيرا ومعدما، ورغم أنه التحق بالجيش إلا أنه لم يكن يتوفر على أية سيارة للخدمة ولا على سكن وظيفي، بل كان يسكن في الثكنات ولم تكن لديه أي امتيازات نهائيا. لكن الجنرالات انتبهوا إليه لأنه بعد تعيينه ضمن عناصر ثكنة هامشية جدا ضواحي العاصمة، بدأ يشن تمردا ضد رؤسائه، وعرف بصلابة «الرأس» رغم العقوبات التي فرضت عليه داخل الثكنات في محاولات لتأديبه والسيطرة عليه، لكنه كان دائما يتمرد على كل التعليمات ليصبح اسمه موضوع تقارير عسكرية وهكذا ببساطة وصل اسمه إلى الجنرالات. يقول هشام عبود إن بلمعروفي لم يتلق هو ورفاقه أي تكوين نهائيا في مجال حماية الشخصيات المهمة ولا مرافقتهم، لكن رغم ذلك وقع عليه الاختيار من طرف الجنرال خالد نزار لكي يأتوا به من الثكنة المتواضعة التي كان يقيم داخلها بشكل إجباري، لكي يُلقى بدون أي تهييئ في محيط الرئيس محمد بوضياف ويكون من العناصر العسكرية التي سترافق بوضياف.
الجهاز المعطوب
يقول هشام عبود متحدثا عن جهاز الأمن الرئاسي: «يجب أن أوضح أن مهمة جهاز الأمن المعروف اختصارا بـGIS، والذي أحدث سنة 1989 من طرف الجنرال بتشين، كانت هي التدخل في الحالات الصعبة والحرجة، مثل احتجاز الرهائن في عمارة أو طائرة. لكن في مجال توفير الأمن الرئاسي، فإن دور الجهاز كان حماية الرئيس في الحالات التي يكون هناك تهديد إرهابي. لكن الجهاز لم يقترب نهائيا من توفير الحماية لإحدى الشخصيات. لم يتلق أفراده أي تدريب نهائيا في هذا المجال».
بدأت الصورة تتضح إذن. إدخال بلمعروفي، باعتباره أحد الذين ألحقوا بالجهاز، كان الغرض منه وضع الأمور الأمنية في سياقها. هناك تهديد إرهابي، مجهول المصدر، والرئيس يسافر إلى شرق البلاد وغربها في رحلة تستغرق بضعة أيام للقاء مسؤولين في الداخلية، بدون حضور وزير الداخلية، ويجب تأمين سفره وموكبه حتى لا يكون هدفا للإرهابيين.
الحقيقة أن الجزائريين لم يكونوا يعرفون أصلا من يكون هؤلاء الإرهابيون. الجنرالات كانوا ينشرون إشاعات مفادها أن كل الذين ينتمون للجماعات الإرهابية هم أعضاء جبهة الإنقاذ التي اكتسحت الانتخابات وبسببها قرر الجيش أن ينهي ولاية الشاذلي بن جديد الرئاسية. وها هم مرة أخرى صيف سنة 1992 يحاولون إنهاء حكم بوضياف، بل وضع حد لحياته، وتبرير تدخلهم في أمنه الخاص باحتمال وقوع عمليات إرهابية في البلاد.
عندما جاء بملعروفي، وهو العسكري الذي لم يسبق له أبدا دخول مكتب جنرال ولا ولوج ديوان جنرال في الجيش، استقبله الكولونيل إسماعيل العماري شخصيا، وكاد بلمعروفي، كما يحكي هشام عبود، أن يُغمى عليه من شدة المفاجأة وهو يرى شخصية مرموقة جدا في الجيش تستقبله شخصيا وتخبره أنه سوف يتم تكليفه بمهمة تكتسي صبغة «الأهمية القصوى». وحسب إفادة هشام عبود دائما، فإن الكولونيل إسماعيل أخبره بشكل مباشر أن المهمة سوف تكون كالآتي: «اغتيال رئيس الجمهورية».