حسم الملك محمد السادس في التعديل الحكومي، بعدما ظل هذا الموضوع حبيس جدران مقرات الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة منذ عدة أسابيع، وكلف الملك محمد السادس، في الخطاب الذي ألقاه أول أمس الاثنين بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، رئيس الحكومة بأن يرفع إليه مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية.
وقال الملك: “نكلف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق”. وأبرز الملك أن “هذا لا يعني أن الحكومة الحالية والمرافق العمومية، لا تتوفر على بعض الكفاءات”، مشيرا إلى إرادته في توفير “أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء بمستوى العمل، وعلى تحقيق التحول الجوهري الذي نريده”.
ومن المنتظر أن يشمل التعديل الحكومي عدة قطاعات حكومية مهمة، بعدما فشل الوزراء الذين يشرفون عليها في تدبير الملفات والإصلاحات الكبرى، ومن أبرز المرشحين لمغادرة سفينة الحكومة، وزير الصحة، أنس الدكالي، حيث يتخبط القطاع الذي يشرف عليه في مشاكل متعددة، ويعيش على إيقاع الاحتقان منذ تحمله المسؤولية. ولمح عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، في لقاء حزبي عقده أخيرا، إلى رغبة حزبه في الحصول على حقيبة الصحة. وبالإضافة إلى الدكالي، فإن الوزراء محمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، ولحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، ومحمد ساجد، وزير السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي، وعبد الأحد الفاسي، وزير الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، كلهم في لائحة الوزراء المرشحين للخروج من الحكومة.
ومن بين الانتقادات الموجهة لحكومة العثماني، تشتيت القطاعات الوزارية على عدد كبير من الوزراء وكتاب الدولة، ما يؤثر على نجاعة الأداء، في ظل غياب التنسيق والصراعات حول الاختصاصات، ولذلك أصبح مطروحا بقوة سيناريو التخلص من كتاب الدولة، الذين يشكلون عبئا على الحكومة، بسبب عدم توفرهم على الاختصاصات لتدبير القطاعات التي يشرفون عليها، والتي غالبا تكون تحت وصاية وزراء آخرين، ما أدى إلى وقوع أزمة داخل الحكومة، التي تتشكل من 12 كاتب دولة، بينهم سبع نساء، حيث اندلعت صراعات بينهم وبين الوزراء الذين يمارسون الوصاية عليهم، ما جعل العديد منهم يتحولون إلى مجرد “أشباح” بدون صلاحيات واضحة تحدد مهامهم الحكومية.
وتعاني حكومة العثماني من تضخم عدد كتاب الدولة، الذين يشرفون على قطاعات وزارية يمكن تحويلها إلى مديريات مركزية تابعة للوزارة الأم، كما وقع بالنسبة لكتابة الدولة المكلفة بالماء التابعة لوزارة التجهيز والنقل. ومن أبرز كتاب الدولة، الذين لا يمارسون صلاحيات واضحة، هناك خالد الصمدي، عن حزب العدالة والتنمية، الذي يشغل منصب كاتب الدولة المكلف بقطاع التعليم العالي التابعة لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، التي يوجد على رأسها الوزير سعيد أمزازي، عن الحركة الشعبية، بحيث لا يمارس كاتب الدولة أي اختصاصات واضحة لتدبير قطاع التعليم العالي، ما عدا ترديد أجوبة مكتوبة تحت قبة البرلمان، في حال غياب الوزير الوصي، وكذلك الشأن بالنسبة لكاتب الدولة المكلف بقطاع النقل، محمد نجيب بوليف، الذي دخل بدوره في صراعات مع الوزير الوصي على قطاع التجهيز والنقل، عبد القادر اعمارة، رغم أنهما ينتميان إلى حزب العدالة والتنمية، وذلك بعد حرمان بوليف من اختصاص التعيين في المناصب العليا داخل قطاع النقل، بعد صدور مرسوم تحديد اختصاصات كتابة الدولة المكلفة بقطاع النقل في الجريدة الرسمية، والذي ينص على أن التفويض الذي منحه الوزير اعمارة لكاتب الدولة بوليف “لا يمتد إلى اقتراح المرشحين والمرشحات لشغل المناصب العليا”.
وينطبق نفس الأمر على حمو أوحلي، كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المكلف بالتنمية القروية والمياه والغابات، الذي لم يستطع أن يفرض نفسه في القطاع الذي تكلف به، وهدد في وقت سابق بتقديم استقالته من الحكومة، احتجاجا على عدم صدور مرسوم يحدد اختصاصاته الحكومية، حيث ظل منذ تعيينه داخل مكتب صغير بمقر وزارة الفلاحة بدون اختصاصات واضحة، حتى أضحى يلقب بـ”كاتب الدولة الشبح”، لأنه لا يعرف أي دور يلعبه ولا حتى المهمة التي عين من أجلها، بعد الإبقاء على المندوبية السامية للمياه والغابات، واحتفاظها بنفس الاختصاصات والصلاحيات.
وتحولت رقية الدرهم، كاتبة الدولة لدى وزير التجارة والصناعة والاستثمار الرقمي المكلفة بالتجارة الخارجية، إلى وزيرة “شبح” في حكومة العثماني، بعدما أصبحت بدون اختصاصات، إثر مصادقة المجلس الحكومي، على إحداث المديرية العامة للتجارة تابعة للوزير الوصي على القطاع، حفيظ العلمي، عهد إلى هذه المديرية إعداد وملاءمة تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية للتجارة الخارجية، ومنحها صلاحيات منح رخص الاستيراد والتصدير التي كانت تسهر عليها كتابة الدولة في التجارة الخارجية، ونفس الأمر بالنسبة لعدد من المهام التي كانت منوطة في السابق بكتابة الدولة، كما هو الشأن بالنسبة لإبداء الرأي بخصوص كل التدابير التعريفية وغير التعريفية المقترحة في مجال حماية المنتوج الوطني وتتبع تطبيقها.
وبوزارة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية، التي يشرف عليها الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، محمد ساجد، لا تمارس كاتبة الدولة المكلفة بقطاع السياحة، لمياء بوطالب، أي اختصاصات واضحة، ويمارس ساجد كامل الوصاية على هذا القطاع، ويسهر على تقديم مشاريع القوانين والاستراتيجيات المرتبطة بالقطاع، وتحولت كاتبة الدولة إلى مجرد موظفة داخل مقر الوزارة التي تحتضن مكتب ساجد، الذي يتحكم رفقة مدير ديوانه في كل صغيرة وكبيرة، كما تضم الوزارة نفسها كتابة دولة أخرى مكلفة بالصناعة التقليدية، توجد على رأسها القيادية بحزب العدالة والتنمية، جميلة المصلي، التي شغلت منصبا وزاريا خلال الحكومة السابقة، وبدروها لا تمارس اختصاصات واضحة في ظل الحكومة الحالية، شأنها في ذلك شأن زميلتها في الحزب، نزهة الوافي، كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة التابعة لوزارة الطاقة والمعادن، والتي حرمها الوزير الوصي، عزيز رباح، من كل الاختصاصات والصلاحيات الممنوحة للوزراء.