شوف تشوف

الرأي

نقاشات فوق الركبة..

ربما يكون هذا أسخن رمضان عرفه المغرب منذ مدة طويلة. ليس بسبب أحوال الطقس والنشرة الجوية، ولكن بسبب النقاشات التي لا تفارق سطح الموائد في الغالب، ولا توصل إلى أي مكان بالتأكيد.
بين التنانير أو «الصايات»، ثم حرية المعتقد أيضا، وحتى «الاختيارات» الجنسية.
يعتبر الكثيرون أن مثل هذه النقاشات صحية جدا، والحال أنها ليست كذلك. الشعوب المتخلفة وحدها تناقش مثل هذه الأمور. شهادة لله، ثم للتاريخ، مفادها أن المغاربة لم يكن لهم مشكل أبدا مع «الصاية» وما فوق الركبة، والدليل يقبع في صور أرشيف المدن المغربية عندما كانت الجميلات الحقيقيات يتجولن في شوارع المملكة باللباس الذي بدا لهن مناسبا ويترددن على السينما ويتمشين في الكورنيش، وقد أصبحن اليوم جدّات، يتابعن قنوات القرآن الكريم ويفسخن الحمص ويتذمرن من كل شيء..
عندما جاء الجلباب الأفغاني والنقاب على الطريقة العجيبة، أصبحت للحشمة معايير أخرى، وللدين فهما آخر، يجعل أجدادنا كفارا ما داموا لم يجعلوا لباسهم على مقاس فكر لا يتجاوز عمره نصف قرن.
في الوقت الذي مُيع فيه النقاش من الطرفين، وخرج الذين كانوا يعانون مشاكل حقيقية في هضم حريرة رمضان إلى الساحات العمومية للتضامن مع حرية فتاتين في ارتداء «الصاية» في شوارع سوق مدينة ينقصها كل شيء، كان الذين يرون في «الصاية» مشروعا يهدد عقيدتهم يفكرون أيضا في النزول إلى الشارع للاحتجاج ضد هذا التهديد الكبير لمبادئ يرون أن من الضروري سترها.
هؤلاء جميعا، لا ينتبهون، أو لا يريدون على الأصح، أن ينتبهوا إلى فتيات كثيرات يعشن واقعا بئيسا من الاستغلال في الضيعات الفلاحية التي لا تبعد إلا بكيلومترات قليلة جدا عن إنزكان. حيث لا تنفع «الصاية» ولا حتى «الخنشة» في ستر المعاناة التي يعانينها. يتم شحنهن في أولى ساعات الصباح ليتوزعن بين هكتارات من الأشجار، ويلامسن المبيدات الفتاكة، ويعدن في المساء إلى المنزل، وفي أيديهن مصروف جيب رجل قابع في البيت ينتظر عودة كل واحدة منهن.
لا شك أن من بين الذين خرجوا سواء، لمؤازرة الفتاتين، أو للاحتجاج ضدهما، من لديه أخت أو تعيش نفس هذا الواقع، وينتظرها بفارغ الصبر لتعود مساء حتى تمنحه ثمن القهوة وتعبئة الأنترنيت، ليكتب للعالم محتجا، ويعبر عن رأيه كأي مواطن مكتمل النمو.
نفس الذين نزلوا للاحتجاج ضد «الصاية»، هم أنفسهم الذين يحبون الأغاني الشعبية المغربية التي تتغنى بالخمر وحياة الليل. والذين نزلوا لمؤازرة حق الفتيات في ارتداء ما يرينه مناسبا، يوجد بينهم من ضيعوا حقوق العاملات في شركاتهم، وخانوا أمانة صديقات قديمات وربما تجد من بينهم من اغتصب براءة فتاة في وقت سابق..
للمغاربة مشكل حقيقي مع التدين، وليس مع الدين. كيف يمكن لشخص يعتبر أيقونة للتحرر أن يقول بصريح العبارة أمام ملايين المغاربة أنه يفكر في التوبة. عقدة الذنب لا تفارق الذين يغنون ويشجعون على ارتداء «الصاية». كما أن الذين يوزعون صكوك الإيمان وشهادات دخول الجنة وحتى عدد الحور العين التي ستكون من نصيب كل واحد منهم، لا يتورعون في التبرؤ من أشياء كثيرة يمارسونها في الخفاء.
خيبة أمل كبيرة سيصاب بها الذين تحمسوا كثيرا لهذه السنوات الغبراء التي دخلها المغرب منذ مدة ليست بالقصيرة. الآن فقط، ما دام لا يفصلنا عن الانتخابات إلا أشهرا قليلة، يمكن أن نفهم لماذا كان اللون «الكاكي» القاتم، اختيارا حزبيا فيما مضى..
ماذا سنقول للذين يموتون بردا في الجبال، وللذين لا يعلمون بوجود اختراع بعد، اسمه الثلاجة، ولا يعرفون إن كان أحمر الشفاه صباغة أو نوعا من الفواكه.. اطمئنوا، فالمغرب يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ الحقوق، والبداية ستكون من «الصاية»، وكل شيء يتجاوز «الركبة»، ويتجه نحو الأعلى.. ويهوي بنا جميعا نحو القاع. حيث توجد «الحريرة»، وأشياء أخرى بطبيعة الحال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى