نظام الاختبار القضائي كبديل للدعوى العمومية
رشيد عبيد الرحمان
خريج ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان
محام متمرن بهيئة المحامين بطنجة
لا أحد يجادل اليوم في مدى ضعف الوسائل التقليدية القبلية والبعدية المستعملة في تدبير وتسيير الدعوى العمومية، وما تخلفه من مساوئ على نفسية المشتبه فيهم والمعتقلين، هذا الأمر بدأ يطرح مبادرة البحث عن السبل البديلة لتفادي المخلفات السلبية للدعوى العمومية، وهي مجموعة من التدابير الاحترازية والوسائل التقنية التي يأخذ بها في المرحلة الابتدائية للدعوى العمومية، وتكمن أهميتها في تجنب الإجراءات القضائية المعقدة من جانب، وتفادي حرمان الجانحين المحتملين من حقوقهم من جانب آخر، ومن بينها الصلح الجنائي، والوساطة الجنائية، إضافة إلى المراقبة الإلكترونية، والاختبار القضائي.
يعرف الاختبار القضائي بأنه نظام عقابي ينهض على معاملة خاصة لفئة من المجرمين المنتقين، يستهدف ضمان إعادة تأهيلهم عن طريق المساعدة الإيجابية، وقد كتبت له الأرجحية في العلم الجنائي الحديث بوصفه من أنجح الوسائل في مكافحة العقوبات قصيرة المدة، وتختلف تسميته بحسب استعماله بين التشريعات، فهناك من سماه بالحرية المحروسة، أو مراقبة السلوك، أو الحرية المراقبة، في حين أطلق عليه المشرع الفرنسي du sursis probatoire ، وكلها توحي بمعنى واحد ألا وهو الاختبار القضائي.
ويعود التأصيل التاريخي لهذا النظام في إنجلترا عام 1820 بهدف إنقاذ الأحداث الجانحين من دخول المؤسسات العقابية، ثم انتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1848، وذلك حين طالب «جون أغسطسJohn Augustus » المحكمة بعدم النطق بالعقوبة على بعض المتهمين الشباب، استنادا إلى ضمانة حسن سلوكهم وتعهده بالإشراف عليهم، وقد نجح في مهمته، الأمر الذي مهد لصدور قانون يتضمن أسس هذا النظام عام 1878، ثم انتشر بعد ذلك في باقي الولايات المختلفة، وأقره القانون الاتحادي، ولاقى هذا البديل إقبالا واسعا، سيما بفرنسا نتيجة التأثر بنظام الوضع تحت الاختبار، قبل صدور الحكم بالإدانة المقرر في القوانين «الأنجلو سكسونية»، حيث أخذت به فرنسا بمقتضى القانون الجنائي لسنة 1957، واعتمدته ألمانيا أيضا بموجب القانون الجنائي الصادر في سنة 1953 .
ولكن اختلفت هذه الدول في تطبيق هذا النظام، فبعض الدول طبقته قبل إحالة الدعوى إلى القضاء، وبعض الدول طبقته بعد الإحالة وقبل الإدانة، في حين دول أخرى طبقته بعد الإدانة وقبل تقرير العقوبة، في حين أخذت به فرنسا بعد الإدانة، حيث يوضع المحكوم عليه تحت إشراف القاضي، وتحدد له فترة للاختبار ويجب على المختبر احترام جميع تدابير الرقابة المنصوص عليها في المواد 132- 44 و132- 45.
وبالعودة إلى التشريع المغربي نسجل أنه تناول هذا النظام في الكتاب الثالث الخاص بالقواعد الخاصة بالأحداث، حيث نص في المادة 481 يمكن للمحكمة أن تتخذ في شأن الحدث واحدا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب الآتية: 1….. 2 إخضاعه لنظام الحرية المحروسة.
وخصص المشرع المسطري الجنائي القسم الثالث من الكتاب سالف الذكر لنظام الحرية المحروسة، وعهد في دائرة كل محكمة استئناف مندوب أو عدة مندوبين دائمين وإلى مندوبين متطوعين بالإشراف التربوي والتتبع التربوي للأحداث الجاري عليهم نظام الحرية المحروسة، ويعين المندوب إما بأمر من قاضي الأحداث أو مستشار مكلف بالأحداث، أو بمقرر من إحدى الهيئات المنصوص عليها في المادة 462 من قانون المسطرة الجنائية، ويخضع الحدث تحت الإشراف والتتبع التربوي للمندوب، وتكون مهمته تجنيب الحدث العودة إلى الجريمة، أو اقتراح كل تدبير مفيد لإعادة تربيته، ويرفع على إثر ذلك تقريرا كل ثلاثة أشهر إلى القاضي أو الجهة التي عينته .
ورغم أن المشرع اتخذ هذا النظام كتدبير من تدابير الحماية أو التهذيب لدى الحدث الجانح، فإن ما يلاحظ هو أن هذا النظام رغم المقومات الأساسية التي يمتاز بها، إلا أنه قاصر على الجنايات والجنح التي يرتكبها الأحداث، وبذلك لا يمكن للرشداء الاستفادة من خاصيته، مع العلم أنه ليس هناك ما يمنع من تعميمه على كل فئات المجتمع، وكان الأولى بالمشرع أن يوسع مجال تطبيقه على كل الجانحين المبتدئين، والذين تظهر لديهم نية في إصلاح أنفسهم والتوبة عن أفعالهم غير السوية، وخصوصا أولئك الذين يعانون من مشكل الإدمان أو التعاطي للمخدرات، بحيث يحتاجون إلى من يساعدهم أكثر في التخلص من تجربتهم الفاشلة، عوض أن يزج بهم في السجن وسط أنواع متنوعة من المجرمين، الذين لن يزيدهم العيش في كنفهم إلا احتراف الإجرام وسلوكيات، قد يؤدي عليها المجتمع والدول ثمنا كبيرا.
نافذة:
يعرف الاختبار القضائي بأنه نظام عقابي ينهض على معاملة خاصة لفئة من المجرمين المنتقين، يستهدف ضمان إعادة تأهيلهم عن طريق المساعدة الإيجابية، وقد كتبت له الأرجحية في العلم الجنائي الحديث بوصفه من أنجح الوسائل في مكافحة العقوبات قصيرة المدة، وتختلف تسميته بحسب استعماله بين التشريعات