شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسي

هدر الزمن التشريعي «البلوكاج» يواجه قوانين عالقة بالبرلمان

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
لم يتبق من عمر الولاية التشريعية الحالية سوى أشهر قليلة، بعد حسم وزارة الداخلية في تنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية قبل نهاية هذه السنة، ما يجعل الحكومة والبرلمان يواجهان تحدي المصادقة على مشاريع ومقترحات قوانين مهمة مازالت معروضة على أنظار اللجان البرلمانية منذ سنوات، حيث مازالت نصوص قانونين ذات أهمية تواجه عراقيل، إما بسبب خلافات بين مكونات المؤسسة التشريعية، أو بسبب تدخل «لوبيات» ضغط على الخط لإقبار هذه القوانين، أو بسبب عدم وجود إرادة سياسية لدى الحكومة لإخراج هذه القوانين، وعلى سبيل المثال، هناك قانون تجريم الإثراء غير المشروع، وقانون هيئة النزاهة ومحاربة الرشوة، وقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والقانون التنظيمي للنقابات وقانون الإضراب وغيرها.

منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية، كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
لكن، في الواقع، هناك انتقادات قوية بخصوص «هزالة» الحصيلة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، خلال الولاية التشريعية الحالية والتي تقترب من نهايتها، وذلك بالنظر إلى العدد الكبير من النصوص القانونية المهمة التي تنتظرها العديد من مكونات الشعب المغربي، لإخراجها إلى الوجود تفعيلا لمقتضيات جاء بها الدستور الجديد، ورغم أن فرق الأغلبية الحكومية تبرر ضعف الأداء التشريعي للبرلمان بهيمنة الحكومة على العمل التشريعي، فهذا لا يبرر أداء الفرق البرلمانية في أخذ المبادرة التشريعية، وفق الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد.

هيئة النزاهة ومحاربة الرشوة
على غرار قانون تجريم الإثراء غير المشروع، بدأت تظهر بوادر «بلوكاج» في المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المعروض على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بعد مطالبة فرق برلمانية بتأجيل اجتماع اللجنة عدة مرات بدون أسباب واضحة، خاصة أن بعض المقتضيات الجديدة الواردة في مشروع القانون أثارت جدلا كبيرا أثناء مناقشة القانون خلال اجتماع اللجنة، حيث اعترض برلمانيون من الأغلبية والمعارضة على منح اختصاصات لمأموري الهيئة تتقاطع مع اختصاصات ضباط الشرطة القضائية، من بينها إجراء الأبحاث والتحريات وتحرير المحاضر، مع إمكانية الولوج إلى مقرات أشخاص القانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، رغم أنهم لا يتوفرون على الصفة الضبطية.
ويتضمن المشروع مقتضيات جديدة تهدف، بصفة أساسية، إلى توسيع نطاق مهام الهيئة، ومراجعة آليات اشتغالها وقواعد تنظيم عملها ونظام حكامتها، وذلك بغية تحقيق درجة النجاعة والفعالية المطلوبة في عملها، وتوطيد الجهود التي تبذلها الدولة من خلال الأدوار المسندة لعدد من السلطات والهيئات لمواجهة ظاهرة الفساد بكل تجلياته، والعمل على محاصرتها بالوسائل الوقائية والردعية المتاحة.
ومن أهم المستجدات الواردة في المشروع، توسيع مفهوم الفساد، وينص القانون على أن المهام الجديدة الموكولة للهيئة في مجال مكافحة الفساد، في إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه وتطبيقاته، حتى يكون مفهوم الفساد شاملا لجريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، بدل حصر مفهوم الفساد في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر، كما ينص على ذلك القانون الحالي للهيئة، كما يشمل مفهوم الفساد أيضا المخالفات الإدارية والمالية، التي تشكل سلوكات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.
ويميز مشروع القانون بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة وهما الأفعال التي تشكل جرائم بطبيعتها، حيث عناصرها الجرمية واضحة، تحيلها الهيئة إلى النيابة العامة المختصة، ثم الأفعال التي تشكل مخالفات إدارية ومالية تكتسي طابعا خاصا يتنافى مع مبادئ التخليق والحكامة الجيدة وحسن تدبير الأموال العمومية، دون أن ترقى إلى درجة تكييفها جرائم قائمة بذاتها، ولكونها تعتبر مخالفات مهنية بالأساس، فإنها في حال ثبوتها تؤدي إلى متابعة تأديبية في حق مرتكبها وتوقيع عقوبات إدارية أو مالية في شأنها، مع تمكين الهيئة من إجراء أبحاث وتحريات وإعداد تقارير تحيلها على السلطات والهيئات المختصة بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية حسب الحالة.
ومنح المشروع للهيئة مجموعة من الصلاحيات الجديدة، نتيجة توسيع مفهوم الفساد، وتتمثل هذه الصلاحيات في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات في شأن حالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الوقائع المضمنة بها من خلال القيام بعمليات البحث والتحري، عبر إجراءات ميدانية تتجسد في الصلاحيات المخولة لمأموري الهيئة من أهمها الدخول إلى مقرات الأشخاص الخاضعين للقانون العام والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص وطلب الوثائق والمستندات والاستماع للأشخاص المعنيين، كما يتيح المشروع للهيئة وضع يدها على حالات الفساد التي تصل إلى علمها تلقائيا ودون أن تكون مقيدة بوجود شكاية أو تبليغ، كما يمكن المشروع الهيئة من التنصيب مطالبة بالحق المدني في القضايا المتعلقة بالفساد المعروضة على القضاء في حالة عدم تقديم الوكيل القضائي للمملكة لمطالبه المدنية نيابة عن الدولة داخل أجل ثلاثة أشهر، وذلك بغرض تمكين الهيئة من تتبع قضايا الفساد المعروضة على القضاء، وعلاوة على ذلك، فقد منح مشروع القانون الهيئة أيضا اختصاصا جديدا يتمثل في إمكانية قيامها، بطلب من السلطات العمومية، بإجراء تحقيقات إدارية في وقائع خاصة تتضمن مؤشرات حول شبهة وجود فساد وإعداد تقرير بشأنها.

قانون مكافحة غسل الأموال
بدأت تلوح في الأفق بوادر «بلوكاج» جديد في مسطرة المصادقة على قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بعد اعتراض نواب من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية على عقوبة مصادرة أموال المتورطين في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وطالبوا بتأجيل المصادقة على هذا القانون. وعبر نواب من فريقي الحزبين، في الاجتماع الأخير الذي عقدته اللجنة البرلمانية، عن رفضهم بشدة لما تضمنه الفصل 5-574 من القانون، والذي ينص على المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة من هذه الأموال،
ويأتي مشروع القانون في سياق تحديث وتطوير المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد وحماية النظام الاقتصادي والمالي بالمملكة. وأوضح الوزير، أثناء تقديمه للقانون، أن المنظومة القانونية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتجدد بين الفينة والأخرى، نظرا لطبيعة الجريمتين، وخصوصية مرتكبيها وتعدد المتدخلين فيها، لا سيما أمام تطور وسائل ارتكابها، وهو ما يفرض على التشريعات الوطنية مسايرة هذه المتغيرات والتطورات، وذلك من خلال تحيين ترسانتها القانونية وفق المعايير الدولية المعتمدة، خصوصا أمام إكراهات المراقبة الدولية وتداعياتها على أصعدة مختلفة، بما فيها النظام المالي والاقتصادي الوطني.
ويتضمن المشروع مجموعة من التعديلات، أهمها التأكيد على اختيار نظام اللائحة (أي الجرائم المحددة) بدل المنهج الحدي الذي يقتضي اعتماد كافة الجرائم كجرائم أصل لجريمة غسل الأموال، وذلك بتتميم لائحة الجرائم الواردة في الفصل 2-574 من مجموعة القانون الجنائي بإضافة جرائم جديدة في إطار نهج مقاربة التدرج كجرائم الأسواق المالية وجريمة البيع أو تقديم خدمات بشكل هرمي، وكذلك رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي وذلك تماشيا مع المعايير الدولية التي تستلزم كون العقوبة المحكوم بها في هذا النوع من الجرائم يجب أن تكون رادعة، بالإضافة إلى تعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية وإرساء قواعد الاعتماد على أطراف ثالثة من أجل تنفيذ المقتضيات المتعلقة بتحديد هوية الزبون والمستفيد الفعلي وبفهم طبيعة علاقة الأعمال.
ومن أهم التعديلات، كذلك، ربط سلطات الإشراف أو المراقبة، بإضافة السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية بالنسبة للكازينوهات ومؤسسات ألعاب الحظ، والسلطة الحكومية المكلفة بالسكنى بالنسبة للوكلاء العقاريين، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالنسبة لتجار المعادن النفيسة أو العادية أو الأعمال الفنية، مع مراعاة الاختصاصات الموكلة لكل جهة، على أن تحتفظ الوحدة بدورها كجهة إشرافية ورقابية بالنسبة للأشخاص الخاضعين الذين لا يتوفرون على جهة إشرافية ورقابية محددة بموجب قانون.

نقابات بدون قانون تنظيمي
ينص الفصل 8 من الدستور على وضع القانون المتعلق بالنقابات على غرار قانون الأحزاب، يحدد القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها، وأوضحت أن هذا الفصل بالإضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون وبالتالي الحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود، إضافة إلى ذلك فإن الدستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، كما أن الفصل 29 من الدستور أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
ولم تكشف الحكومة عن الأسباب الحقيقية لعدم إخراج قانون يهم تنظيم الحياة النقابية وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس.
ويحدد مشروع القانون المعروض على البرلمان مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم على الخصوص «كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة»، و«مدة ولاية الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير داخل الأجهزة»، و«شروط الانخراط وإقالة واستقالة الأعضاء» وكذا «أحكام تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة»، و«الجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة»، كما أكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن «لا تتجاوز أربع سنوات»، ليردف أن «الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العادية لنقابات العمال أو للمنظمات المهنية للمشغلين يجب أن لا تتجاوز المدة المنصوص عليها في النظام الأساسي في ما يتعلق بولاية الأعضاء المكلفين بإدارة وتسيير هيكل النقابة أو المنظمة على جميع المستويات.»، كما أن النقابات أو المنظمات المهنية مطالبة بـ«احترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها قبل تسوية وضعيتها».

مشروع القانون الجنائي.. «بلوكاج» تشريعي بطعم سياسي
ما زال مشروع القانون الجنائي يراوح مكانه في المؤسسة التشريعية، بعد ما يزيد على ست سنوات من إثارته أمام المجلس الحكومي، فقد أعاد فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب المطالبة بضرورة المصادقة على مشروع القانون رقم 10.16، الذي يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، ويتضمن مادة حول تجريم الإثراء غير المشروع، وأثارت جدلا واسعا في المؤسسة التشريعية منذ سنة 2016.
وسبق أن طالبت ثلاثة فرق برلمانية تنتمي إلى الأغلبية البرلمانية لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بتأجيل وضع التعديلات على مشروع القانون رقم 10.16، الذي يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، مطالبة فرق التجمع الدستوري والحركي والاشتراكي بتأجيل التعديلات، دفعت إلى وضع مواجهة الإثراء غير المشروع في «ثلاجة البرلمان»، في وقت اختار العدالة والتنمية المنتمي كذلك إلى الأغلبية وضع تعديلاته السابقة، مع الاحتفاظ بالصيغة الحكومية في ما يخص مواجهة الإثراء غير المشروع.
واكتفت فرق المعارضة وأبرزها الاستقلال والأصالة والمعاصرة، بالاحتفاظ بالتعديلات التي سبق وضعها حول مشروع القانون الجنائي، بعدما قدمته الحكومة منذ سنة 2016 أمام نواب الأمة، في حين قررت الأغلبية تقديم تعديلاتها متفرقة بعد الخلافات التي حدثت بينها. وعاشت الأغلبية البرلمانية على وقع خلافات كبيرة بين مكوناتها في ما يتعلق بمادة الإثراء غير المشروع، الأمر الذي أدى إلى تقديم تعديلات غير متوافق عليها، وهو ما أدخل المشروع في حالة «بلوكاج». في حين خرج فريق الاتحاد الاشتراكي بتقديم مقترح قانون مواز حول الإثراء غير المشروع.
وتنص الصيغة الحكومية، التي جاءت بها الحكومة السابقة، وترفضها مكونات من الأغلبية الحالية لكونها تمس مصالح عدد من قيادييها، على أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100.000 درهم إلى مليون درهم، كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة».
وتضيف الصيغة الحكومية أن ذلك يأتي «انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر، بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يُدلِ بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة»، مشيرة إلى أنه «يجب في حالة الحكم بالإدانة الحكم بمصادرة الأموال غير المبررة، طبقا للفصل 42 من هذا القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية، طبقا للفصل 86».
لا يتعلق الأمر بتغيير القانون الجنائي بشكل كامل، بل هي مجرد تعديلات لمجموعة من الفصول، وإضافة لأخرى، إذ تتحدث وزارة العدل والحريات، التي أشرفت على إعداد هذا المشروع القانوني، عن مجموعة من المستجدات في النص الجديد الذي تمت إحالته على البرلمان، قبل سنتين. كما أن مشروع تعديل القانون الجنائي، يعكس «مراجعة شاملة لهذا القانون تهدف وتمس سياسة التجريم والعقاب، وملاءمة أحكام القانون الجنائي مع مبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية، بهدف وضع قانون جنائي حديث وعصري، كما أن المشروع أدرج جرائم جديدة، كـ«جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتجريم الاختفاء القسري، والاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين، والتحريض على الكراهية، بالإضافة إلى إعادة تنظيم مقتضيات التعذيب».
وتقول الوزارة إنه قد تم تخفيض عدد المواد التي تنص على عقوبة الإعدام من 31 مادة إلى 11 مادة فقط، بالإضافة إلى تحويل 13 مادة من أصل 27 تعاقب بالسجن المؤبد إلى السجن المحدد، مع تجنيح 10 جرائم كانت تعتبر جنايات، وحذف الاعتقال في المخالفات، بالإضافة إلى «تشجيع العدالة التصالحية وتبسيط مسطرة التنازل عن الشكاية».
وضم مشروع تعديل القانون الجنائي أيضا مجموعة من المقتضيات، التي تنص على «تجريم ترك وإهمال الواجبات الزوجية، وتجريم الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وتجريم تبديد الزوج لأمواله للتحايل على مستحقات النفقة أو السكن، وكذا حذف الحرمان من المعاشات كعقوبة، نظرا لأثر ذلك على الأسرة والأطفال». بالإضافة إلى «تجريم الإكراه على الزواج، وتشديد عقوبة السب والقذف إذا استهدف المرأة بسبب جنسها، والنص على تدبير وقائي جديد في جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو الاتجار بالبشر ضد المرأة، بالإضافة إلى توسيع مفهوم التحرش الجنسي».

المسطرة التشريعية بين الحكومة والبرلمان
تكون مسطرة التشريع داخل البرلمان، إما بمبادرة الفرق البرلمانية أو من الحكومة، وحق المبادرة البرلمانية يكون من طرف عضو أو عدة أعضاء من الفرق البرلمانية الذين يتقدمون بمقترحات القوانين، أما الحكومة فتقدم مشاريع القوانين وتعرضها للمصادقة على المجلس الحكومي، قبل عرضها على البرلمان، بحيث تحظى بالأولوية أثناء إدراجها في جدول أعمال اللجان الدائمة المختصة. وهناك العديد من الإكراهات التي تقيد حرية البرلمانيين في التشريع، وهي إكراهات تكون إما بحكم القانون نفسه أو بحكم الواقع، ويكون للحكومة الحق في أن تدفع برفض كل مقترح أو مبادرة تعديل قانون تؤدي إلى خلق اختلال بميزانية الدولة أو الرفع من التكاليف أو تمس بالموارد المالية.
حسب أجندة اللجان البرلمانية، هناك ما يزيد عن 200 نص قانوني معروضة على أنظار اللجان، دون إخضاع هذه القوانين للمناقشة والدراسة، ما جعل بعضها يدخل طي النسيان، بعدما تم تجميدها داخل الرفوف، بينها مشاريع قوانين عرضتها الحكومة على البرلمان بعد المصادقة عليها داخل المجلس الحكومي، ومقترحات قوانين قدمتها مختلف الفرق البرلمانية، بالإضافة إلى النصوص المتبقية من الولاية السابقة. وأمام غزارة هذه القوانين، سيكون مكتب المجلس، واللجان البرلمانية الدائمة أمام تحد كبير، يتعلق بإخراج هذه القوانين من «ثلاجة» التشريع وإدخالها إلى المسطرة التشريعية، قبل نهاية هذه الولاية.
وتمر عملية التشريع التي تنتج القوانين تحت قبة البرلمان بعدة مراحل، قبل الوصول إلى تنفيذ هذه القوانين بعد نشرها بالجريدة الرسمية، فطبقا للنظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، تودع بمكتب المجلس مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ومقترحات القوانين ومقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ويأمر مكتب المجلس بتوزيعها على النواب، ويحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة، في أجل 20 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة، وإذا انصرم الأجل، يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجة دراستها للمقترح، ويحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة، ويتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه 60 يوما، من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة للمناقشة والتصويت.
ويتكلف رئيس المجلس بإحالة على اللجنة الدائمة المختصة كل مشروع قانون تم إيداعه أو مقترح قانون تم إيداعه لدى مكتب المجلس، وتبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، وتنظر اللجان في النصوص المعروضة عليها، أولا بتقديم النص من طرف ممثل الحكومة بالنسبة لمشروع القانون، أو من طرف واضع مقترح القانون، ثم يتم الشروع في المناقشة العامة للنص، وبعد انتهاء المناقشة العامة، يحدد مكتب اللجنة موعد جلسة لتقديم التعديلات كتابة، وتجتمع اللجنة بعد 24 ساعة للنظر في التعديلات بعد مناقشته، ثم بعد ذلك يتم التصويت على كل تعديل، قبل التصويت على النص التشريعي برمته.

ثلاثة أسئلة لعبد الحفيظ أدمينو أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط «أزمة كورونا غيرت الأجندة التشريعية والحكومة تولي أهمية لمشاريع القوانين بدل المقترحات»
ما هي الأسباب وراء ضعف الجانب التشريعي لكل من الحكومة والبرلمان؟
في تقديري أن السنة التشريعية التي مرت موسومة بجائحة كورونا، حيث إنه منذ مارس 2020 وما تلاه، كان كل التركيز منصبا على القوانين التي لها علاقة مباشرة بجائحة كورونا، ففي الوقت الذي كان للقانون المالي الحيز الأوفر في دورة أكتوبر، وهذا هو الغالب، كانت معظم القوانين في دورة أبريل، بل ومنذ مارس، ابتداء من مراسيم القوانين التي وصل عددها إلى حوالي خمسة، بالإضافة إلى بعض النصوص القانونية الأخرى تحمل طبيعة استعجالية لها علاقة بالفيروس التاجي. كما أن الأزمة الصحية أثرت على الجانب التشريعي وبعض القوانين التي كانت معروضة على البرلمان، والتي جزء منها قطع أشواطا في الجانب التشريعي، هذا بالإضافة إلى أن من بين هذه القوانين، النص التشريعي المتعلق بتفعيل المادة 133 من الدستور، والمتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين والطعن في عدم دستورية القوانين، وبعض القوانين التي كان فيها مشكل بين الحكومة والنقابات، والأمر يتعلق بالأساس القانون التنظيمي للإضراب والقانون التنظيمي للنقابات.
في السياق ذاته، فإن النصوص القانونية التي تم تأجيل المصادقة عليها، مقابل التعجيل بالمصادقة على التشريعات الخاصة بها، لا تقل أهمية عن النصوص القانونية الأخرى المرتبطة بالأزمة الصحية، وذلك أن هذه النصوص كانت مسطرة في الأجندة التشريعية، إضافة إلى أن «هذا الأمر ينصرف حتى إلى بعض النصوص التي جاء بها البرنامج، والحديث هنا عن عدة قوانين من بينها قانون التطوع وقانون التشاور العمومي، وملاءمة قانون الجمعيات، بالإضافة إلى عدد مهم من النصوص القانونية التي لم يتم برمجتها خلال هذه الدورة التشريعية. كما يجب التنبيه بالرجوع إلى الحصيلة التشريعية لهذه السنة التشريعية، وإلى حدود اليوم، إلى أنها تضم أكثر من 19 قانونا، نصفها كانت اتفاقيات دولية، وبالتالي فنحن في الحقيقة أمام نقص في التشريع.

هل الحكومة هي المسؤولة عن هزالة الحصيلة التشريعية؟
من جانب آخر، تجب الإشارة إلى أن تعامل الحكومة مع مقترحات القوانين يطرح إشكالات كبيرة، حيث إن مقاربة الحكومة في الجانب التشريعي تعطي الأولوية لمشاريع القوانين على حساب مقترحات القوانين، كما أن هناك العديد من القوانين التي تتطلب تدخلا تشريعيا مستعجلا، من هذه القوانين ما هو مرتبط بالأزمة الصحية، وقد جاء في الخطابات الملكية، كما هو الشأن بالنسبة إلى صندوق محمد السادس لدعم الاستثمار، وقانون ينتظر أن يتم اعتماده وهو المتعلق بالتدبير الاستراتيجي للمؤسسات العمومية، دون إغفال عدد من مراسيم القوانين التي تهم استفادة الأجراء من صندوق الضمان الاجتماعي، هذا بالتأكيد على أن القوانين التنظيمية لا تقل أهمية، وعلى رأسها استكمال المسطرة التشريعية للقانون التطبيقي للنص 133 من الدستور، وكذلك القانونين المتعلقين بالإضراب والنقابات، على اعتبار أن الدورة الحالية قد انتهت، والدورة المقبلة من المحتمل أن تكون مخصصة بالكامل للقوانين الانتخابية، والتي ينتظر أن تهيمن على النقاش التشريعي في البرلمان، وحتى على الأجندة البرلمانية، خاصة إذا كانت هناك نصوص قانونية أو تعديلات لم يتم تداولها في المفاوضات، التي عقدتها وزارة الداخلية مع ممثلي الأحزاب السياسية.
ما هي الآثار التي يمكن أن تكون لهذه الحصيلة التشريعية على الحكومة القادمة؟
هدر الزمن التشريعي، بالإضافة إلى ما فرضته أزمة كورونا من تغييرات في الأجندة التشريعية للبرلمان والحكومة، سيكون لكل ذلك تأثير مباشر على الحكومة القادمة بعد انتخابات صيف 2021، على اعتبار أن تلك المشاريع قوانين والتي لم تر النور خلال الولاية الحالية والسنة التشريعية الحالية، ستكون على رأس أولويات الحكومة القادمة، بالإضافة إلى أن عددا من القوانين التي كان من المنتظر أن تصدر، بما فيها القوانين المرتبطة بالبرنامج الحكومي وأيضا القوانين التنظيمية، قد يتم نقلها إلى الحكومة المقبلة. كما أن قانون النقابات وقانون الإضراب يدخلان في خانة القوانين التي باتت تحمل طابعا استعجاليا، على اعتبار أن النقابات المهنية مقبلة على انتخابات، ناهيك عن أن قانون الإضراب مهم أبضا بالنسبة إلى التدابير التي تتخذها الدولة لدعم الاستثمار والبرامج التي وقعتها الحكومة في عدد من القطاعات كالقطاع السياحي والصناعي، وهذا الأمر يبرز أن قانون الإضراب له أهميته في العلاقة بالأزمة المرتبطة بجائحة كورونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى