هؤلاء المغاربة خرجوا أيضا من حي مولنبيك البلجيكي
لا يبعد حي مولنبيك عن وسط العاصمة البلجيكية، بروكسيل، إلا ببضعة كيلومترات. في هذا الحي الشعبي، يجد المغاربة والعرب يسرا في التواصل وعسرا في الاندماج. هناك لست في حاجة إلى استحضار مهاراتك في لغة موليير، ولن تكون في حاجة إلى نمط العيش الأوربي، لأنك في حي تغزوه المباني المتهالكة وتسكنه الكائنات التي تعاني من عطب الإدماج.
يقبل المغاربة على هذا الحي الذي يبلغ عدد سكانه مائة ألف نسمة، نصفهم مسلمون، وثلاثة أرباعهم ينحدرون من أصول مغربية غالبيتهم نازحون من ريف المغرب.
مولنبيك حي منهك كمحيا المهاجر المغربي الذي يقضي عطلته في مقاهيه المكتظة، وكلما اشتاق مغاربة أحياء بروكسيل الأخرى كسكاربيك وميدي وهارن، ثم شاربيك للمغرب، إلا وهرولوا نحو مقاهي مولنبيك هناك يشمون رائحة البلد ويمارسون هواية العطس بعد استنشاق سطور «النفحة» التي تنعش صدورهم وتطرد منها الغبن الساكن في ثناياها. وفي المساء يعودون إلى بيوتهم وقد شدهم الحنين لشاي مقاهي الحي الذي يخطط العرب لاحتلاله.
تعد «مولنبيك سان جون» واحدة من البلديات التسع عشرة للعاصمة البلجيكية بروكسيل، والتي تحولت إلى بلدية «مبحوث عنها»، حيث استقر بها المحققون والباحثون عما تبقى من عناصر الخلايا الإرهابية الداعشية التي روعت بروكسيل وقبلها تركيا وباريس.
المغاربة يعرفون هذه البلدة جيدا، والتي تحولت في رمضان إلى أحياء مغاربية تنتشر فيها كل التقاليد وتمارس بها الطقوس الدينية الإسلامية بحرية حد التطرف، حتى أصبحت ملاذا للمهاجرين الذين أخطأتهم مخططات الاندماج.
تعرف مصالح الأمن البلجيكي ووسائل الإعلام وخبراء الهجرة مولنبيك جيدا، فهي المنطقة التي أنتجت كثيرا من الشباب المرحلين للقتال في صفوف «داعش»، وفيها نشأ عبد القادر بلعيرج والعقول المدبرة والمنفذة لهجوم باريس كعبد الحميد أبا عود وصلاح عبد السلام، وشقيقه الذي فجر نفسه في «ستاد دو فرانس»، وأيوب الخزاني الذي نفذ هجوما على القطار السريع الذي يربط بين أمستردام وباريس، كما مهدي نموش منفذ الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسيل، كما مر من هناك منفذو ومخططو تفجيرات مدريد سنة 2004. وقبل هذا التاريخ قام شابان من أبناء حي مولنبيك باغتيال القيادي الأفغاني، أحمد شاه مسعود، الذي كان أبرز معارضي حركة طالبان، ومنذ ذلك الحين أصبحت انشغالات السلطات الأمنية في مولنبيك هي تعقب المتطرفين وتفكيك خلاياهم.
لكن هذا لا يمنع من النظر إلى النصف المملوء من الكأس، والتأكيد على أن هذا الحي المتهم بنشر التطرف، أنجب شخصيات مغربية ساهمت في بناء بلجيكا، وقدمت لهذا البلد خدماتها في السياسة والفن والرياضة والاقتصاد والعمل الاجتماعي.
بائعة الورود التي تحولت إلى وزيرة
ترجع أصول فضيلة لعنان إلى قرية بني سيدال الأمازيغية في منطقة الريف شمال المغرب. هاجر والدها في بداية الستينات واستقر في مولنبيك، كان همه إنعاش الأسرة والاستقرار بعد التقاعد في المغرب، لكن القدر كانت له كلمته، حيث تحولت الزيارة العابرة إلى إقامة نهائية، بعد أن أنجب الوالد ثلاثة أبناء وأربع بنات، على رأسهن فضيلة التي خرجت إلى الوجود سنة 1967.
في ظل تعدد أفراد الأسرة لم يمانع الوالد في خروج أبنائه إلى سوق العمل، بموازاة مع الدراسة، إذ بدأت بائعة للورود ونادلة في مقهى ببروكسيل قبل أن تصبح وزيرة للثقافة والإعلام، محققة حلم والدتها.
لكن نقطة التحول في حياة فضيلة هي انخراطها، وهي في الثامنة عشرة من عمرها، في العمل الجمعوي، وتحديدا في جمعية «شبيبة مغاربية»، التي ستصبح رئيسة لها، وتسارع الزمن من أجل الحصول على الجنسية البلجيكية التي منحتها حق ممارسة العمل السياسي، «عملت مستشارة في ديوانين وزاريين للثقافة، ثم مستشارة في المجلس الأعلى للإعلام، قبل أن تصبح عام 2004 أول امرأة من أصول عربية إسلامية تعين وزيرة للثقافة في بلد غربي ذي ديانة مسيحية»، يقول الباحث طه عدنان في رسمه لبورتريه فتاة مكافحة.
في بداية التسعينات، دخلت فتاة ضئيلة بملامح عربية إلى قاعة اجتماع يضم مسؤولين سياسيين. تفحصتها الأعين. أحد البرلمانيين سألها إن كانت هنا لإعداد القهوة. لكن الشابة لم تكن إلا المستشارة القانونية لوزير الثقافة البلجيكي الأسبق، إيريك توما. بعد زهاء عقدين، وقفت فضيلة لعنان تدافع عن أولويات الرئاسة البلجيكية الدورية لأوربا أمام لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان الأوربي، قبل أن ترأس لعنان مجلس وزراء الثقافة والإعلام في الاتحاد الأوربي. ولدت فضيلة في القلب النابض لبروكسيل، واستنشقت عبق تاريخ أحيائها واشتغلت على الثراء الثقافي لهذا البلد، وعايشت مشاكل الجالية المغربية، مما قوى ارتباطها بأصولها وبقضاياها، حتى أصبح رهانها الأكبر هو «دمج البعد الثقافي في السياسات الوطنية والأوربية لمكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي».
بموازاة مع ذلك تحرص فضيلة على تربية ابنيها، المكي وأمينة، وتلعب دورها كأم ترضعهما حليب المواطنة، وتصر على التمسك بالتقاليد الثقافية للمغرب، حيث يظل الكسكس وجبتها المفضلة، والراي عشقها الغنائي طبعا إلى جانب حبها الجارف لعملها في البرلمان الفيدرالي عن الحزب الاشتراكي الفرونكفوني، وشغلت منصب وزيرة الشباب والسمعي البصري في الحكومة الفرونكفونية.
ابن المنجمي الذي أصبح وزيرا للشغل
ولد رشيد مضران سنة 1968 بمدينة بروكسيل، وعاش طفولته في حي مارول، لكنه نسج علاقة وجدانية مع مولنبيك، حصل على شهادة الإجازة والاتصال من جامعة بروكسيل الحرة، ليدخل غمار مهنة المتاعب متسلحا برصيد معرفي، لينخرط في الحزب الاشتراكي في منتصف الثمانينات، ويدخل غمار العمل السياسي، حيث مستشارا في مجلس مقاطعة إيتربيك سنة 2000، وجدد التجربة الانتخابية سنة 2012، ومنها عبر إلى البرلمان الجهوي لبروكسيل، حيث اشتغل على ملف إدماج أبناء الأحياء المهمشة والتي تقطنها أغلبية عربية، خاصة مولنبيك، وفي سنة 2012 عين كاتبا للدولة في الحكومة الفرونكفونية مكلفا بالتعمير، ووزيرا للدولة مكلفا بالتكوين المهني والعمل الاجتماعي.
صنع الرجل مسارا سياسيا مميزا من خلال منصبه كوزير للعمل الاجتماعي والتكوين المهني والثقافة والعلاقات الخارجية في الحكومة البلجيكية، وكاتب للدولة مكلف بالتعمير والنظافة العامة بضاحية بروكسيل العاصمة.
لا يتردد رشيد في استحضار قصة راسخة في مساره رواها لصحيفة «البيان» قائلا: «هذه قصة وقعت لي شخصيا عندما حصلت على الباكالوريا في بلجيكا، أحببت أن أذهب إلى المغرب من أجل الحصول على شهادة باكالوريا ثانية باللغة العربية، لم يكن لدي الإمكانيات المالية، فقصدت سفير المغرب السابق، فالأمر يرجع إلى سنوات الثمانينات من القرن الماضي. تفاجأ هذا المسؤول المغربي وقال لي إنه لأول مرة في حياته يسمع أن هناك من يريد أن يذهب من بلجيكا إلى المغرب من أجل الحصول على شهادة بكالوريا باللغة العربية. وقال إنه ليس هناك منح من هذا النوع، ونصحني أن أسأل في السفارة المصرية، وفعلا سألت هناك وقبلوا أن يقدموا لي منحة دراسية بمصر، لكن والدي رفض لأنه لم يشأ أن أذهب إلى المجهول في ظل تلك الظروف الصعبة، ووسائل الاتصال أيضا لم تكن سهلة كما الآن».
ويضيف مضران في البوح نفسه: «الجالية المغربية هنا ببلجيكا، جاءت بطلب من البلجيكيين وبناء على اتفاقية مع المغرب تقضي بحاجة بلجيكا إلى عمال ليقوموا بأعمال صعبة جدا، أعمال رفض البلجيكيون القيام بها. لذلك يجب الاعتراف بجهود هؤلاء الرواد الذين قدموا في أوائل الستينات وساهموا في بنائها».
مراسل «لوبينيون» الذي أصبح برلمانيا
حمل الطموح السياسي المواطن المغربي، حمزة الفاسي الفهري، إلى هودج البرلمان الفرونكفوني البلجيكي، وتحدثت الصحف البلجيكية عن بلجيكي صعد نجمه وأصبح رئيسا لبرلمان جهوي ببليجكا، وهو ما يؤكد اختراق المغاربة للمشهد السياسي في هذا البلد الذي أصبح ثلث سكان عاصمته بروكسيل مغاربة، ما يعني أن المغاربة يشكلون نسيجا جمعويا هاما في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعاصمة البلجيكية.
ينتمي الفاسي الفهري إلى مجموعة المركز الديمقراطي الإنساني، ولا يتردد في الافتخار بالمنصب، لكونه أول نائب بلجيكي من أصل مغربي يجلس على هذا الكرسي، لذا كان الهم الأول هو تفعيل وصفات الإدماج في حي يعاني من أعطاب اجتماعية، والعمل على تقريب المواطنين من المؤسسات والمنتخبين الذين يمثلونهم. ولد الفاسي الفهري يوم 25 يونيو 1976 بمدينة القنيطرة، وهاجر إلى بلجيكا رفقة والديه وعمره 12 سنة، هناك استدرك قطار التمدرس الذي ركبه من القنيطرة وهو طفل أنهى بالكاد المرحلة الابتدائية. اختار الفتى الصحافة وحاز على شهادة الإجازة من أكبر جامعة في العاصمة، لكنه درس أيضا الاقتصاد والسياسة الدولية، وعمل صحافياً في صحيفة «ميترو»، وفي راديو «بي إف إم»، كما عمل مراسلا لصحيفة «لوبنيون» اللسان الفرونكفوني لحزب الاستقلال، قبل أن يتخصص في الإعلام الاقتصادي والشؤون الأوربية، وعمل أيضاً مراسلا لصحيفة «ليكونوميست» المغربية، إلى جانب عمله مستشارا لمجموعة من الشركات البلجيكية.
انخرط حمزة في حزب المركز الديمقراطي الإنساني، المعروف اختصارا بـ«سي دي إي» بعد تغيير اسم الحزب، إثر هزيمته السياسية سنة 1999، وهو الذي كان يسمى سابقا «الحزب الاجتماعي المسيحي»، ليس الفاسي هو المغربي الوحيد في البرلمان البلجيكي، بل هناك الكثير من السياسيين كفوزية طلحاوي، وفؤاد احيدار، وفتيحة السعدي، وغيرهم ممن صنعوا الحدث في المشهد السياسي البلجيكي وفي بروكسيل بشكل خاص.
محمد بوقنطار الشيوعي الذي دافع عن تعليم العربية
حل محمد بوقنطار ببروكسيل سنة 1965 قادما من المحمدية، وعلى الفور دشن علاقته بالسياسة بالانخراط في شبيبة الحزب الشيوعي البلجيكي، الذي كان تناضل داخله العديد من الأجناس الأوربية المختلفة، وعبر الحزب نسج علاقات مع المهاجرين المغاربة في بروكسيل، وخاصة حي مولنبيك، وهو المشبع بالأفكار التحررية، يقول بوقنطار في إحدى تدويناته: «فكرنا أنه لا يمكننا أن نبقى كمغاربة خارج المواطنة، وخلقنا رابطة المهاجرين وأسسنا مجلسا استشاريا للسكان غير البلجيكيين، ونظمنا انتخابات وانتخبنا مجلسا وتحملت رئاسة هذا المجلس، وكنت أول من اقترح تعليم اللغة الأم وتدريسها في المدارس الابتدائية ببلجيكا، كنت آنذاك منفيا، وكنت أمثل حركة التغيير الثوري وكانت أيضا 23 مارس، لكنهم كانوا ضد المشاركة السياسية، سواء في النقابة، أو في المجلس البلدي ببلجيكا».
يصر بوقنطار، المستشار الجماعي، على أن التأطير السياسي مفيد للجالية المغربية، خاصة في بلدية مولنبيك التي يصوت فيها 80 في المائة لفائدة الحزب الاشتراكي، ويضيف بوقنطار قائلا: «سلطة صنع القرار التي يملكها مغاربة بلجيكا جد مهمة». وحسب رأيه، إذا كان الحزب الاشتراكي يسيطر على الحياة السياسية في بلجيكا، فهذا راجع إلى تصويت أغلبية المغاربة القاطنين في بلجيكا لصالح الاشتراكيين. يضم حزب اليسار أكبر تنوع في لوائحه الانتخابية في البلاد، ويبدو أن دعم الجالية المغربية قد أصبح مكتسبا بالكامل.
نبيل بن يادير مخرج ندر حياته لانشغالات المهاجرين
حين تتصفح موسوعة ويكيبيديا، بحثا عن نجوم حي مولنبيك، ستعثر على اسم مغربي بين كثير من البلجيكيين، ويتعلق الأمر بالممثل والمخرج السينمائي، نبيل بن يادير، المتحدر من أصول مغربية لأبوين مغربيين. لم يكن نبيل مخرج فيلم «البارونات» و«خروج البهلوان» و«المسيرة» و«الفأس»، يعلم أن قدره يقوده نحو الشهرة عبر بوابة الفن السابع، «أنا لا أعرف أحدا من المخرجين العظماء. كنت أعتقد أن اسم تروفو هي علامة تجارية للشوكولاتة. أنا طفل ترعرع مع أعمال لويس دي فنيس، وبعض الأفلام من قبل لوك بيسون ومارتن سكورسيزي». كان المسرح بوابة نبيل نحو الفن، وتألق بشكل ملفت في مسرحية «غوانتاناموك»، ومع مرور الوقت ترشح فيلمه «المسيرة» لجوائز «ماغريت» للسينما، وهي الجوائز التي تكافئ أفضل الأفلام البلجيكية، ويحكي الفيلم قصة المسيرة السلمية من أجل المساواة وضد العنصرية التي أطلقها، في سنة 1983 في فرنسا ضحية اللاتسامح وحالات العنف العنصري آنئذ، ثلاثة مراهقين وقس على مسافة تتجاوز الألف كيلومتر ما بين مرسيليا وباريس. وأعلنت أكاديمية أندري ديلفو، منظمة هذا الحدث، أن هذا الفيلم الطويل الذي استلهمت أحداثه من المسيرة التي تم تنظيمها بفرنسا سنة 1983 من أجل المساواة وضد العنصرية، تم ترشيحه في فئات «أفضل فيلم» و«أفضل إخراج» و«أفضل سيناريو أصلي أو مقتبس» و«أفضل ممثلة في دور ثانوي»، و«أفضل ممثل في دور ثانوي» و«أفضل توضيب» في ما يشبه الاكتساح، الذي امتد لمهرجان مراكش للسينما ومهرجان السينما والهجرة بأكادير.
الزوفري.. تشكيلي يرسم جداريات مولنبيك
وصفت لوحاته بالمقطوعات الموسيقية، «نوتاته تحاكي الحروف والأشكال الهندسية التي تتدافع، لكنها تحافظ على انسجامها، متناثرة هنا وهناك، تلك هي حروف مصطفى الزوفري، الفنان التشكيلي المغربي المقيم ببلجيكا، التي ترفض الانصهار في ذلك القالب الذي صممه خطاط أصيل»، كما تقول بطاقة زيارته.
حل مصطفى ببروكسيل وعمره يقارب 18 سنة، حيث قرر صقل مواهبه خارج الوطن، والبحث عن محتضن مؤسساتي لمواهبه المتعددة في الرسم، النحت، النقش والطباعة، ظل يرفض التغني بالجذور، ويقول: «لا ينبغي أن ندور حول جذورنا فقط، بل يجب علينا خلق أشياء تنتمي إلى عصرنا».
في آخر معرض له بدار الثقافات المغربية الفلامانية ببروكسيل، عرض الفنان المغربي مصطفى الزوفري، إبداعاته في التشكيل والخط، وأكد أن الثلاثة عقود التي قضاها في الأبحاث الفنية زادت من مساحة الإبداع لدى الزوفري، خاصة بعد تكوينه الأكاديمي الذي تلقاه بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسيل، وبالمدرسة العليا للفنون المرئية بمونس، حيث اشتغل على الفسيفساء الموريسكية والعربية الإسلامية، قبل أن يعبر إلى ضفة الفن التجريدي الغنائي متأثرا في ذلك بجيرارد شنايدر، وماتيس، وبول كلي، وميرو أو بلكاهية.
تجمع «البروفايلات» التي أنجزت حول مصطفى الزوفري، على «شغفه المتعدد للقاءات المفتوحة مع شباب مولنبيك في «المغرب الصغير»، الحي الذي يوجد في بروكسيل والذي يشهد تمركزا مكثفا للمغاربة المقيمين ببلجيكا، حيث تشهد على ذلك جدارية توجد في مدخل المدرسة العاشرة لمولنبيك، حيث شارك تلاميذ، تحت إشراف مصطفى الزوفري، في تمرين زاخر بتطور أشكال هندسية، كونوا منها فسيفساء على حائط المدرسة، في عمل يوحي للوهلة الأولى بلمسات البيانو، وباختصار بالموسيقى؛ تلك الموسيقية التي يهتز لها العالم الفني لمصطفى رئيس جمعية المبدعين البلجيكيين المغاربة».
أحيدار.. ريفي يرأس دار الشباب مولنبيك
ولد فؤاد أحيدار في 13 أكتوبر 1973 بمدينة مالين البلجيكية، وهو متزوج من بلجيكية اعتنقت الإسلام وأنجبت خمسة أبناء. فؤاد سليل أسرة ريفية تنحدر من بلدة «تماسينت»، الشاهدة على بطولة جيش البطل عبد الكريم الخطابي.
هاجر والده إلى بلجيكا سنة 1964 بحثا عن كسرة خبز مغتربة، أنجب ثمانية أبناء، منهم فؤاد الذي انخرط في الشبيبة الاشتراكية ببروكسيل وعمره ست عشرة سنة، وخلال الفترة الممتدة ما بين 1991-1999 ترأس دار الشباب ببلدية مولنبيك، حيث كانت تنظم أنشطة ثقافية ورياضية «تهدف بالأساس إلى جذب الشباب لكي لا ينجرف مع التيارات الهدامة كالمخدرات والتطرف والسرقة». وهو ما دفعه إلى المشاركة في الانتخابات، بدعم من رواد دار الشباب الذين لمسوا فيه حبا للعمل الاجتماعي.
«في سنة 1999 شارك لأول مرة في الانتخابات البرلمانية لبروكسيل، حصل خلالها على أصوات جد مهمة قاربت 27 ألف صوت، لم يتبق له خلالها إلا 300 صوت لدخول قبة البرلمان، تلتها المرحلة التي امتدت من 1999-2004 التي تولى فيها مهام مستشار وزاري كلف بمهمة التعاون والتنمية مع دول المغرب وجنوب إفريقيا والموزمبيق، وكان له الفضل الكبير في منح المغرب، بلده الأصلي، مركزا متقدما بالمنطقة الفلامانية، سنة 2004 سيترشح بمنطقتي فلاندر وبروكسيل التي فاز خلالها بمقعد برلماني خاص ببرلمان بروكسيل عن الحزب الاشتراكي»، حسب السيرة الذاتية لابن الريف كما وردت في موقع ريفي.
لا يتردد فؤاد في تصدر المسيرات المساندة للطرح المغربي في قضية الصحراء، والتنديد بمواقف المعادين للوحدة الترابية، مصرا على حمل العلمين المغربي والبلجيكي، بل يرجع له الفضل في إنشاء دور الشباب ودور الثقافة ومقابر المسلمين.
الشلاوي.. واعظ في الجبهة الأولى لمولنبيك
حين انتخب أعضاء الهيأة التنفيذية لمسلمي بلجيكا المغربي، صلاح الشلاوي، على رأس المؤسسة الرسمية المخاطبة للسلطات البلجيكية، أسر إليه أولو الأمر بضرورة استنفار مؤسسة الوعاظ للتصدي للفكر الطائفي. ولأن صلاح الشلاوي ليس بالغريب عن الهيأة فهو عضو فيها لمدة طويلة، ويعتبر أحد الشخصيات المعروفة في الأوساط الإسلامية في بلجيكا، بل رجل تربية بحكم مهنته كمفتش مادة الديانة الإسلامية في فيدرالية والوني بروكسيل، وهو أيضا رئيس تجمع مسلمي بلجيكا والليكسومبورغ.
حسب صحيفة «لاليبر» البلجيكية، فإن صلاح هو «الرجل المؤثر والذكي القادر على إيجاد الاستقرار لهذه المؤسسة وخلق روح جديدة داخلها، وتجاوز التوترات التي سجلت في السابق بين مكوناتها». وقال بلاغ لوزارة العدل إن الوزارة تراهن على ولاية صلاح وتود أن تشتغل الهيأة التنفيذية لمسلمي بلجيكا بالشكل المطلوب، وتعمل على إبراز إسلام بلجيكي وأئمة يتحدثون لغة بلجيكا وعلى دراية بالسياق الغربي للشباب المسلم.
من جهته، راهن الشلاوي على الأمن الروحي للمواطنين المغاربة في بلجيكا، ودعا إلى «تعزيز التأطير الذي تقدمه المؤسسات الدينية وترسيخ الوحدة المذهبية والحفاظ على الثوابت الدينية التي ميزت المملكة المغربية»، فحلت ببروكسيل بعثة أئمة الهدى ومصابيح الدين من الوعاظ والواعظات والمقرئين المبعوثين من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، لإحياء ليال تهدف إلى صون الجالية المغربية من الخطابات المنحرفة والشاذة، لتحصينها من الغلو والتطرف، وترسيخ قيم المواطنة لديها.
لا يتردد صلاح الشلاوي في التأكيد على حاجة الجالية المغربية وتعطشها لتوثيق الروابط الدينية والوطنية ببلدهم الأم المغرب، الذي يتشبث بالمرجعية التاريخية الواحدة للمذهب المالكي السني، وترحيب أفراد الجالية بمن ينير لهم الطريق المستقيم. ويضيف أن إرسال البعثة «نابع من اعتبارات موضوعية ومنطقية، بحكم حجم الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا، لتحصين هويتها المغربية الأصيلة والعمل على الحد من التيارات الإسلامية المتشددة والمتطرفة التي تسيء للإسلام والمسلمين».
إعلام المهاجر ينتهي ببيع إذاعة «المنار» لتونسي
أغلقت الشرفة الإعلامية التي كان يطل منها المهاجرون المغاربة في بروكسيل ببيع إذاعة «المنار»، التي كانت في ملكية المغربي أحمد بودا، إلى مستثمر تونسي محسوب على حزب النهضة يدعى الأسعد. قام الرجل الثري الذي يملك سلسلة أسواق ممتازة في بروكسيل بتسريح كثير من الصحافيين المغاربة وتحويل المحطة إلى إذاعة تونسية، بعدما غير الاسم إلى «أرابيل». وزاد الأمر اختناقا توقف بث برنامج «بلادي» لمصطفى أبيض، على القناة الأولى المغربية، وصعوبة جلب المستمع المغربي إلى إذاعات «الويب»، خاصة بعد رحيل محمد التجيني، ابن مدينة بركان، الذي كان منتجا للتلفزة الفلامينية البلجيكية، وأول تلفزة مغربية بلجيكية «المغرب تيفي» لفائدة الجالية المغربية بالخارج، عبر برنامج «التجيني تولك».
يقول الإعلامي المغربي المغترب في بروكسيل منذ ثلاثة عقود، إن ما حصل من تطرف يرجع إلى ضعف الإعلام المغربي في بروكسيل، منذ أن عمد أحد رجال الأعمال التونسيين إلى اقتناء «راديو المنار»، بمبلغ زهيد لم يتعد 500 مليون سنتيم مغربي، ليحوله في ظرف ثلاثة أشهر إلى بوق يخدم أجندة أخرى، في ظل غياب تام لما يسمى المؤسسات المغربية من «وزارة الجالية» و«مجلس الجالية» و«المجلس العلمي الأعلى» ووزارة الخارجية، «لقد رفعت شكاية إلى القضاء ضد هذا التفويت، كسبتها ابتدائيا، وأنا على يقين بأنني سأربح الرهان، رغم أن الإذاعة والتلفزة المغربية لا تولي اهتماما لإعلام المهاجر، لقد كتبت لهم عشرات المقترحات دون رد». ويضيف عبد الخالق قائلا: «إن مصير المغاربة خصوصا على المستوى الإعلامي، أصبح رهينة لدى رجل الأعمال التونسي».
وظهرت فكرة إنشاء إذاعة عربية لخدمة أبناء الجاليات العربية المقيمين في بلجيكا مع بداية عام 1971، وانطلقت بعد ذلك عدد من الإذاعات العربية تبث برامجها لعدة ساعات بالتناوب على نفس الموجة الهوائية التي رخصت لهم بها الحكومة البلجيكية. ومن بين تلك الإذاعات: الوطن، والسلام، والثقافة الثالثة، والوفاء. ولكن مع أواخر الثمانينات ظهرت فكرة توحيد تلك الإذاعات في إذاعة واحدة. ووافقت بعضها على الفكرة. وتكونت في بداية عام 1991 إذاعة «المنار»، لتصبح صوتا عربيا ينبعث من وسط العاصمة بروكسيل.