شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

نخيل في كل مكان

 

 

يسرا طارق

 

منذ ثلاث سنوات، و«حركة مغرب البيئة 2050»، التي ترأسها الأستاذة سليمة بلمقدم، تنوب عنا جميعًا في مواجهة حمى غرس النخل في شوارع وحدائق المدن، وحتى في الشوارع اليتيمة للقرى. فمنذ أن بدأ مخطط إعادة تهيئة المدن والجماعات القروية، وتزيين مداخلها وشوارعها الرئيسية، بما في ذلك تشجيرها، لم نعد نرى إلا نوعا واحدا من النخل ينتشر ويستولي على المشهد البصري، كأن هذا المغرب المتنوع بمناخه وجغرافيته وحاجياته البيئية لا يستحق إلا ذلك النخل الذي يبدو نشازًا والمغاربة لم يعرفوه إلا مع مجيء الاستعمار.

وبالقدر الذي عملت فيه الدولة، ومنذ عقدين، على تشجيع اللامركزية، وفوتت الكثير من اختصاصاتها للجهات والجماعات الترابية، وحثت على ديموقراطية تشاركية، تعطي للمجتمع المدني وللمواطنين دورا في صناعة القرارات التي تخص مدنهم وقراهم، يبدو أن النخل سلطة فوق المساءلة والنقاش العمومي. فكلما رأيت شارعًا في أي منطقة من المغرب تتم تهيئته، توقع بأن النخل سيغرس فيه لاحقا، كأنه قدر لا راد له.

لا أحد يريد أن تكون شوارعنا وحدائقنا متشابهة بشكل قاتل، ولا أحد يفهم كيف أن مدنا تقارب فيها الحرارة الخمسين درجة، ويحتاج فيها الناس الظل ليلتقطوا الأنفاس ويتنقلوا تحت قليل من الرحمة، تغرس نخلًا لا يوفر الظل حتى لنفسه.

هناك مدن في العالم تدين بهويتها لأنواع الأشجار المغروسة فيها، والتي تجذب آلاف السياح لرؤيتها في فترة إزهارها، (مدينة أبها في المملكة العربية السعودية مع شجرة  الجاكرندا، وبعض المدن اليابانية مع شجر الكرز، مثلًا)، فالأشجار لا تزين الشوارع فقط، وإنما تهب من روحها لروح المدينة، وتلعب الدور الأساس في الوجه الذي تقدمه المدينة لساكنيها وزوارها.. حتى أن مدينة بلا أشجار هي مدينة بلا رحمة، ويكفي أن نتصور الفرق المهول حين نفكر بأن أشجار شارع النصر بالرباط، المتشابكة والمتعانقة فيما بينها، اقتلعت وغرس مكانها نخل لا تعانق فيه النخلة إلا نفسها.

بنيت الحديقة المغربية الأندلسية، طيلة قرون، على تضافر الظل والماء والرائحة. إنها جنة تحاكي الجنة التي وعد بها المؤمن الصادق. علينا أن نبقى أوفياء لحديقة أجدادنا المتنوعة، والتي تغرس لكل مكان وطقس ما يلائمه، رأفة بالناس  في الأرض قبل رحمة السماء.

قليل من النخل يزين وكثير منه يصحر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى