د. خالد فتحي
حان لنا الآن أن نكتشف حسنات أخرى للأداء الباهر لمنتخبنا الوطني لكرة القدم خلال كأس العالم بقطر. فهو لم يشرف المغرب، ويقلب المعادلة فقط في وجه الكبار، ولكنه فوق ذلك أطلق العنان للطاقات الرياضية لإفريقيا، محررا فيها بالكامل عبقريتها الكروية الكامنة.
فها هي دورة «الكان» التي تجري بكوت ديفوار تتميز عن صنواتها، فتضاهي هذه المرة في روعتها وإبهارها كأس أوروبا ولم لا كأس العالم.
مباريات من المستوى الرفيع، ومنتخبات أبانت عن علو كعبها، ففرجت وأمتعت. وجماهير متحمسة شغوفة متابعة تدل على أن هناك بالفعل هوية إفريقية جامعة. وأن إفريقيا قادمة اليوم كرويا، وغدا ستثبت نفسها علميا واقتصاديا… إلخ.
من كان يتوقع على سبيل المثال أن توقع كل من الرأس الأخضر وبوركينا فاسو على كل ذلك الحضور الذي شهده العالم. ومن من المحللين الرياضيين قدر هذه الصلابة وهذا العنفوان والتألق الموريتانيين.
لقد انتهت مع هذه «الكان» لغير رجعة مقولة المنتخبات الكبيرة، وحل محلها ما يصطلح عليه بالواقعية في اللعب. إنها الندية في كرة القدم التي ستصير لا محالة ندية في كل المجالات.
وحدها الفرق التي آمنت بنفسها، والتي فهمت أن النتيجة تحسم على أرض الملعب بمهارات اللاعبين وكاريزميتهم وقتاليتهم ووطنيتهم، من حجزت لنفسها مكانا في ثمن النهاية.
كثيرة هي أيضا الدروس التي تمخض عنها «كان» كوت ديفوار، ولكن أبلغها على الإطلاق هو ذاك الدرس الذي لقنته موريتانيا للجزائر أمام أنظار العالم أجمع، حين جعلت النظام الجزائري يرى نفسه عاريا أمام المرآة.
ما أشبه اليوم بالبارحة، خروج المنتخب الجزائري متذيلا مجموعته هو أشبه بخروج الجزائر خاوية الوفاض من قمة «البريكس» بجنوب إفريقيا، وقبلها حين انسحبت من تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بالقاهرة، وقبل هذين الحدثين كان إخفاقها في القمة العربية بعقر دارها مدويا، بعد أن أجلت الدول العربية رجوع سوريا إلى القمة اللاحقة بجدة. الصدمات نفسها تتكرر بتغييرات بسيطة في الإخراج، ونفس حالة الوهم والإنكار تتسيد الخطاب الرسمي عند كل سقوط.
فوز موريتانيا على الجزائر هو فوز النملة التي لها إصرار على الصرار الذي لا يكف عن الغناء والصفير….. انتصار المكد المجتهد على المتعالي المغرور الذي تدغدغه الأماني.
لقد جاء المنتخب الجزائري إلى كوت ديفوار وهو يحمل معه هزيمته فوق أكتافه. جاء منفوخا كالطواويس، مشحونا بأحلام وخيالات لا تتساوق ومستواه الحقيقي. وعوض أن يتركه العسكر ينزل من عليائه إلى الأرض، لينكب على تطوير ذاته ورص صفوفه، كانت العين الجزائرية الرسمية مصوبة تجاه المغرب تتخيل مؤامراته في الكواليس وتترجى انكساره.
هذا الفريق المسكين كان ضحية للصورة المتضخمة غير الحقيقية التي يشيعها العسكر عن البلاد التي يتحكم فيها.
إذ رغم أن الكرة والسياسة حقلان يبدوان مختلفين، إلا أنهما دائما ما يبرهنان أنهما يتأثران ببعضهما البعض، فكما أضاعت الجزائر فرص التقدم منذ استقلالها بالانشغال بالمغرب، قد فرضت على هذا المنتخب أن ينخرط أيضا في هذا الأسلوب الذي ضيعه.
الكل يفهم الآن أن نزعة الهيمنة على شمال إفريقيا، وسردية التفوق الزائف على الجيران التي يروجها العسكر هما ما أصابا المنتخب في مقتل. ولو كان هذا المنتخب عاثر الحظ في أيدي أخرى غير عسكره، لكان له بالتأكيد مصير آخر بـ«الكان».
تراه ماذا كان بوسع مدرب مثل بلماضي أن يفعل أمام سلسلة الانهيارات والانكسارات والإحباطات التي حطت على رأس الجزائر في الآونة الأخيرة، والتي تسبب فيها النظام الجزائري بهروبه إلى الأمام، وإنكاره للمشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها بلاده وانصرافه لما لا يعنيه.
هذه المرة أتى الدرس من حيث لم يتوقع العسكر.. من نواكشوط، وهو درس قاس جدا في حالة الجزائر بالتحديد التي تخلط الرياضة بالسياسة، والتي لن تهضم هذه الهزيمة، ليس لأنها غير منطقية، فالكرة دوارة، وكل النتائج محتملة، بل لأنها تطيح بالجزائر من شاهق. شاهق سياسي طبعا وليس شاهقا رياضيا. وهنا وجه المأساة.
لحد الآن ما زالت الجزائر تنكر على موريتانيا هذا الفوز المستحق، لأنه فوز تخاف أن تكون له تداعيات سياسية وجيواستراتيجية، لأنه يحطم بداخلها ذاك الوهم الذي تغذيه بعقيدتها الاستعلائية بأنها الدولة المحورية للمغرب العربي، الذي لا تنتبه إلى أنها من وأدته بضلالاتها.
رغم أنها كرة قدم فقط، إلا أنها وللمفارقة تعكس كيف أن العُقَدَ التي يعاني منها السياسيون قد يدفع ثمنها أحيانا الرياضيون، وفي حالة الجزائر يدفع ذلك كافة المواطنين.
نافذة:
هذه المرة أتى الدرس من حيث لم يتوقع العسكر من نواكشوط وهو درس قاس جدا في حالة الجزائر بالتحديد التي تخلط الرياضة بالسياسة والتي لن تهضم هذه الهزيمة
المهم هنا تلقن الدرس لمجموعة المهتوعين استوعبوه أو لم يستوعبوه هذا امرهم يخصهم لأن كثرة الغرور والعجرفة دائما يؤدون إلى الانكسار والمدلة ،النملة اركعة الجمل ونحن لهم فارحين أولا لمورتانيا براسها العالي وتانية للكبرنات لحشر انفهم في الغيس