نزوة مغامرة قادته إلى تطوان فأصبح من رموزها الفنية
حسن البصري
لا ينتبه كثير من التطوانيين إلى لوحة مغبرة عند مدخل زقاق قديم تحمل اسم ماريانو بيرتوشي. لقد كان هذا الرجل الرسام الرسمي للمغرب في المنطقة الخاضعة للنفود الإسباني، وينحدر من غرناطة التي ولد فيها عام 1884، وحل بالمغرب وعمره لا يتعدى 14 سنة، حين دعاه حنبعل رينالدي، مترجم الجنرال أودونيل، إلى مرافقته صوب الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، وطلب مقابل ذلك تمكينه من جلباب مغربي. كانت مهمة الفتى مساعدة المترجم في إنجاز رسومات بريشته للإسبان، خاصة الجهات الرسمية. وعندما ظهرت مجلة «أفريكا» في مدينة سبتة عام 1924 كان بيرتوشي على رأس قسم تحريرها وبريشته رسمت أغلفتها.
استقر ماريانو بشكل نهائي في المغرب عام 1928، وذلك عقب تعيينه مفتشا ورئيسا لخدمات الفنون الجميلة بتطوان، وقام، أيضا، بإدارة مدرسة الحرف الفنية، لكنه كان يجد ذاته أكثر في التدريس والدفاع عن التراث الثقافي التقليدي جنبا إلى جنب مع نشاطه الرئيسي رساما حكوميا، ما مكنه من زيارة عدد من مدن الشمال، خاصة شفشاون التي عشقها وخصص لها الكثير من أعماله، لكنه لم يحصل على شهرته إلا في تطوان.
كانت سمعة بيرتوشي كبيرة إلى درجة أن جميع الإصدارات البريدية تقريبا من تطوان حملت اللوحات والرسومات التي كان يعدها هذا الفنان المشتغل على موضوعات متنوعة، خاصة الآثار والمناظر الطبيعية.
في تلك الفترة، كان استخدام التصوير محدودا، لأنه كان يعتبر شقيقا فقيرا للسينما، لكنه أوصل الفن السابع إلى آفاق أوسع. وذلك بفضل سحر التصوير، وخلود الرسم وأبدية صوره، خاصة مع بيروتشي أحد مرجعيات التصوير الاستشراقي في العالم العربي.
في دراسة عنوانها «القضية الاستعمارية والاثنولوجيا»، يتوقف الباحث الإسباني خوسي أنطونيو غونزاليس عند هذه الشخصية المبدعة، «قام بيرتوشي ببناء متحف تطوان، حيث كان يريد إحياء أي عمل فني من تأثير الأساليب الحديثة، وبدون أي شك، كان في منافسته المباشرة مع فن التصوير المتصاعد الأهمية. ولكن لا بد من إثبات أنه، بينما كان الفن التصويري ينتشر بين النخب التي كان بوسعها دفع تكاليفه، كان انتشار هواية التصوير بين الناس العاديين يهدد الرسم في شق البرورتري».
كان بيرتوشي يحرص على أن ترتدي زوجته الإسبانية سبيرانسا اللباس التقليدي المغربي، وظلت العديد من رسوماته لزوجته بهذا الزي الذي كان يأسره إلى أن تماهت معه رفيقة دربه التي رزق منها بولد وحيد يدعى فيرناندو، والذي اختار تخصص والده نفسه وأضحى واحدا من كبار المدرسين في مدارس الفنون الجميلة في إسبانيا.
لم يقتصر هذا المبدع على الرسم بل تألق في النحت أيضا، حيث كان السلطان الخليفي يستشيره في كل ما يتعلق بديكورات القصر وبعض البنايات الحكومية، وظلت لوحاته حاضرة بقوة في المرافق الإدارية وفي صالونات وجهاء المدينة من مغاربة وإسبان.
نال الرجل قيد حياته عشرات الأوسمة من مختلف الجهات الحكومية ومن الصحافة الإسبانية التي ظلت تحيي ذكراه إلى أن توارى في زحمة الأحداث.
توفي بيرتوشي في مدينة تطوان ودفن في تربتها بناء على وصيته، يوم 20 يونيو 1955 عن سن يناهز 71 عاما، وشهدت جنازته حضورا حاشدا للفنانين والسياسيين ورجال التعليم.