هؤلاء تعمدوا ترك بوضياف بدون حماية ليسهل اغتياله
يونس جنوحي
بدأت خيوط المؤامرة تتشكل إذن. تحرك بوضياف إلى عنابة يوم 29 يونيو بدون وزير الداخلية العربي بلخير. وهو ما خلف استياء وسط الجنرالات إذ لم يهضموا أن يتحرك رئيس البلاد بدون تأطير منهم. ورد الفعل الذي قاموا به أنهم سحبوا المسؤول الأول في الجزائر عن الدرك الوطني والذي كان من مهامه تأمين فريق الدرك المرافق للموكب الرئاسي. أي أن بوضياف كان يتحرك من شرق الجزائر إلى غربها بدون حماية، وفي سياق محتدم تغلي فيه الأوضاع بينه وبين قيادة الجيش.
ما رواه نزار
حكى الجنرال نزار، كما يذكر هشام عبود، في سيرته الذاتية التي تناول فيها مساره العسكري، عن اللحظات العصيبة لتلك المواجهة بين الجيش والرئيس محمد بوضياف. يقول إن اجتماعا غير رسمي جرى بين الجنرال توفيق والجنرال نزار تحدثا فيه عن العربي بلخير. وكان الوضع سيئا للغاية. إذ إن كل المسؤولين الأمنيين الكبار بقوا في الجزائر ولم يرافقوا الرئيس، ولم يكن ذلك وضع وزير الداخلية وحده.
وبينما كان الرئيس مسافرا جرت تلك المكالمة غير الرسمية بين الجنرالين، والتي تحدثا فيها عن وزير الداخلية. يقول هشام عبود: «في كتابه، فسر الجنرال نزار هذه الغيابات، بأقل الأعذار إثارة للقلق. إذ فسر الغياب بأن الرئيس لم يكن يريد الظهور برفقة وجوه النظام القديم. والذين قد يشكلوا له تحديا». يقول هشام عبود إن التفسير الذي قدمه الجنرال نزار كان واهيا جدا وغير منطقي. إذ إن المسؤولين الأمنيين الكبار في الجزائر والمشرفين على الحرس الخاص والدرك الوطني وأذرع الحماية المؤمنة للموكب، كانوا كلهم غير معروفين للجزائريين. بل إن دورهم الأساسي كان عدم الظهور إلى جوار الرئيس وممارسة دورهم الأمني من مواقع تأمين الموكب. لكنهم لم يسافروا أساسا مع الرئيس وبقوا في العاصمة الجزائر وتركوا حياته معرضة للخطر في أي لحظة. نسف هشام عبود، إذن، نظرية الجنرال نزار ومن معه، وعرى كيف أنهم كانوا يخططون لاغتيال بوضياف في تلك السفرية من خلال تغييب الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حمايته الجسدية باعتباره أعلى سلطة في الجزائر.
لكن السؤال الذي بقي مطروحا، يقول عبود، من سيؤمن إذن سفر الرئيس. يقول: «من سينظم إذن سفر الرئيس؟ شخص من محيطه الخاص وهو الحسين بن جودي. هكذا أجاب الجنرال نزار، وهو يعلم أن الحسين كان مجرد شخص عادي. كيف ترك هؤلاء المحترفون والخبراء الأمنيون شخصا هاويا في مجال الأمن ليتكلف بحماية الرئيس خلال فترة شهدت تهديدات بعمليات إرهابية؟
كما لو أنه لم يكن مسؤولا عن الأمن، كان الجنرال توفيق قد اتصل بالجنرال نزار، واقترح عليه أن يتكلف العربي بلخير بتنظيم سفر الرئيس. واكتفى الأخير بعقد اجتماع غير رسمي مع بن جودي، حسب رواية الجنرال نزار دائما».
نفهم، إذن، من تبريرات الجنرال نزار أن الجيش تعمد أن يكون شخص عديم التجربة هو المسؤول عن أمن الرئيس في الوقت الذي كان فيه كل المسؤولون الكبار في الدولة جالسين في العاصمة الجزائر، غير آبهين بسلامة رئيس الجمهورية، والتي تدخل ضمن أولى وأبرز اختصاصاتهم الأمنية والمهنية.
رئيس للقنص
كانت ساعة اغتيال بوضياف تقترب إذن. كشف هشام عبود كل المسؤوليات الأمنية الملقاة على عاتق الجنرالات. البلاد كانت تعرف تهديدات بعمليات إرهابية، كان ينفذها أصلا مقربون من الجيش لإدخال البلاد في حمام دم وجعل محمد بوضياف يبدو للخارج على أنه رئيس دولة عاجز عن توفير الأمن. وفي عز الأوضاع الأمنية المنفلتة تهرب المسؤولون الكبار في الجيش والأمن من حماية موكب الرئيس بحجة أنه عندما عاد من المغرب، ولقائه الأخير مع الملك الحسن الثاني، لم يعد يريد أن يشتغل مع الجنرالات.
من سوف يتكلف إذن بإرسال من سيطلق الرصاصة الأخيرة على بوضياف؟