شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةوطنية

نظام الإرث في سياق التعديلات المرتقبة للمدونة بين مطالب بالمساواة واحترام النص الشرعي

خديجة حركات

 

عاد إلى الواجهة مرة أخرى الحديث عن تعديلات المدونة المزمع إدخالها عليها، ومن ذلك موضوع المساواة في الإرث بين الجنسين بعد بلاغ الديوان الملكي بخصوص تعديل المدونة، بحيث دخلت على خط النقاش، جمعيات وهيئات حقوقية وأحزاب سياسية، وعرف الموضوع انقساما حادا في الآراء، بين مؤيدين يرون في المساواة في الإرث بين الجنسين “تحقيقا للعدالة”، بالاستناد على الدستور الذي نص في الفصل 19 منه، على إحقاق مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الجنسين، في حين ترى فئة أخرى بأن أي تعديل في قانون الإرث، هو “مس بالنص القرآني” الذي لا يجوز مخالفته.

 

لا اجتهاد مع النص القطعي الدلالة

وفي هذا السياق، قال لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، في حديثه مع “موقع الأخبار، إن ” النقاش المجتمعي حول التعديلات المزمع إدخالها على مدونة الأسرة هو ظاهرة صحية دالة على حيوية المجتمع وتفاعله، ونحن نعلم أن مدونة الأسرة هي نتاج فكري إنساني يعتريه ما يعتري كل الاجتهادات الفكرية الإنسانية”.

وأكد سكنفل، أنه “في الفقه الإسلامي هو جهد الفقهاء في فهم النص الشرعي وتنزيله على الواقع المتغير، وهو ما يعرف عند الفقهاء بالنوازل، ولهذا فهو جهد يحتاج إلى مراجعة دائمة وفق أحكام الشريعة الكلية المتضمنة في كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، والتي لا تتغير ولا يدخلها التبديل إذا كانت قطعية الدلالة، كالنصوص المتعلقة بالزواج باعتباره عقدا شرعيا بين رجل وامراة، غايته الإحصان والعفاف، وهو قائم على التراضي والمكارمة بين الزوجين، وليس على الإجبار والمشاحنة، ومن ذلك أيضا النصوص المتعلقة بالإرث كما جاءت مفصلة في الآيتين 11 و12 من سورة النساء والآية الأخيرة من نفس السورة، فنظام الإرث نظام رباني لا يمكن تغييره ولا تبديله. ومسألة الميراث أو توزيع التركة التي عاد الحديث عنها مرة أخرى، محسومة شرعا، لأن الذي تولى قسمة تركة الميت هو الله تعالى، بنص قرآني قطعي الدلالة، لا مجال فيه للتبديل والتغيير”.

 

وأضاف لحسن سكنفل، أن “هذه الدعوة الجديدة القديمة، لا يستحضر أصحابها أن النص إذا كان قطعي الدلالة، فإن الاجتهاد فيه غير ممكن، كتحريم الزنا، والبغاء، وتحريم شرب الخمر، وتحريم الربا، وتحريم الرشوة، ووجوب القيام بالشعائر التعبدية، ووجوب توحيد الله وطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولي الأمر فيما لا معصية فيه لله تعالى، ووجوب الإحسان إلى الوالدين والأقارب، ووجوب رعاية الأبناء والإحسان إلى الزوج والجيران، وكتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وكتحريم الغلول، “وهو أكل مال الدولة”، وكتحريم بيع الخمر والمخدرات، وكتحريم خيانة الدولة والأمة، وكتحريم الخروج على ولي الأمر”.

 

وأوضح رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، أنه “لا يتصور شرعا تغيير نظام الإرث كما فصله القرآن الكريم في الآيتين 11-12 من سورة النساء، والآية الأخيرة من نفس السورة، خصوصا وأن النص القرآني جاء في هذه الآيات قويا في دلالته واضحا في ألفاظه، كقوله تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم”، وقوله عز وجل: “فريضة من الله”. وقوله سبحانه: “تلك حدود الله”. وقوله عز وجل: “يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة”، وقوله سبحانه: “يبين لكم أن تضلوا”.

 

وأبرز المتحدث ذاته، أن “هذه الآيات دالة في مجموعها على حكم الله، الضامن للحقوق، والمحدد للأنصبة، والذي ينبغي الخضوع له، لقول الله تعالى: “إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ،وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ”. سورة النور: 51 –52.

 

وأبرز سكنفل، على أن “البعض يتحدث عن كون هذا النظام (أي نظام الإرث في القرآن والسنة) يظلم المرأة، خصوصا البنات مع إخوة وأخوات الميت داعين إلى إلغاء (التعصيب)، والحقيقة أن هؤلاء تغيب عنهم كثير من الجزئيات في هذا الموضوع، فنظام الإرث في الإسلام انطلاقا من النص القرآني المؤطر لهذا النظام المحكم (الآيتين 11 و 12 من سورة النساء والآية الأخيرة من نفس السورة) وفي بداية هذا النص القطعي الدلالة جاء قول تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) قائم على التعصيب.

 

وأوضح سكنفل أن “الأبناء إذا اجتمعوا ذكورا وإناثا يرثون بالتعصيب، والأب إذا كان وحده يرث بالتعصيب، والإبن إذا كان وحده يرث بالتعصيب، والأخ الشقيق أو لأب إذا كان وحده أو معه صاحب فرض كالزوج أو الزوجة أو الأم يرث بالتعصيب، والعم (عم الميت) إن كان وحده أو معه صاحب فرض يرث بالتعصيب، وأخت الهالك ترث بالتعصيب مع البنت أو البنات بعد أن تأخذ البنات نصيبهما كاملا، وهو النصف إن كانت واحدة والثلثان إن كانتا اثنتين فما فوق، فالتعصيب أصل في النظام، وأساس من أسسه، وركن من أركانه، لا يمكن بتاتا إلغاؤه لأن في إلغائه ظلم للعصبة، وهم أقارب الميت أبا أو إبنا أو أخا أو عما”.

 

وتابع موضحا أنه “يمكن لصاحب المال أن يكتب “شقة سكنية مثلا” هبة لزوجته أو لبناته، أو يعمر لهن بأن يكتب لهن عقد “العمرة” التي تتيح للزوجة والبنات بعد وفاة معليهم الاستمرار في السكن مدة حياتهن، ولا يأخذ باقي الورثة حقهم إلا بعد وفاة المعمر لها”. مشيرا إلى أن “الملك محمد السادس نصره الله، باعتباره أميرا للمؤمنين، رئيسا للمجلس العلمي الأعلى، قد أكد على أنه لا اجتهاد مع النص القطعي الدلالة، وأنه أعز الله أمره لا يحل الحرام ولا يحرم الحلال”.

 

مطالب بإلغاء العصبة وزواج القاصرات

من جهتها، قالت بشرى عبدو، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في تصريح “لموقع الأخبار، إن “اليوم أفرز التطبيق العملي للقانون عددا من الثغرات، وأصبحت بالتالي الحاجة ملحة لمراجعته، حتى يتم معالجة النواقص وتواكب المدونة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة، ولكي تتلائم مع التزامات المملكة والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، خاصة على ضوء إقرار دستور 2011 الذي كرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية”.

 

وفي هذا السياق، تابعت المتحدثة ذاتها قائلة إن “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة ATEC، اطلعت باهتمام كبير على ما تضمنه بلاغ الديوان الملكي يوم الثلاثاء 26 شتنبر 2023، الذي وجهه جلالة الملك إلى السيد رئيس الحكومة، يتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة”.

 

وأضافت ” نعتبر هذا البلاغ، لحظة مهمة من أجل إخراج قانون أسرة جديد إلى حيز الوجود يستجيب للحاجيات الآنية للنساء، يتجاوز كل الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها التجربة السابقة في التطبيق لأزيد من 18 سنة”.

 

وأشارت مديرة جمعية التحدي للمساواة، إلى أن الجمعية قد أعدت مذكرة مطلبية متكاملة من أجل تعديل مدونة الأسرة، همت  عددا من المطالب تمحورت بالخصوص حول النقاط التالية: مراجعة لغة المدونة وحذف المصطلحات والعبارات التي من شأنها أن تكرس الصور النمطية لمهام وأدوار الرجال والنساء، حذف تزويج الطفلات، حذف تعدد الزوجات، الإبقاء على طلاق الاتفاقي والشقاق والغيبة، التنصيص على إعتماد الخبرة الجينية كأداة لإثبات النسب، حضانة الأبناء مع إعطاء الحق في الزواج للأم الحاضنة، المساواة في الولاية القانونية على الأبناء، إعادة النظر في مستحقات النفقة في حالة حل ميثاق الزوجية، تقسيم الممتلكات مع جعل وثيقة اقتسام الممتلكات من الوثائق الضرورية لاستكمال ملف الزواج وشرط منصوص عليه في عقد الزواج، حذف الإرث بالتعصيب مع إعطاء الإرث الكامل للبنات في غياب الذكور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى