يسرا طارق
وأنا أتصفح الملف الإعلامي لبرنامج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، شدت انتباهي جزئية تكررت، تقريبا، في زيارات الدولة التي قام بها الرؤساء الفرنسيون للمغرب في العقدين الأخرين: حرصهم على أن يكون ضمن الوفد المرافق لهم أدباء ومفكرون وفنانون يجسدون، بشكل أو بآخر، جسر التلاقي بين الشعبين والدولتين والثقافتين المغربية والفرنسية.
يعرف الرئيس الفرنسي، مثل سابقيه من الرؤساء، أن حضور فرنسا في مستعمراتها هو بالأساس حضور ثقافي (اللغة، القيم، نمط العيش…)، وأن فرنسا تنجز مصالحها، وتؤمن حضورها ونفوذها الاقتصادي والسياسي، من خلال ارتباط النخب المسيرة في مستعمراتها السابقة للشأن العام بالنموذج الثقافي الفرنسي.
تبدي فرنسا الرسمية في علاقتها الخارجية، تقريبا، الاهتمام نفسه الذي توليه لشركاتها ومكانتها في الأسواق الدولية، والحرص ذاته على إبرام شراكات وصفقات مربحة لنفوذ لغتها ومراكزها الثقافية ومؤسساتها التعليمية، ولها من التجارب التاريخية لتعرف أن لا شيء يبقى إن لم يكن راسخًا في الثقافة.
هكذا رأينا إدغار موران وجاك أتالي، والطاهر بن جلون وليلى السليماني، وغيرهم من مشاهير الثقافة الفرنسية، يقفون، وعلى قدم المساواة، إلى جانب رؤساء الشركات الكبرى ونساء ورجال المال والأعمال، في إشارة إلى أن الدول تحتاج لأذرع متعددة لحماية مصالحها وتغليفها وتبريرها وترسيخها. فالسلعة عمياء ما لم تنر طريقها القيم.
احتاجت فرنسا، قبل وأثناء احتلال المغرب، للرحالة والباحثين والمنظرين قبل أن تحتاج البنادق والمدافع.
كانت زيارة ماكرون وما تمخض عنها حدثا كبيرا، وأبرزت المكانة الرفيعة التي صنعها جلالة الملك لمغرب اليوم وسط الأمم. وكلي أمل أن نفهم، على غرار الفاعل السياسي الفرنسي، أن الشأن الثقافي مهم، بل استراتيجي، وعلينا أن نوليه المكانة التي يستحقها في مخاطبة الدول وفي نسج علاقات كثيفة ومتينة مع الشعوب.
نحن نعتز، دوما، بالقفطان والزليج والطاجين وروح الكرم المتأصلة في المغاربة. ونحن نفخر، دوما، بتاريخنا العريق كأمة صنعت حضارة فريدة، لكن علينا أن نعتز، أيضا، بثقافتنا الراهنة في كل تجلياتها، وهي تُبْدَعُ من طرف نساء ورجال، وفي ظروف صعبة، نعم، لكنها تعطي في الفن التشكيلي والأدب والفكر والسينما والموسيقى ذررا جديرة بالاحتفاء.