يونس جنوحي
سبق للاتحاد السوفياتي أن أهدانا طائرات متطورة قبل ستين سنة. وسبق أيضا للمخابرات الروسية أن زرعت أعينها في المغرب خلال الحرب الباردة.
وبعد انهيار جدار برلين قبل ثلاثين عاما، انهارت أحلام الاتحاد السوفياتي وانهارت معها أحلام الثوريين المغاربة الذين كانوا معجبين بروسيا، ويلتقون في مدنها مع الجزائريين الذين كانوا أيضا ضيوفا دائمين في روسيا منذ عهد بومدين.
اليوم نرى كيف أن العالم قد بدأ يفسخ عقود البترول وصناعات أخرى مع روسيا ردا على الحرب التي تقودها ضد أوكرانيا.
بداية هذا الأسبوع بلغ عدد الذين دمرت الحرب حياتهم في مدن أوكرانيا ونزحوا منها نحو حدود دول أخرى، مليوني لاجئ. وهو ما حرك منظمات غوث اللاجئين حول العالم، وجعل خارجية الاتحاد الأوربي وخارجية بريطانيا أيضا تتحرك لتقليب الملف سياسيا.
عندما كان الاتحاد السوفياتي يحلم بالتوسع والسيطرة على العالم وضم مزيد من دول أوربا الشرقية إلى “حظيرته”، كان بعض الطيارين الروس يحلون في المغرب خلال النصف الأخير من خمسينيات القرن الماضي، لتدريب الطيارين المغاربة على قيادة الطائرات الروسية المقاتلة. وكان هؤلاء الطيارون الروس منبهرين جدا بالمغرب. وأحدهم كان يريد أن يتقاعد في شمال المغرب، بعد أن رأى منظرا خلابا من طائرته العسكرية لمنطقة تطوان والحسيمة المطلة على البحر المتوسط، لكن واجباته العسكرية حالت دون أن يحقق هذا الحلم، خصوصا وأن الروس لم يعودوا إلى المغرب بعد 1960.
كان هؤلاء الطيارون الروس يحلمون بامتلاك سيارات خاصة بعد التقاعد، لأن امتلاك سيارة في ظل نظام اشتراكي يعتبر أمرا “مُحرما”. إذ رغم أنهم كانوا يقودون طائرات تكلف صناعة الواحدة منها ملايين الدولارات وآلاف ساعات التدريب القاسية، إلا أنهم كانوا محرومين من قيادة السيارات الفارهة وامتلاكها.
الروس كان لديهم الحق في السيارة المحلية داكنة اللون التي تصنع محليا وتعتبر فخر الصناعة الروسية، ويمنع على العسكريين امتلاك واحدة منها خلال مدة الخدمة العسكرية. ويحق للعسكري أن يحلم بامتلاكها فقط بعد التقاعد، إن تركته الحرب على قيد الحياة طبعا.
صارت قصة العسكريين الروس مع المغرب منسية تقريبا بسبب التقادم. لكن الأرشيف الذي يعود لفترة الحرب الباردة، يؤكد أن صداقة مغربية روسية كانت لتُبنى لولا التطورات العالمية ودخول الولايات المتحدة على الخط.
خلال حرب الرمال ضد الجزائر سنة 1963، اكتشف المغرب أن الجزائر كانت تملك مروحية وحيدة ربما، مصدرها روسيا. ولم يكن الروس ليمانعوا عقد صفقة عسكرية مع الجزائر التي حصلت لتوها على الاستقلال وتزويدها بالطائرات العسكرية أيضا. ليس حبا في الجزائريين وإنما لكسب دولة إضافية في صف الروس في إطار السباق مع الولايات المتحدة.
في تلك الفترة، كان توجه الطلبة المغاربة إلى روسيا للدراسة شُبهة يجب تبريرها بعد العودة إلى المغرب. إذ كانت روسيا معقل الطلبة الجزائريين الذين يؤمنون بأفكار الهواري بومدين المعادية للمغرب، بالإضافة إلى الطلبة الصحراويين الذين تم إغراؤهم بالمال لدعم الانفصال. والدراسة في تلك الأجواء كانت تشبه المشي وسط حقل من الألغام.
هل سوف يشهد العالم عقوبات على روسيا التي قضت أزيد من ستين عاما في حربها الباردة ضد الولايات المتحدة؟
الواضح الآن أن الشعب الأوكراني يعيش ظروفا إنسانية عصيبة جدا. مئات المدن صارت تحت رحمة القصف الروسي. ملايين المواطنين يعيشون تحت وقع ضغط نفسي كبير يترقبون ما سوف تحمله الأيام القادمة. انهيار كبير في الاقتصاد سوف تتلوه بالتأكيد تداعيات أخرى داخل السوق الأوكرانية.
كان العالم كله يعتقد أن الحلم الروسي قد دفن مع انهيار جدار برلين، لكن يظهر أن الحلم لا يزال ساري المفعول والصلاحية.