يونس جنوحي
هدوء المالديف، على اعتبار أنها واحدة من أشهر الوجهات السياحية في العالم، لا ينعكس بالضرورة على أجوائها السياسية.
لا علاقة لرمالها البيضاء وشواطئها شديدة الزُرقة، بما يقع تحت قبة البرلمان. إذ إن الصحافة الآسيوية هذه الأيام مهتمة بتداعيات خطاب تنصيب الرئيس محمد مويزو، حيث حضر 24 عضوا فقط من أصل 81 عضوا لهذه المراسيم، وقاطعتها أحزاب المعارضة.
منذ شتنبر العام الماضي، والتوتر يسود الأجواء في جزر المالديف، والسبب هو التحول الجذري في الموقف السياسي من الهند، إذ إن حزبي المعارضة الرئيسيين في البلاد، وهما الحزب الديموقراطي المالديفي وحزب الديموقراطيين، أصدرا بيانا شديد اللهجة أدانا فيه ما أسماه البيان «التحول الأخير للحكومة نحو سياسة خارجية معادية للهند». ووصفا الخطوة بأنها «ضارة للغاية بالتنمية على المدى البعيد للبلاد».
هذا البلاغ وصف الهند بأنها «الحليف الأكثر قوة في المنطقة».
قراءة هذا البلاغ السياسي، ذي الأبعاد الأمنية والإقليمية، لا يمكن الخروج منها إلا بخلاصة وحيدة، وهي أن التحالفات في الشرق الأوسط تتعرض هذه الأيام لهزات تُنذر بأن الأحداث سوف تتطور بدون شك. ولا مكان هنا للتحالفات السياسية بقدر ما هناك تحالفات إقليمية تُمليها المصالح الاقتصادية، ثم الأمنية. وهذا ما يؤكده بلاغ المعارضة في المالديف، والذي جاء فيه أن «الاستقرار والأمن في المحيط الهندي أمر حيوي لاستقرار وأمن جزر المالديف».
هذه الدول التي أصبحت اليوم قوى اقتصادية مؤثرة في العالم أجمع، وليس في المحيط الهندي فحسب، كانت إلى حدود سبعينيات القرن الماضي تعاني مشاكل لا حصر لها، وبالكاد يظهر تأثيرها أمام تغول الاتحاد السوفياتي وهيمنة الحزب الشيوعي الصيني. حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت لم تكن لتتنبأ بالثورة الصناعية والعلمية، التي برزت من آسيا الشرقية.
لم يعد مثلا ملف التوتر بين تايوان والصين في صلب اهتمامات الولايات المتحدة الآن. نتذكر أن السياسة الخارجية الأمريكية خلال العام الماضي ركزت كثيرا على قضية تايوان، حتى أن وفدا أمريكيا رفيع المستوى زار تايوان، وهو ما تسبب في توتر إضافي مع الصين التي تعتبر المنطقة إقليما تابعا لها، بينما الولايات المتحدة تدعم خيارات تايوان الاقتصادية والسياسية البعيدة تماما عن التوجه الصيني.
ماذا يمكن أن تقدم المالديف للعالم لكي تحظى باهتمام الولايات المتحدة؟ الفاعلون الاقتصاديون في أمريكا وغيرها من دول العالم، يُدركون جيدا أن جزر المالديف تعاني من تغول ظاهرة الصيد غير المرخص، في أعالي البحار. الممارسات التي تجري حاليا هناك تُضر كثيرا بالنظام البيئي البحري. هناك اتهامات وجهتها منظمات عالمية تنشط في المجال، لأساطيل الصيد الصينية، واتهمتها بأنها تمارس أنشطة صيد غير مُبلغ عنها، وغير منظمة في قلب المنطقة الاقتصادية لجزر المالديف، وهو ما يزيد، حسب هؤلاء الخبراء، من استنزاف الموارد. الصيادون المحليون في المنطقة أصبحوا مُجبرين على الاعتماد أكثر على الدعم الحكومي، وعليهم تأخر في دفع الأقساط، وهو ما يورطهم في المزيد من المتاعب المالية. هذا التوسع الصيني في مجال الصيد البحري، يقابله انكماش في النشاط البحري لشركات الصيد المحلية، وهو ما يُنذر بارتفاع مؤشر مديونية قطاع الصيد البحري في المالديف على المدى البعيد.
في الوقت الذي يُتهم فيه الرئيس الحالي بأنه يضر بالعلاقات مع الهند، التي أعلنت في وقت سابق عن زيادة مخصصات الميزانية لجزر المالديف في إطار المساعدات الاقتصادية، فإنه يُتهم بالسماح للصين بالسيطرة على المزيد من الموارد، رغم أن الصين لم تتعد التوقيع على بعض الاتفاقيات مع حكومة الرئيس الجديد، والتي لم تتجاوز التعاون في مجال المناخ والزراعة والبنية التحتية، في وقت تمثل فيه الصين الدائن الأكبر لجزر المالديف.
الأيام المقبلة سوف تحمل تطورات جديدة في المنطقة بدون شك، ولا بد أن هناك من يرون في «المالديف» كل شيء، إلا شواطئها الساحرة.