نم مرتاحا يا ابن بطوطة
يونس جنوحي
ما دام الخط البحري بين إسبانيا والمغرب مغلقا، فإن انتعاش القطاع السياحي في منطقة الشمال سوف يبقى مؤجلا.
أول أمس، عممت الحكومة البريطانية بلاغا توصي فيه رعاياها بعدم التوجه إلى إسبانيا، لأنها لم تستوف بعد الشروط الصحية التي تخول، حسب توصيات منظمة الصحة العالمية، فتح الحدود الجوية والبحرية والعودة إلى الحياة الطبيعية. وهذا ما يفسر استثناء الموانئ الإسبانية من عملية استقبال المهاجرين المغاربة.
إذ رغم تضرر آلاف المهاجرين المغاربة المقيمين في إسبانيا، وارتفاع أسعار تذاكر بواخر العبور، إلا أن الوضع بقي ملتبسا لساعات، وتم تأويله على أنه نتيجة للتوتر السياسي، وتذبذب العلاقات بين وزارة الخارجية المغربية ونظيرتها الإسبانية. بينما يتعلق الأمر بعدم نجاح الحكومة الإسبانية في تسريع وتيرة تلقيح مواطنيها، لبلوغ النسبة التي تخول لها تحرير الرحلات البحرية، وتسهيل عبور ملايين المسافرين عبر موانئها إلى مختلف اتجاهات البحر المتوسط.
والدليل على صحة هذه المعطيات، استمرار نقل البضائع طيلة الأشهر الماضية، مع بقاء تجميد رحلات الركاب، رغم تضرر كبريات الشركات الإسبانية وتكبدها لخسائر بملايين اليوروات، بسبب تجميد أنشطتها السياحية وعروض نقل المسافرين خلال مواسم العطل.
في الضفة الأخرى، أي في شمال المغرب، تم تأهيل المدينة القديمة في طنجة وافتتاح مناطق استراحة جديدة على طول الخط الساحلي بين طنجة والناظور، بالإضافة إلى إعادة هيكلة عدد من الفنادق ودور الضيافة، وكلها استثمارات في القطاع الخاص، مرتبطة بأقساط من الأبناك أو استثمارات أطلقها مقاولون لإنعاش القطاع السياحي أولا، وتحريك عجلة الاقتصاد.
لكن هذه المشاريع كلها مرتبطة أساسا بعودة الحياة إلى الخط البحري بين جنوب إسبانيا والمغرب، وبالتالي فإن القطاع السياحي في مدن الشمال يعيش أسوأ أيامه.
جولة قرب ضريح ابن بطوطة، أشهر رحالة في العالم وفي تاريخ البشرية، تكشف إلى أي حد تعيش مدينة طنجة على إيقاع أزمة غير مسبوقة في السياحة.
«جيران ابن بطوطة» وهم سكان المدينة القديمة، منهمكون في إعداد وجبات الطعام وقلي البطاطس، في منازل ملتصقة بضريح شخص جاب العالم ووصل إلى الصين والهند، وعاد إلى مسقط رأسه. وبدل أن يكون الضريح قبلة لملايين السياح سنويا، خصوصا أن مغامرين من كل بقاع العالم ألهمتهم قصة المغربي ابن بطوطة، وإذا تم استثمار هذه الشخصية سياحيا فإنها سوف تجلب معجبين لم يسبق لهم ربما أن فكروا سابقا في زيارة المغرب، فإن ضريحه محشور بين الأزقة الضيقة والمنازل التي استفادت من ورش إصلاح المدينة القديمة وإعادة ترميم المنازل الآيلة للسقوط، والتي يعود عمر أغلبها إلى ما يقارب 200 سنة. تم تبليط المساحة الضيقة المحيطة بالضريح، وبالكاد يكتشف غير العارفين بالمدينة، الطريق المفضي إليه.
الأمر يشبه أن يتوفر شخص ما على موهبة خارقة تؤهله لربح الملايين، لكنه «يتواضع» لسبب ما، ويفضل عدم الكشف عنها للعموم. هذا بالضبط ما يقع للمسؤولين مع ضريح ابن بطوطة.
في إسبانيا التي تحقق رقم معاملات فلكي في القطاع السياحي، يتم الاعتماد على المنشآت التي تعود إلى العهد الإسلامي في الأندلس، وقصص الملوك السابقين المدفونين.
هناك ملايين الناس مستعدون لأداء التذاكر والإقامة في الفنادق، مقابل دخول ضريح ابن بطوطة، والتعرف على هذا المغامر العالمي عن قرب. يكفي أن تعرفوا أن الصين تقيم له نصبا ضخما، تكريما لوصوله إليها قبل قرون خلت. بينما الهنود يدرسون شخصيته في المقررات الرسمية، باعتباره أحد أوائل الوافدين إلى بلادهم من منطقة الشرق، وأعجبوا بمغامرته التي استمرت لقرابة ثلاثين عاما قضاها متجولا في بقاع الدنيا.
أما الإسبان والبرتغال في زمن الاستكشافات الكبرى، فلم يسمحوا لـ«كولومبوس» وماجلان بركوب السفن والتوجه نحو أمريكا، إلا بتوظيف أحفاد ابن بطوطة في تلك السفن. لأن سمعة المغاربة وقتها كانت مرتبطة بتجربة ذلك الرحالة العظيم، الذي سبق زمنه بقرابة ثمانية قرون، وقام بأطول رحلة استكشافية في تاريخ البشر.
ورغم كل هذا، فإن جثمانه يرقد اليوم بجوار منازل لأحفاده من سكان المدينة القديمة، لا يزوره أحد، ويسمع مثلنا نشرة الظهيرة وإشهارات التلفزيون وعروض «التعبئة».