يونس جنوحي
هل تملك كامالا هاريس، فعلا، حظوظا لتجاوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
المحافظون الأمريكيون يدعمون النساء فعلا، لكنهم لا يُفضلون أبدا أن يجعلوا منهن رئيسات.
«الديموقراطية» الأولى في العالم، التي تؤثر في سياسات كل الدول على سطح الكرة الأرضية، لم تحكمها بعدُ أي امرأة رغم أن البلاد كُلها تأسست قبل قرابة ثلاثة قرون حتى الآن.
وصلت النساء الأمريكيات إلى كل المناصب التي يمكن تصورها في كل مؤسسات الدولة وعلى جميع المستويات، لكن لم يُكتب بعدُ أن تُصبح مفاتيح البيت الأبيض بين يدي رئيسة جمهورية.
سبق، أيضا، أن خاضت هيلاري كلينتون غمار الانتخابات الرئاسية، وكادت استطلاعات الرأي التي سبقت نتيجة الحسم أن تُنصبها رئيسة للبلاد، لكن الصناديق كان لها رأي آخر في نهاية المطاف. وقتها فقط فهمت الأمريكيات أن «الرجال» يقولون ما لا يفعلون عندما يتعلق الأمر بالانتخابات. قد يدعمون أفكار سيدة تخطب فوق المنصات وتُبشر الأمريكيين بحل المشاكل الاقتصادية للبلاد، لكنهم عندما يتعلق الأمر بجعلها رسميا رئيسة للبلاد، يفضلون أحيانا أن يدعموا الخصم على تنصيب سيدة عليهم بأنفسهم.
سيناريو مشابه، ولو باختلافات طفيفة، عاشته فرنسا مع المرشحة المثيرة للجدل مارين لوبان، ابنة سياسي فرنسي معروف شقت طريقها في السياسة والمحاماة، وراكمت دفتر علاقات محترما. جربت الأضواء وافتُتن بها الفرنسيون ورأت فيها السيدات الفرنسيات الخلاص الأخير من الهيمنة «الذكورية» على المناصب السيادية. وهي الأخرى نصبتها استطلاعات الرأي رئيسة للبلاد، لكن عندما أعلنت النتائج الرسمية خسرت السيدة الانتخابات ببساطة.
وتبقى مارغريت تاتشر، سيدة بريطانيا الحديدية، أبرز سيدة نافست الرجال في الانتخابات وأزاحت الجميع من أمامها قبل أربعين عاما، ونصّبتها الملكة إليزابيث الثانية رئيسة للوزراء، وهاجمتها الصحافة بشدة فقط لأنها امرأة. غير أنها، في الأخير، بصمت على مسار مميز على اعتبار أنها قادت البلاد في سياق سياسي شائك هيمنت عليه أحداث الشرق الأوسط والأزمة الاقتصادية الخانقة في بريطانيا ومطالب بعض الدول في أوروبا الشمالية بالانفصال عن التاج البريطاني.
أما آخر نماذج النساء اللواتي هزمن الرجال في السياسة، فهي الألمانية أنجيلا ميركل. تفوقت على أعتى المرشحين وراكمت، منذ بداية التسعينيات، تجربة تُحترم في خوض غمار الانتخابات وإنشاء التحالفات. وعلى المستوى الدولي، لا ينتبه الكثيرون إلى أن ميركل كانت وزيرة سنة 1994، ولم يصبح وجهها مألوفا في الأخبار الدولية إلا عندما خاضت الانتخابات بمرارة، لتستقر في منصب مستشارة الألمان منذ 2005 إلى سنة 2021، ليكون وداع الألمان لها تاريخيا حظيت فيه باحترام خصومها قبل المُعجبين بها.
عندما كان المغرب يتعامل مع هذه الدول كلها قبل قرون خلت، سجل السفراء المغاربة، مثل الحاج الزبدي والعياشي وابن عائشة وغيرهم، تحفظا كبيرا في التعامل مع النساء الأوروبيات، خصوصا زوجات الرؤساء والملوك وزوجات الوزراء والمستشارين. ولا تزال مواقف هؤلاء السفراء المغاربة من حضور النساء في مناحي الحياة الرسمية والقرار السياسي مُسجلة، إذ لم يُرحبوا أبدا باصطحاب هؤلاء السياسيين لنسائهم، فكيف يتقبلون، إذن، أن تتسلم النساء زمام الأمور عندما يتعلق الأمر بالقرار السياسي.
سبق لباحث مغربي له مؤلفات كثيرة، وهو الراحل محمد بركاش، أن ألّف كتابا مثيرا عنوانه «نساء بدون حجاب»، عدد فيه شخصيات النساء المغربيات اللواتي فقن الرجال ذكاء في السياسة والحياة العامة، وكيف أنهن حكمن الحياة السياسية وأثرن في الحياة العامة «من وراء حجاب».
عنوان الكتاب، رغم الإثارة اللغوية المتعمدة في صياغته، يُحيل على الحجاب السياسي الذي يوضع بين الجالس في كرسي المسؤولية واتخاذ القرار. وهو نفسه الحجاب الذي عانت معه مارغريت تاتشر، وميركل والأخريات.. لكن، في النهاية، نُهاجم نحن فقط ونوصف بالتخلف وإقصاء النساء.. رغم أن النساء المغربيات، عبر التاريخ، تفوقن على الرجال في كل شيء، بدءا بفاطمة الفهرية التي بنت أولى جامعة في العالم وخطفت لقب العالمية من الرجال جميعا في وقت لم تكن فيه النساء الأوروبيات قادرات على اتخاذ أي قرار، مرورا بزوجة المولى إسماعيل خناتة بنت بكار، التي بصمت على حياة سياسية في ظل زوجها الذي يعتبر إلى الآن أحد أقوى من حكموا المغرب عبر التاريخ.