نكارين الخير
يوم الجمعة الماضي، وهو يوم تعبد وخشوع، هاجم متظاهرون تحت هتافات «ليخرج العرب من كورسيكا» «نحن في بلدنا»، ينتمي أغلبهم إلى الشبيبة القومية الكورسيكية ذات الميولات المتطرفة، (هاجموا) مسجد أجاكسيو بكورسيكا (جنوب الجزيرة)، حيث خربوه عن آخره كما حاولوا إحراق نسخ من المصحف الكريم. وقدرت سلطات الأمن عددهم بـ300 متظاهر. ويقع المسجد في حي شعبي تقطنه أغلبية مهاجرة وبالأخص مغربية، يعرف بحي «حدائق الامبراطور» وهو حي لا يدل اسمه البتة على مسماه. وقد ألصقت به القوى العنصرية سمعة بؤرة للاتجار بالمخدرات وتسريب الأفكار الجهادية تحت تأطير أئمة سلفيين. وكانت هذه إحدى الذرائع للتحرش بقاطنته. غير أن التحقيقات والمتابعات لم تثبت يوما صحة هذه «الفانتازمات» بل أثبتت بالعكس أن مستوى الإجرام وبكل أصنافه بالحي أقل بكثير مما هو عليه في بعض المدن الفرنسية مثل مارسيليا. ولتشويه سمعة الجالية بالحي لجأ العنصريون إلى خطة ميكيافيلّية تمثلت في نصب مصيدة لرجال المطافئ، حيث أوقدت نيران في إطارات للسيارات ليهتف شخص لإبلاغ رجال المطافئ عن اندلاع حريق بحي «حدائق الامبراطور». ولما حضرت الشاحنات انهالوا عليها بالحجارة والهراوات أدت إلى جرح عنصرين من رجال المطافئ. واتجهت بعض الأنظار طبعا إلى شباب الحي، مع العلم أنهم براء ويقدرون المكانة الرمزية والدور الذي يقوم به رجال المطافئ في جزيرة غالبا ما تكون فريسة لحرائق متكررة.
إلى الآن بقيت جزيرة كورسيكا بمنأى عن تداعيات أحداث 13 من نوفمبر. لكن من يعرف الكورسيكيين بطبعهم الحاد ونزوعهم العدائي تجاه الأجانب، يدرك بسهولة أن النار كانت متقدة تحت الرماد. المفارقة الأولى هي أن الكورسيكيين خليط من الأجانب (إيطاليون، إسبان، برتقيز) والبعض منهم فيه رائحة عربية. وتعتبر مناهضة ومعاداة الأجنبي للأجنبي الطور الأسمى للعنصرية. يكفي الاستشهاد بحالة نيكولا ساركوزي في هذا المجال. المفارقة الثانية وهي أن للكورسيكيين ذاكرة قصيرة، نسوا أن المغاربة ساهموا في تحرير كورسيكا. تتخوف الجالية الإسلامية من أن يكون تخريب قاعة الصلاة والمسجد تمهيدا لأعمال قد تشهدها مدن كورسيكية أخرى. على أي يندرج تخريب مسجد حي «حدائق الامبراطور» في مناخ إسلاموفوبي تميز في اليومين الأخيرين بعدة أحداث وقرارات مناهضة للجالية: أولها طرح مشروع إسقاط الجنسية الفرنسية عن مزدوجي الهوية، وهو مشروع القرار الذي سيعرض على مجلس النواب في الثالث من فبراير القادم. ثانيها خرجة روبير مينار، عمدة بيزييه بجنوب فرنسا، الذي تهكم من الخطوة التي أقدمت عليها جماعتان تنشطان في مجال العيش المشترك، وزعت أمام مدخل كنيستين بالمدينة رسائل تدعو إلى المحبة والتعايش السلمي. وتندرج هذه الخطوة في إطار خطة «أبواب مفتوحة» لمساجد فرنسا تقام يومي 9 و10 يناير، وتهدف إلى إعادة الثقة بين الديانات الثلاث. واتهم روبير مينار مسؤولي هاتين الجماعتين بالسلفية وبالمعاداة لإسرائيل. هذا دون الحديث عن الصراخ والانسحابات التي رافقت تدخل لطيفة بن زياتن بالبرلمان، وهي ترتدي الحجاب إلخ.. على أي، وحسب المرصد الوطني لمحاربة الإسلاموفوبيا، فإن فرنسا شهدت خلال الستة أشهر الأولى من هذه السنة 274 حالة معاداة للمسلمين أي بزيادة 281 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
المخزي في الأمر هو صمت رئيس الدولة من أحداث أجاكسيو. فلو تعلق الأمر بأي عمل مناهض لليهود لكان قد تنقل وخرج عن صمته. أما أن يخرب فاشستيون مكانا إسلاميا لذكر الله وعبادته، فهذا لا يعني بالنسبة له شيئا. سياسة الكيل بمكيالين هي وقود الكره الذي يكنه المتطرفون لفرنسا. وهذا ما يتعامى عنه هولاند ووزيره الأول.