هذه أسماء أعضاء العصابة التي أسست «مافيا» الجنرالات
يونس جنوحي
أصل الخطيئة
حاول هشام عبود، في هذا الفصل الناري، أن يشخص أمراض الجيش الجزائري. يقول إن الجيش لم يكن يتحكم في حكومة الجزائر وحسب بل يصنعها ويضع رجالها بنفسه. وأصّل للعقل المدبر للجيش حيث عيّن اسمين فقط هما الجنرال توفيق والجنرال إسماعيل العماري. وقال إنهما انشقا أساسا من الجيش الفرنسي، وانضما إلى الجيش الجزائري خلال حرب التحرير الجزائرية ما بين سنتي 1958 و1962.
وكان بعض المنضمين إلى تلك الحركة يعرفون بعضهم البعض جيدا، بحكم أنهم انضموا إلى قوات اليافعين الذين استعملهم الجيش الفرنسي في الحرب ولم يكن عمرهم وقتها يتعدى 12 ربيعا فقط. يصفهم هشام عبود قائلا: «إنهم أبناء المتقاعدين من الجيش الفرنسي أو أبناء القياد. هذا الماضي المشترك نسج بينهم علاقات متقاطعة ومتشابكة وتضامنا غير محدود. الجنرالات خالد نزار وعبد المالك كنيزية والعربي بلخير، على سبيل المثال فقط لا الحصر، لم يكونوا خارج هذا الإطار.
لقد انضموا جميعا إلى صفوف جيش التحرير الوطني حيث كانوا يحومون في نفس الفلك».
المافيا والمغرب
يقول هشام عبود، أيضا، إن أفراد هذا الجيل المؤسس للفساد في الجيش الجزائري تكونوا عسكريا على الحدود الجزائرية- التونسية، بينما أغلبهم تكونوا على الحدود الجزائرية- المغربية. وهذه النقطة بالذات كانت تشكل مصدر إحراج كبير لهم، لأنهم كانوا أطرا شابة يأتمرون بتعليمات القيادة التي كانت تتخذ من مدينة وجدة مركزا لها. وهؤلاء الجنرالات كانوا يعرفون جيدا أفضال المغرب عليهم، لكنهم كانوا ينفذون تعليمات الهواري بومدين.
كان هشام عبود، طيلة هذه المذكرات، صريحا، ولم ينجز تشخيصا تاريخيا لأصل مشكل الجيش الجزائري، بل اكتفى بسرد الوقائع كما عاشها من داخل قلعة الجنرالات الذين ورثوا «الجزائر» عن بومدين وطوروا آلية الفساد واستغلال الموارد الوطنية لصالحهم.
حيث يكتفي عبود هنا بالقول إن بعض هؤلاء الجنرالات في شبابهم وهم ضباط صغار، نفذوا اغتيالات في صفوف المنتسبين لجيش التحرير الوطني وبقيت آثارها خالدة ولم يمحها الزمن، وظلت دماء أولئك الوطنيين تلاحقهم.
أما سبب تلك الاغتيالات كلها فراجع أساسا إلى الخلافات حول القيادات التي تسلمت قيادة الثورة، حيث همت التصفيات معارضين لطموح بومدين، لكن لا أحد كان يقوى على اتهامه بشكل صريح، ولم تظهر الأصوات التي تحدثت عن تلك الجرائم، إلا بعد سنة 1979، أي بعد وفاته. وهي السنة نفسها التي سيطر فيها فريق الجنرالات المذكورين أعلاه على السلطة.
إذ إن هؤلاء الجنرالات كانوا يتهمون كل من يعارض توجههم في قيادة الجيش بأنه ينحدر من المغرب، وكانت تلك التهمة جاهزة لإنهاء مسار كل الذين لم يسبحوا في التيار نفسه، من العسكريين والسياسيين أيضا.
وزير الدفاع
«في سنة 1990 عُين الجنرال خالد نزار وزيرا للدفاع الوطني. وعين الجنرال الشلوفي كاتبا عاما في نفس الوزارة منذ سنة 1986. أما الجنرال عبد المالك كنيزية، فقد عين قائدا للأركان العامة للجيش. بينما كان الجنرال بنعباس غزال على رأس الدرك الوطني. والجنرال مخلوف الذيب على رأس الحرس الجمهوري. دون أن ننسى المنصب الذي كان بمثابة «المفتاح»، أي مدير ديوان رئاسة الجمهورية الذي شغله، لسنوات طويلة، الجنرال العربي بلخير، خلال فترة رئاسة الشاذلي ثم خلال فترة بوتفليقة، والتي كان راعيا لها.
لقد أتت أعمال التقويض المتبعة منذ 1958 ثمارها».
يقصد هشام عبود هنا أن هذه الأسماء جنت ثمار عمل العسكريين منذ نهاية الخمسينيات من خلال اغتيال معارضيهم داخل الجيش وإطباق السيطرة على المناصب العسكرية الحساسة وبناء دائرة واسعة من الموالين، ثم السيطرة على مكامن الثروة الجزائرية، ليصلوا في بداية التسعينيات إلى مرحلة السيطرة التامة على الثروات الطبيعية وعلى رأسها البترول والغاز الطبيعي، وأن يتحكموا كليا في الأسماء التي توضع في القصر الرئاسي من موظفي الدواوين وأعضاء الحكومة، وصولا إلى رئيس الجمهورية شخصيا. بينما كانت قيادة الجيش ومناصب صياغة القرارات العسكرية، حكرا على هذه «العائلة» العسكرية التي قال عنها هشام عبود إن الروابط التاريخية التي يتشاركون فيها، بحكم اشتغالهم، هم وآباؤهم، في الجيش الفرنسي، جعلتهم يحتفظون بالولاء لبعضهم، واشتغلوا بمنطق العائلة رغم أنه لم تكن بينهم أي روابط أسرية باستثناء الانتماء إلى أسرة البزة العسكرية.
يضيف هشام عبود معطى مهما للغاية، ويتعلق بالأمن العسكري والمخابرات، إذ إن هذه الأجهزة كلها كرست لخدمة هؤلاء الجنرالات، في إغفال كبير لدورها الأساسي الذي يفترض فيها أن تحمي من خلالها وحدة البلاد وأمن الجزائريين. لكنها انصرفت لتأمين وصول هؤلاء الجنرالات إلى منابع الاقتصاد الجزائري وامتصاصها من جذورها وضخها في حسابات هؤلاء الجنرالات.