شوف تشوف

شوف تشوف

نكار الخير

رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يفتخر بكونه المسؤول عن إجراء الانتخابات، ويعترف بأن الانتخابات المهنية شابها فساد، أليس هو المسؤول إذن عن الفساد ؟ لماذا لم يأمر بفتح تحقيق؟
بلاغ الأمانة العامة للعدالة والتنمية يدين تهديد مرشحيه في حياتهم وأرزاقهم وينوه بوزارتي الداخلية والعدل، هل فهمتم شيئا؟
إذا كان هناك مرشحون تهددهم جهة ما في حياتهم وأرزاقهم فلأن وزارتي العدل والداخلية قصرتا في واجبهما ولم توفرا الشروط الملائمة لحماية المرشحين في حياتهم وأرزاقهم، فكيف إذن تنوه بهما الأمانة العامة للحزب الحاكم ؟
كيف إذن يثني البلاغ على العدل والداخلية ؟ إذا كان هناك استعمال للمال فلأن العدل والداخلية «ماداروش خدمتهم»، وهذا ما يسمى عند المغاربة «الطنز العكري».
هل سبب هذا الغزل هو أن وزير العدل مصطفى الرميد ينتمي للحزب الحاكم، الذي أصدر البلاغ المتهم ووزير الداخلية «داز فوجهو»؟
عندما نقرأ بلاغ الأمانة العامة للحزب الحاكم نصاب بالرعب حقا، ليس لكون مناضلي الحزب والمتعاطفين معه يتعرضون، حسب البلاغ، للترهيب لثنيهم عن الترشح للانتخابات واختلاق قضايا كيدية وهمية لتوريطهم أو استقطابهم للترشح مع جهات حزبية أخرى، بل نصاب بالرعب لأن البلاغ صادر عن حزب يقود الحكومة ولديه وزارة للعدل والداخلية تحت تصرفه يمكنهما التحقيق في مثل هذه الاتهامات ووضع المتورطين فيها وراء القضبان.
وإذا كان الحزب الحاكم الذي لديه تحت سلطته كل هذه الأجهزة الأمنية والقضائية يشكو رسميا من الترهيب، ويتهم حزبا معينا باستعمال أموال المخدرات في الحملة الانتخابية، فماذا ترك للأحزاب الأخرى التي ليست في السلطة أن تقول؟
المصيبة أن رئيس الحكومة يعترف صراحة بأن انتخابات الغرف المهنية شابها فساد، وفي الوقت نفسه يعترف بأن الحزب الذي يقود الحكومة ضاعف عدد مقاعده في الغرف، فهل استفاد الحزب الحاكم بدوره من الفساد الذي يقول إنه شاب هذه الانتخابات حتى حصل على هذه النتيجة؟
واضح إذن أنهم في الحكومة اتفقوا على قاعدة ذهبية وهي أنه يجوز للسياسي ما لا يجوز للصحافي. فالسياسي يمكنه أن يتهم خصومه باستعمال أموال المخدرات في الحملة، واللجوء إلى الترهيب والتهديد بالقتل والطرد من العمل، ويمكنه أن ينعتهم بالصعاليك واللصوص والمافيوزيين دون خوف من أية متابعة، أما عندما يعبر الصحافي عن رأيه فإنه في الغد يجد نفسه متابعا من طرف من يعتبرون أنفسهم متضررين مما كتبه، مطالبينه بمئات الملايين كتعويضات عن الضرر.
أما رئيس الحكومة فقد فهمنا أنه «ما عليه حكام»، خصوصا بعدما قال إنه «خدام مع الله»، مما يعني أن كلامه منزه عن الخطأ ولا حق لأحد في أن يحاسبه سوى الله، والجميع يعلم أن الحساب الإلهي مؤجل إلى يوم القيامة، بمعنى «سير ضيم، ما يهضر معايا حد حتى لعند سيدي ربي».
ومن شدة كراهية رئيس الحكومة لكلمة محاسبة فهو لا يتعب من ادعاء «لعدم»، وفي مناسبة وفي غيرها يقول إنه لا يملك شيئا وإن حسابه البنكي ليس فيه خمسين مليونا. وكأن ثروات المليارديرات الذين تحصيهم مجلة فوربيس تعتمد على ما لديهم من أموال في حساباتهم البنكية.
إن أكبر المليارديرات المغاربة اليوم يشكون من شح السيولة في حساباتهم البنكية، ولذلك وصل بعضهم إلى حافة الإفلاس لولا تدخل البنوك لإنقاذهم. ومع ذلك تستمر أسماؤهم في الصدور بانتظام في قوائم الأثرياء، ببساطة لأن مقاييس الثراء لا تحددها الأموال المودعة في البنوك بل الممتلكات كالأراضي والعقارات.
والسي بنكيران الذي يشكو الفقر وفراغ حسابه البنكي لا يستطيع أن ينكر أنه اشترى مؤخرا بمدينة سلا بناية كبيرة المساحة بالحي الشعبي سيدي موسى قرب «الكورنة»، من أجل تشييد مؤسسة تعليمية جديدة تحمل اسم «أرض السلام 2» التابعة لمجموعة مدارسه «أرض السلام» بحي كريمة.
بنكيران اشتم بحاسة المقاول الذكي، التي لديه، أو ربما فقط لعلمه المسبق بمستقبل الشريط الساحلي الذي فتح فيه مؤسسة تعليمية جديدة بحي شعبي، خصوصا مشروع الهيكلة وإعادة التأهيل ضمن مخطط تأهيل مدينة سلا، لذلك فاوض ملاك منازل بجوار مؤسسته التعليمية بحي كريمة واقتناها لإلحاقها بمدرسته، إلا أن مفاوضاته كانت قد باءت بالفشل بعدما رفض أحد التجار المنحدرين من سوس، والذي يزاول تجارته النظامية بدكانه، حيث يقطن رفقة عائلته بمنزله فوق المتجر بجوار المدرسة البنكيرانية ورفض بيع عقاره لبنكيران رغم الإغراءات المالية الكبيرة التي قدمها له.
كيف إذن ستبقى في حساب رئيس الحكومة خمسون مليونا وهو يستثمر مدخراته في اقتناء الأراضي التي يوسع فوقها مؤسساته التعليمية.
طبيعي أن يكون حسابه البنكي فارغا، في مقابل امتلاء ملف ممتلكاته لدى المحافظة العقارية.
ولذلك إذا كان رئيس الحكومة جادا في التصريح بثرواته فما عليه سوى أن يترك حسابه البنكي جانبا ويكشف للمغاربة عن ممتلكاته لدى المحافظة العقارية.
وحتى لو فعل ذلك وكشف للمغاربة عن استثماراته والحجم الحقيقي لثروته فإن ذلك لن ينقص منه شيئا، فمن حق رئيس الحكومة أن تكون له استثماراته طالما أنه لا يستغل منصبه لمراكمة أرباحها، فهذا حقه الذي لا ينازعه فيه أحد.
فقط يجب على رئيس الحكومة أن يقتنع بأنه ليس عيبا أن يصبح الإنسان ثريا، العيب هو أن تصبح ثريا وتنكر ذلك وتدعي الفقر أمام الناس.
وقد تابعت مؤخرا الجدل الذي أثير حول نبيلة منيب، مرشحة تحالف اليسار بعمالة أنفا بالدار البيضاء، وكونها تنتمي إلى البورجوازية فقط لأن الصورة التي وضعتها في قوائم مرشحي حزبها تظهرها بلباس أنيق وساعة «ماركة».
والواقع أنني لا أعرف من أقنع المغاربة بأن السياسي يجب أن يكون دائما «محرتك» الشكل مبهدل اللباس، بمجرد ما تنظر في وجهه تتذكر زكاة عيد الفطر.
بينما المرأة التي تمارس السياسة، حسب فهم هؤلاء، يجب أن تكون فاشلة في حياتها الزوجية ولديها حقد ونقمة تاريخية على الرجل بشكل عام، ولديها نوازع انتحارية بسبب كل الأدوية المهدئة التي تتناولها يوميا.
والحال أن هذه الصورة النمطية ليست قاعدة ثابتة، والدليل أن لدينا اليوم أستاذات جامعيات وربات أسر ناجحات وأنيقات، مثل نبيلة منيب، يترشحن لتسيير الشأن العام.
وليس عيبا أن يكون لدينا كذلك رئيس حكومة ثري لديه استثمارات ناجحة، فقط عليه التحلي بفضيلة الصدق والاعتراف بذلك، فإن الله لن يضيره في شيء أن يرى نعمته على عبده بنكيران، وكما قال سيدنا علي كرم الله وجهه «ما ضرب الله عباده بسوط أوجع من الفقر»، وقانا الله وإياكم من الفقر، فهو كما قال أبو ذر «إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى