نخبك.. يا أنت..!
لئيما كنت حين تسافر في ملامحي وأنا أحدّثك..!
كنت أقرأ بين عينيك دهشة شهيّة تدفعني للمراوغة.. لافتعال اللامبالاة بينما أشعر بخفقك الذي راح يدقّ بشدة.. كنت دائما ما تخبرني أن في ابتسامتي شيئا من الطفولة وأَن غمازتيّ جعلتا من وجهي آية.. ولما سألتك:
-آية ماذا..؟
رحت تطرق أبواب الحديث.. ولما تعذر عليك الهروب أجبتني وكأنك ستقذف اعترافا ظل مكتوما في صدرك لليالٍ بعيدة:
– جمـال..!
ابتسمنا لحظتها.. والتزمنا الصمت بينما راحت كل حواسنا تدير الأحاديث الطويلة..!
اعتدت على تشذيب شجرة الذكريات يا سيد الأحلام.. اعتدت على التفيؤ بظلال حنينها.. والجلوس تحت ثمار صبرها المتدلية على عاتقي الممتلئين بالآمال الكبيرة.. أصنع من ثمارها شرابا بطعم ملوحة الانتظار.. ولا بأس من تنهيدة حيرى أطلقها في فضائي المشمس.. علّ طيور الذاكرة تلتقطها وتبذرها في حقولك لتنبت زهورا تذكرك بي.. فتبتسم.. وتثمر بوعد لعودة مرتقبة..
صدري غابة من الفقد الطويل ..قلبي غجري صغير يدق الطبول ويراقص الرياح ..وأحزاني هنود حمر يضرمون النار في أحشاء الظلمة ..
يمر الربيع تلو الربيع ..وعينيّ بحران يغنيان..
ذكرتك في قصيدة.. زاوجت فيها بينك وبين ضِفـة.. تركت النهر يسرف في الحديث معك.. والحشائش تسرف في تدليل نفسها على حسابك..
عاملت الأقحوانات بكرم المجاز.. ورائحة الليمون بشهامة قافية مفتوحة..
كان لدّي المزيد من الحب لأبالغ في تجميل العالم.. ولم يلزمني شيء غيرك.. ليصبح الورق أخضر.. أباهي الكون والأقمار. لوحت باسمك في وجه الشمس.. راقصة كطاووس مجنون..
ثم جلست أرقب بعين الحسرة نقرس البعاد وهو يقرض أصابعي العشرة كجوارب مصفرة ومثقوبة..
أتفقد كل ليلة هدهد غيابك عله يأتيني عنك بخبر يقين.. وأموت متكئة على عصا انتظاره..
آوي إلى جبل يحميني من طوفان ذكراك ليلفظني الحوت مجددا بذاكرة مبللة بالشمع والحديد..
صامتة ألوك خيبتي.. مستسلمة أرقد في قاع الجب..
أقذف أنفاسي زفرات فترتد خاسئة وهي حسيرة..
وكأي مشهد كوميدي أسود.. أسقط في الحفرة ذاتها.. وأنال الصفعة ذاتها.. فأدير خد قلبي الآخر بسخاء وقلة حيلة.. مؤلم ولذيذ.. نعيم وجحيم..
فيالك من نقيض.. ويالك من حب أيها الحب..!
لك رقة النسيم وهو يختال ضاحكا بالأفق..
فرح النوارس وهي تختلس قبلة من خد الصباح..
ولي وحدي هذا الليل المشظى بالقلق والصقيع.. أتجرعه قطرة فقطرة.. نخبك.. يا أنت..!