شوف تشوف

الرأي

نهاية السير..

حملة انتخابية أخرى انتهت في المغرب. هي الثانية في ظل الدستور الجديد. لكنها لم تكن لتخلو من ممارسات تتناسل عبر الحملات السابقة التي شهدتها البلاد. مرشحون أغبياء وآخرون أتقياء لم يتسخوا بعدُ. اتهامات تتطاير في كل جانب وكل بما لديهم فرحون.
لا يمكن أبدا أن ندخل في مقارنات بين الأحزاب لأن الأمر لا يفضي إلى أي نتيجة في الأخير. فالمرجعية تبقى واحدة من أهم العيوب التي تلاحق جُل الأحزاب المغربية. وحتى تلك التي تتوفر على رصيد من «الأقدمية» السياسية، صارت اليوم تتمرغ في وحل من التراجعات سببه عقاب الصناديق الذي يكيله الناخبون لمرشحيها، وبالتالي فإننا أمام مشكل عويص يتعلق بتشابه يبلغ حد التطابق بين أغلب الأحزاب.
ما زالت أغلب الأحزاب المغربية توظف عاطلين بأجرة يومية لتوزيع منشورات الحزب. شباب تائهون لا يحدثون أحدا عن البرامج ولا يعرفون حتى ماذا كُتب في أوراق الحملة، يوزعونها بالجملة بعدما تفاهموا مسبقا على الثمن مع المكلفين بتنظيم الحملة.. للأسف.
أما الأحزاب التي تتوفر على قاعدة من الشبيبة المتطوعة لخوض الحملة الانتخابية، وبالمجان، في سبيل النضال وعيون الأمين العام، فإنهم يسقطون دائما في فخ التعصب، ومبدأ الخير والشر، والجنة والنار، وخندقة الذين مع الحزب ضد الجميع، حتى لو كانوا مجرد مواطنين صالحين محايدين، يحتاجون لمن يقنعهم بالانخراط في العمل السياسي وليس فقط التصويت.
هذا المبدأ العقيم، والذي ينتشر بشكل كبير بين مريدي العدالة والتنمية، هو السبب في ضعف أداء الحزب خلال الولاية الحكومية السابقة. وباعترافات الكثيرين داخل الحزب، ممن لا يزالون يشربون الشاي في المقاهي ويخالطون المواطنين دون أن يصنفونهم ما بين المريدين والأعداء، فإن بعض الأصوات المعارضة للمسار الذي اتخذه الحزب ومواقفه والكوارث التي هزت بيته الداخلي، لا يكاد صوتها يسمع مقارنة مع الهتافات المبرمجة التي يحاول الممسكون بخيوط الحزب داخليا أن يغطوا بها على انتكاسات القياديين والمُقالين من التجربة الحكومية السابقة.
لندع كل شيء جانبا، ونتساءل ببساطة: كم تبيع جريدة الحزب الحاكم؟ إنها كارثة فعلا أن لا يقتني مناضلو حزب يقول إنه سيكتسح الانتخابات ويتباهى بكثافة مناضليه الدائمين وليس الموسميين مثل مناضلي بعض الأحزاب المنافسة، جريدة الحزب بشكل يومي. هذا يعني أن الأغلبية الساحقة داخل العدالة والتنمية لا تعرف أي شيء عن تفاصيل تحركات أعضاء الحزب ولا أداء المسؤولين منهم في المناصب التي يشتغلون بها. صحيح أن جريدة الحزب تكتب ما يروق لمسيريه، لكنها تبقى على الأقل، كما هو متعارف عليه في الأحزاب الطبيعية، واجهة لنشر أفكار الحزب وبلورة أفكاره وفلسفته في تسيير الشأن العام. لكن للأسف، لا يمكن أبدا أن تُحدث تغييرا بحزب لا يقرأ مناضلوه أي شيء باستثناء الفقرات التي تنتهي دائما بعبارة «أرسلها لعشرة أشخاص وستسمع خبرا مفرحا هذه الليلة». هذه العينة من القواعد الشعبية يمكن أن تجعل أعرق الأحزاب في العالم يصطدم بالجدار، وبقوة، لأنها ببساطة لا تخلق جوا ملائما للمداولة في أداء الحزب بعيدا عن العصبية أو لعب دور الضحية أمام المنافسين والوصول حد تخوينهم واتهامهم باتساخ ذممهم.
الصحافة عانت كثيرا مع حزب العدالة والتنمية طيلة السنوات الخمس الأخيرة. سمعنا شتائم كثيرة في حق الصحافيين، وشخصيا كنت دائما أتعجب من الكلام الذي يروجه بعض شباب الحزب في مدن بعيدة تماما عما يروج في المركز، ويتحدثون عما يدور في كواليس مقاهي الرباط وكأنهم صحافيون مهنيون، وفي المقابل لا يملكون أي معلومة عن كواليس اشتغال الأمانة العامة أو توضيحات بشأن المطبات التي وقع فيها الحزب بسبب وزراء مثل الشوباني، أو التحالف خلال التعديل الحكومي مع حزب التجمع الوطني للأحرار.
وعلى ذكر الأحرار، فإن بعض شبيبة حزب العدالة والتنمية عمموا إفادات تقول إن بعضهم تلقوا تهديدات من مرشحين باسم التجمع الوطني للأحرار وصلت حد تهديدهم بالتصفية الجسدية، وهذا الأمر لوحده يبقى نكتة عصية على الهضم.
عندما يتخلى أنصار حزب يتغنى دائما باتساع قاعدته الشعبية، عن العادة السيئة التي تتمثل في استقاء أخبار الحزب وكواليسه من المواقع المشبوهة، المجهولة النسب، التي يسيرها معطلو الحزب السابقون والمقربون من القياديين، ولا تنشر إلا مقالات السب والشتم في حق الآخرين، ويهتموا باقتناء جريدة الحزب، التي يبقى انتشارها في بلدان الله الأخرى أهم معيار على انتشار الحزب فعلا وتماسك قواعده.. ستتغير أشياء كثيرة.
هاهي الانتخابات قد انتهت ودخلنا مرحلة أخرى تبدأ بفرز الأصوات.. أرونا مقولة واحدة، وواضحة، نطق بها السيد الأمين العام. لا شيء بطبيعة الحال. الخطاب السياسي الذي يقوم على الارتجال والإيحاءات كما في قصص كليلة ودمنة.. ينتهي بصاحبه إلى البكاء. وهذا بالضبط ما يقع لرئيس الحكومة.
فكوا الأحزمة.. نهاية السير. على رأي السيدة التي تتحدث عبر مكبر الصوت في محطة القطار، والتي تقول دائما إن مقاعد الدرجة الأولى توجد في «مؤخرة» القطار، متسببة في انتحار يومي لأساتذة اللغة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى