التقى الرئيس الروسي فلادمير بوتين بالرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في زيارة استثنائية أجرى خلالها مباحثات في عدد من الملفات المطروحة حاليا على الساحة السياسية العالمية، أهمها الحرب على غزة، وناقش أهدافا ثنائية في ظل تعزيز العلاقات مع البلدين.
إعداد: سهيلة التاور
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه «على مدى السنوات السبع الماضية، وصلت العلاقات بين روسيا والسعودية إلى مستوى غير مسبوق».
وأشار بوتين إلى أنه كان في «انتظار ولي العهد في موسكو»، مضيفاً: «طرأت بعض التغيّرات في جدول الأعمال، ونحن نعرف ذلك، ولكن لا شيء يستطيع الحيلولة دون تنمية الصداقة وتعزيز تعاوننا».
وشدد الرئيس الروسي على ضرورة أن يكون «اللقاء القادم في موسكو»، فيما رد ولي العهد السعودي على بوتين بالقول: «بلا شك نحن جاهزون». وأشار إلى «التطور الكبير والطفرة النوعية في جودة هذه العلاقات»، موضحاً أن لدى البلدين «تعاونا وثيقا في الكثير من الأصعدة والمجالات». وأكد أهمية «مشاركة البلدين في التقييمات والتقديرات الخاصة بالتطورات الأخيرة التي تطرأ على الصعيد الدولي»، معتبراً أن الاجتماع «جاء في وقته».
وخلال اللقاء، نقل المترجم الحاضر مع الرئيس الروسي قوله إن «الاتحاد السوفياتي كان أول دولة اعترفت باستقلال المملكة العربية السعودية قبل حوالي 100 سنة»، إلاّ أن ولي العهد صحح الحديث بقوله: «أريد أن أصحح للمترجم، السعودية لم تستقل ذلك الوقت بل أعيد توحيدها، ولم تكن مستعمرة من قبل في التاريخ».
وقال الرئيس الروسي: «نحن كنّا وما زلنا نحترم الدولة السعودية والمواطنين السعوديين والقيادة لهذه البلاد وحقها في بناء المستقبل بشكل سيادي».
وكان بوتين وصل أبوظبي في المحطة الأولى من زيارة تشمل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بهدف مناقشة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وموضوع النفط والحرب في أوكرانيا.
وفي منشور على حسابه الرسمي على منصة «إكس»، قال الشيخ محمد بن زايد، إنه بحث مع الرئيس فلاديمير بوتين علاقات الإمارات وروسيا وسبل تعزيزها ودفعها إلى الأمام، خاصة في المجالات التي تصب في خدمة التقدم والتنمية لمصلحة البلدين وشعبيهما. وأضاف أن الإمارات حريصة على بناء جسور التعاون التنموي مع مختلف دول العالم، ودعم كل ما يحقق الاستقرار والازدهار للجميع.
وقال بوتين، خلال اجتماعه مع رئيس دولة الإمارات، إن العلاقات بين روسيا والإمارات وصلت إلى مستوى غير مسبوق.
وكانت آخر زيارة لبوتين للإمارات والسعودية في أكتوبر 2019.
التعاون النفطي
قالت وكالة تاس الروسية للأنباء إن دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، صرح، يوم الأربعاء، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحثا التعاون في إطار «أوبك+» وأن التعاون سيستمر.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن بيسكوف قوله: «تحدثنا مرة أخرى عن التعاون في «أوبك+». الطرفان متفقان على أن بلدينا يتحملان مسؤولية كبيرة في التفاعل من أجل الحفاظ على سوق الطاقة الدولية عند المستوى المناسب، وفي حالة مستقرة يمكن التنبؤ بها».
وكان الرئيس الروسي قام، الأربعاء، بزيارة إلى الإمارات عقد خلالها جلسة مباحثات مع نظيره الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبحث الجانبان «التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضرورة تحرك المجتمع الدولي من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة».
وأكد الجانبان، في هذا السياق، «أهمية العمل على إيجاد أفق واضح للسلام الدائم والشامل في المنطقة الذي يقوم على أساس حل الدولتين».
وتطرق اللقاء، كذلك، إلى «مستجدات الأزمة الأوكرانية»، حيث أكد الشيخ محمد بن زايد على أن «الإمارات تدعم تسوية مختلف النزاعات في العالم عبر الحوار والأساليب الدبلوماسية بما يعزز السلام والأمن العالميين، وذلك انطلاقاً من نهج الإمارات الراسخ في دعم السلام والتعاون والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي».
وقال بوتين للشيخ محمد بن زايد: «علاقاتنا، بفضل منصبك إلى حد كبير، وصلت إلى مستوى مرتفع غير مسبوق»، معتبراً «الإمارات الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في العالم العربي».
وضم الوفد الروسي مسؤولين كباراً في مجالات النفط والاقتصاد والشؤون الخارجية والفضاء والطاقة النووية.
رؤية الغرب للزيارة
أثارت زيارة بوتين لأبوظبي، ثم الرياض، اهتمام وسائل الإعلام الغربية، التي ذهبت العديد منها إلى تحليل أبعاد الزيارة ونقطة الالتقاء بينها جميعاً، مؤكدة أن الرئيس الروسي يبحث عن ثغرة جديدة للنفاذ إلى الشرق الأوسط وكسر حالة العزلة التي فرضتها العقوبات الغربية عليه.
وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إلى أن بوتين يسعى، من خلال الزيارة، إلى بعث رسالة مفادها أن روسيا لا تزال قادرة على ممارسة النفوذ وحشد الدعم حتى من حلفاء واشنطن، بل ربما «دق إسفين بين الدولتين والولايات المتحدة».
وأضافت الصحيفة أن زيارة بوتين تعد «جزءاً من عملية توازن دقيقة تهدف إلى تنويع علاقاتها الدولية وانتزاع أكبر فائدة ممكنة من جميع شركائها الأجانب».
بدوره، قال كبير الخبراء في المجلس الأطلسي ريتش أوتزن، إن «بوتين يحاول أن يُظهر من خلال الزيارة أنه ليس معزولاً دبلوماسياً حتى بين أصدقاء الولايات المتحدة»، إلى جانب كونه يسعى «للتنسيق بشأن إنتاج النفط وتجارته، لتحسين الظروف الاقتصادية في روسيا، المتضررة جراء العقوبات».
وبالنظر إلى توقيت الزيارة وملابساتها، فإنها تمثل «إشارة للولايات المتحدة بأن هناك حالة إحباط كبيرة جداً في المنطقة، بشأن رد الفعل الأمريكي على الوضع في غزة»، وفقاً لأستاذ دراسات الخليج بجامعة قطر نيكولاي كوزانوف.
من جانبها توقعت رئيسة برنامج الشرق الأوسط في معهد الأعمال الدولية، ماريا فانتابي، أن تطلب الرياض من موسكو «دعم رؤيتها لحل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وضمن ذلك إشراك إيران»، علماً أنه من المتوقع أن يلتقي بوتين، الخميس، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في موسكو.
التقرب من العالم الإسلامي
تمثل زيارة بوتين للإمارات والسعودية منعطفاً مهماً في سياسة روسيا، التي لا تزال تخوض حرباً في أوكرانيا، تنخرط فيها بشكل غير مباشر الولايات المتحدة والدول الغربية، وحتى «إسرائيل».
ويرى الباحث السياسي الروسي، ديميتري بريجع، أن «زيارة بوتين للرياض وأبوظبي لها أهمية كبيرة ورمزية أيضاً؛ لكونها تأتي في ظل الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك في ظل الحرب القائمة بقطاع غزة».
وأشار المتحدث إلى أن الزيارة «ستقرب روسيا من منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج»، لافتاً إلى أن «العقيدة السياسية الروسية الجديدة» تقوم على «التقرب من الحضارة الإسلامية والدول الإسلامية».
ونوّه بريجع إلى أن هناك اهتماماً مشتركاً أيضاً بملف الطاقة بين روسيا ودول الخليج، مضيفاً: «الإمارات تساعد روسيا في تخطي جزئية العقوبات الاقتصادية، كما أن هناك زيادة في التبادل التجاري بين روسيا والسعودية والإمارات، بسبب العقوبات الغربية على روسيا».
وأوضح الخبير الروسي أن هذه العقوبات «أجبرت روسيا على تغيير مواقفها، والتوجه نحو الشرق»، وقال: «الآن، روسيا مهتمة ببناء علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، في ملفات كثيرة، من ضمنها القضية الفلسطينية»، مشيراً إلى أن «روسيا مع وقف إطلاق النار وحلّ الدولتين، وإيجاد حلول سياسية دبلوماسية للقضية الفلسطينية». وبيّن أن روسيا تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، من خلال موقفها الحيادي ودعم الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة.
ولعل من الأهمية بمكانٍ الإشارة إلى حالة السخط التي تسود العواصم العربية تجاه الموقف الأمريكي المنحاز والمتورط إلى جانب «إسرائيل» في غزة، ومن ثم لا يستبعد «أن يستغل الرئيس بوتين حالة الغضب من واشنطن التي أحرجت بسياستها المنحازة جميع دول المنطقة، وأن يدعم الموقف السعودي في حل الدولتين للصراع مع إسرائيل». فضلا عن أنه «من المنطقي أن يدعم بوتين سياسة أوبك التي تقودها السعودية، تجاه حالة عدم الاستقرار الراهنة لأسواق البترول، وأن يُظهر بلاده شريكاً يُعتمد عليه في المنعطفات الحساسة».
وقال المتحدث: «من الواضح أن روسيا والصين، اللتين وضعتا قدمي تأثير في منطقة الخليج، تستفيدان من تخبطات السياسة الأمريكية التي فقدت كثيراً من مصداقيتها في الخليج خاصة والشرق الأوسط عموماً، ورغبة دول المنطقة في شراكات دولية واسعة تُجنبها تبعات تغيير واشنطن سياساتها الدولية». وأشار إلى أن المملكة ستستفيد من كل عروض الشراكة الدولية في مختلف المجالات، وبما يخدم مصالحها، لكنها ستعمل جاهدة «على تفادي الوقوع في الاستقطاب السياسي، وتبقي على شعرة معاوية مع واشنطن لا تنقطع، حتى وإن شدّها البيت الأبيض».