شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

هذا هو المهندس الفرنسي الذي أوكل إليه السلطان بناء مدينة الصويرة

يونس جنوحي

ازداد اهتمامي بالمنطقة الجنوبية، والسبب رجل قابلتُه في المحكمة بأگادير. هو رجل كان يرتدي لباسا أزرق وينحدر من گلميم. علمتُ أنه، قبل قرن، تلقت المنطقة شُحنة من القطن الأزرق من إنجلترا، وكانت الصبغة الزرقاء رديئة الجودة، وساح اللون من الثوب وصار الناس سعداء عندما لُطخت بشرتهم باللون الأزرق!
خاطبني الرجل، الذي كان يرتدي الأزرق، عن طريق صديقي المحلي، قائلا:
-«جودة القماش ليست جيدة هذه الأيام. يقولون إنه يُجلب من فرنسا، واللون لا يُعطي النتيجة المرجوة. انظر!». وفتح جلابته الواسعة من العنق، وفعلا كانت بشرته تحمل آثارا خفيفة من الصبغة الزرقاء. وهكذا كان التقدم يتعارض مع الذوق المحلي!
إنه من الغريب كيف أن البدو المنحدرين من الجنوب الأقصى يتعين عليهم أن يهتموا بمثل هذه الزينة لأنهم أكثر وسامة من إخوتهم شمالا.
الأكثر من هذا أنهم لا يحلقون شعر رؤوسهم كما يفعل أغلب المغاربة، ويجب على الرجل أن يكون وسيما فعلا لكي يتغلب على مظهر الإعاقة الذي تتسبب فيه حلاقة شعر الرأس.
الرجال «الزُرق» لديهم شعر طويل مُجعد، مثل جيرانهم في موريتانيا. في الحقيقة نادرا ما يتم الاعتناء بالشعر بشكل جيد، لكن شكله يمنحهم نوعا من التميز تؤكده ملامحهم المرسومة جيدا.
الطريق الجبلية كشفت فجأة عن مشهد لأفق البحر، مع كتلة بيضاء بدت فوق نتوء صخري صغير.
كانت تلك «موگادور» التي بناها السلطان الذي قرر تدمير أگادير.
قدّم طلبا للإنجليز لكي يحصل على مهندس معماري، لكنهم نصحوه بعسكري فرنسي لديه تاريخ في الهندسة المعمارية، اسمه «كورنيت».
ابتكر هذا العسكري طرق بناء ما وُصف بـ«تصوّر معماري من القرن الثامن عشر طُبق البناء المغربي».
كان بياض المباني المشع يشكل، فعلا، تباينا مع القرى الطينية، ترابية اللون، الواقعة في عمق الجنوب.
الصويرة لا تشبه أي مكان آخر في المغرب. إنها تشبه إسبانيا بشكل مثير للإعجاب. كانت تذكرني أكثر من مرة بإشبيلية.
تحيط أسوارها المسننة بشوارع وأزقة مستقيمة، بعكس تكتل الأزقة المتداخلة المعتاد في أماكن أخرى. المنازل كانت أعلى من المعتاد نظرا لأن المساحة الموجودة على الأرض محدودة، وغالبا ما تمر أسفلها شوارع جانبية، على شكل سلسلة من الأنفاق.
يصل تعداد الساكنة إلى عشرين ألفا، بينهم خمسة آلاف يهودي، وهو عدد فوق المعتاد.
قد تتسبب إشارتي المتكررة لأعداد اليهود في سوء فهم. هناك تنوع كبير وسط أبناء العرق اليهودي، مثله مثل غيره من الأعراق. يهود المغرب استقروا في البلاد قديما، وتبنوا عددا من العادات المحلية واحتفظوا طبعا بعاداتهم المرتبطة بالدين.
وحده زيهم – معطف طويل أسود وقبعة دائرية سوداء- يُميزهم، في أعين الأجانب، عن بقية المغاربة.
وهكذا، عند تخيل يهود موگادور يجدر بك أن تنسى السيد ليفي، الذي يعيش في شارع الضاحية بالقرب منك، والذي يظهر ازدهار تجارته الناجحة في مظهره الذكي.
إن اليهودي في بريطانيا يختلف كثيرا عن أخيه في الديانة، الذي يعيش في المغرب، تماما كما يختلف الرجل البريطاني عن الأمازيغي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى