شوف تشوف

الرأي

موهبة «الحكي» التي تبخرت

يونس جنوحي

كل شعوب العالم لديها ثروتها من الحكايات الشعبية الضاربة في القدم، ونحن لدينا أيضا نصيبنا من هذا الإرث العالمي.
وقد نشرت منصة «GOOD TALES ALL» سلسلة من الدراسات حول «الحكاية» في ثقافات دول العالم، واعتبرت أن المغرب إحدى أكبر الثقافات العالمية في مجال الحكي، وربطت بين ازدهار ثقافة الحكاية وبين ساحة جامع الفنا بمراكش.
هذه الدراسة تقول إن الثقافة المغربية أغنت الطريقة المحلية في تقديم الحكايات. إذ إن هذه المنصة الدولية، والتي يوجد مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، خلصت إلى أن غنى الموروث الثقافي المغربي مرتبط أساسا بالغنى على مستوى الأحداث، وأيضا عمق الثقافة المحلية في المغرب، والتي تصلح ليس فقط لتأليف الحكايات، وإنما أيضا لسردها بطريقة مغربية خالصة.
هذا الكلام كان قبل ألف سنة، حيث إن أكبر المؤلفين المغاربة اشتهروا بطريقتهم العجيبة في السرد. بل إن سفراء المغرب الأوائل في الخارج، ما زالت مخطوطاتهم ويوميات رحلاتهم إلى أوروبا في القرن التاسع عشر، وحتى في القرن العشرين، تحظى باهتمام الباحثين حول العالم وليس عند العرب فقط. إذ إن الكُتاب المغاربة الذين رافقوا البعثات الدبلوماسية المغربية الأولى إلى أوروبا، تفننوا في نقل مذكراتهم ووصف الأشخاص والأماكن. ولا تزال هذه اليوميات إلى الآن موضوع عدد من الدراسات.
أما رحلات الحج فقد تفوق فيها المغاربة كثيرا، وهناك مراجع كثيرة في هذا الباب. إذ إن علماء مغاربة كبارا من القرويين ألفوا مذكرات مهمة عن رحلاتهم إلى موسم الحج منذ القرن 18 تقريبا، في وقت لم يكن الحكي قد وجد طريقه بعد إلى مؤلفات العرب، التي كانت مغرقة في التفاصيل المرتبطة بالعلوم الشرعية. ولولا السيرة النبوية لما تعرف الشرق على الحكي. إذ إن الحكي ثقافة وصناعة ظهرت في المغرب، قبل ألف سنة.
اليوم هناك أزمة كبيرة في صناعة المحتوى المغربي، رغم تعدد الوسائط. نقاد يشددون على ضعف الحكي في معظم الأعمال الروائية المغربية، والانزياح نحو الانطباعات والخواطر أكثر من طرح القصة الروائية.
أما الأفلام المغربية والمسلسلات المغربية فلا تنتمي أصلا إلى الواقع المغربي، لكي نبحث عن رابط بينها وبين موهبة أجدادنا في الحكي. ولو أنهم تركوا كتابة سيناريو فيلم مغربي أصيل لأحد ورثة فن الحكي بساحة جامع الفنا، لأصبحت لدينا أعمال تلفزية مغربية بقصص منطقية على الأقل، وليس ما يراه المغاربة هذه الأيام، حيث يعجزون تماما عن تفسير نهايات بعض المسلسلات المغربية بأخطائها الكثيرة في الإخراج والسيناريو، وبعدها عن المنطق المغربي.
إننا بالإرث الثقافي الذي نتوفر عليه، نستحق فعلا أن تكون لدينا جائزة نوبل واحدة على الأقل في مجال الأدب. لكن الواضح أننا تخلينا عن الدور التاريخي الذي لعبه المغرب في هذا الباب، رغم التعقيد الذي يحيط بتفسير اختيار لوائح هذه الجائزة، خصوصا في صنف «الأدب» و«السلام».
أما رحلة ابن بطوطة، فتبقى أحد أكبر الأدلة على تفوق المغاربة منذ قرون طويلة في الحكي. إذ إن بعض الباحثين العرب شككوا في شخصية ابن بطوطة ورحلاته.
عموما، إذا كانت كل تلك الحكايات من خيال الرجل، فلا بد وأنه يستحق جائزة نوبل للأدب بجدارة واستحقاق، لأنه كتب عن الشعوب على امتداد الشرق كله، وصولا إلى الصين، قبل أن تكون «شعبية» بأزيد من ستة قرون. في وقت لم يكن متاحا أبدا لأي إنسان أن يعرف كل تلك التفاصيل، المرتبطة بالعادات والتقاليد ومواصفات اللباس والبناء والأكل والتدين.
والطامة الكبرى التي تؤكد الفقر المغربي وتبخر موهبة السرد والحكي في كلام المغاربة، علما أن أجدادنا كانوا بارعين جدا في الحكي، هي أن تسمعوا تصريح مسؤول مغربي. لا بد دائما من وجود صحافي أو مذيع يعيده إلى الموضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى