محمد اليوبي
أطلقت السلطات المغربية مشروعا استراتيجيا كبيرا للتقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تم إصدار تقرير مكن من تحديد نقط الضعف وتهديدات جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي يواجهها المغرب، وإدراج مخاطر أخرى ضمن هذه الجرائم.
وطلب المغرب المساعدة التقنية من البنك الدولي بهدف مواكبته لإنجاز هذا المشروع والاستفادة من الأداة المنهجية التي طورها البنك الدولي لهذا الغرض، وتمكن هذه الأداة من تكوين تسع وحدات موضوعاتية من تصنيف وترتيب وتنظيم عدد كبير من المعلومات، ومن مواجهة الطابع المعقد للمعطيات والمعايير التي يتعين أخذها بعين الاعتبار. وتتضمن الأداء المنهجية المعتمدة تسعة مناهج تتجلى في تهديد غسل الأموال على المستوى الوطني، ونقط ضعف لغسل الأموال على المستوى الوطني، ونقط الضعف بالقطاع البنكي، ونقط الضعف بقطاع الأوراق المالية، ونقط الضعف بقطاع التأمينات وبالمؤسسات المالية الأخرى، ونقط الضعف بالأعمال والمهن غير المالية المحددة، وتقييم مخاطر تمويل الإرهاب وبمنتجات الشمول المالي. ولإنجاز هذا المشروع تقترح هذه المنهجية تشكيل لجنة تنسيق وطنية تتولى على وجه الخصوص جمع المعلومات الضرورية وتحليلها وتنسيق الأشغال بين مختلف الهيئات والإدارات الأعضاء، وسيمكن ذلك أيضا من إرساء أساس استراتيجية وطنية مناسبة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ووفقا للمنهج المعتمد، مرت عملية التقييم الوطني للمخاطر من ثلاث مراحل، وهي مرحلة إطلاق ومباشرة التقييم، من خلال تشكيل لجنة وطنية بين-إدارية، مع التأكيد على تمثيلية جميع الإدارات المعنية، ثم مرحلة جمع المعطيات والتحليلات والخطوط العريضة لتقييم المخاطر، وأخيرا، مرحلة استكمال المشروع، من خلال اجتماع من طرف اللجنة الوطنية بهدف مناقشة النتائج المحصل عليها، ومراجعة وتنقيح نتائج التقييم الوطني للمخاطر، ووضع خطط العمل اللازمة من أجل معالجة أوجه القصور التي تم تحديدها. ويتمثل دور البنك الدولي في مختلف المراحل، في توجيه المقيمين الوطنيين من أجل تحسين جودة تقييم المخاطر واحترام المنهجية المعتمدة، ومشاركة خبراته وتجارب الدول الأخرى في هذا المجال مع الدولة محل التقييم.
وتطبيقا لمنهجية البنك الدولي، انطلق مشروع التقييم الوطني للمخاطر، بتنظيم ورشة عمل انعقدت سنة 2016 بالرباط، وأطرها خبراء البنك، كما عرفت حضور ممثلي جميع الإدارات الحكومية والمؤسسات العمومية المعنية. وشكلت الورشة فرصة للتأكيد على أهمية المشروع والرهان الذي يمثله، كما شكلت فرصة لمساعدة مختلف المشاركين على فهم منهجية عمل البنك الدولي، والأدوات التقنية المستخدمة، وكذا فرصة للتدرب على استعمالها. وعرضت خلال هذه الورشة مختلف مراحل المشروع، علاوة على الجدول الزمني المقرر لتنفيذها، وبعد ذلك تم تشكيل أربعة فرق عمل لتقييم «التهديدات ونقط الضعف المرتبطة بغسل الأموال على المستوى الوطني»، تحت إشراف وزارة العدل، ولتقييم «التهديدات ونقط الضعف المرتبطة بتمويل الإرهاب على المستوى الوطني» تحت إشراف وزارة الداخلية، وفريق عمل لتقييم «نقط ضعف القطاع المالي والشمول المالي» تحت إشراف بنك المغرب، وفريق عمل لتقييم «نقط ضعف القطاع غير المالي» تحت إشراف وحدة معالجة المعلومات المالية.
وبـاشرت هـذه الفـرق عمليـة جمـع المعطيـات وتقييـم المخاطـر والتـي تعتبر مـن أهـم المراحـل، حيـث إن مصداقيـة النتائـج النهائيـة تعتمـد بشـكل كبير على جـودة ودقـة المعطيـات التـي تـم جمعهـا. وعكفـت جميـع فـرق العمـل والفـرق الفرعيـة التـي تـم تشـكيلها على جمـع المعلومـات والإحصائيـات اللازمـة لتعبئـة الاستبيانات التـي تـم إعدادهـا لهـذا الغـرض، كما قامـت بتحليـل هـذه المعطيـات مـن أجـل تحديـد التهديـدات ونقـط الضعـف الخاصـة بـكل قطـاع وتحديـد مسـتوى المخاطـر، كما أعـدت في ما بعـد مجموعة مـن التقاريـر تمت مناقشـتها في إطـار اجتماعات بحضـور ممثلي القطاعـات المعنيـة، وقامـت الوحـدة بصفتهـا منسـقة المشروع، بتجميع تقارير مختلـف الفرق للحصول على مسودة أولى للتقرير الوطني، تمت إحالته على ممثلي البنك الدولي قبل اعتماده بصفة رسمية، كما سيتم إعداد خطة عمل تأخذ بعين الاعتبار نتائـج التقييم الوطنـي للمخاطر.
وأسفرت هذه الأشغال عن تطوير نسخة متقدمة من تقرير التقييم الوطني للمخاطر التي خضعت لتعديلات للأخذ بعين الاعتبار إرشادات خبراء البنك الدولي في ما يتعلق بالامتثال لمنهجية البنك، وكذلك ملاحظات مقيمي مجموعة العمل المالي المنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تؤكد على ضرورة أن يشتمل التقييم على جميع التهديدات ونقاط الضعف ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب التي يواجهها المغرب، وبذلك، تم دمج المخاطر المرتبطة بالجرائم الإلكترونية والاتجار في البشر والمناطق الحرة، كما تم تعميق التحليل بالنسبة لمخاطر أخرى مثل المخاطر المرتبطة بالمنظمات غير الهادفة للربح ومخاطر القطاع العقاري، وقد تم استكمال التقرير خلال ورشة عمل عقدت بالرباط في الفترة من 11 إلى 13 فبراير 2019، بتأطير من خبراء البنك الدولي وبحضور ممثلين عن مختلف الإدارات والمؤسسات المعنية، وكانت هذه الورشة فرصة لعرض نتائج ما قامت به فرق العمل المختلفة ونشر نتائج التقييم الوطني للمخاطر، وتم الاعتماد الرسمي للنسخة النهائية من التقرير في يونيو 2019، ليتوفر المغرب على أول تقرير للتقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.