شوف تشوف

الرئيسية

«موت المدرسة» لإيفان إليتش

المصطفى مورادي
شكل صدور كتاب «مجتمع بدون مدارس» لصاحبه إيفان إليتش حدثا ثقافيا كبيرا واكبته نقاشات وتعليقات على مستوى العالم بسبب جرأته في طرح أفكار، تعد بمثابة تقويم شجاع للعديد من البداهات التي ربطت المجتمعات الحديثة بالمدرسة ربطا عضويا. هذا الكتاب، وعلى الرغم من مرور عقود على صدوره، مايزال ذا راهنية على مستوى العالم، وتزداد الحاجة لإعادة قراءته، كلما استفحلت قيم الليبرالية المتوحشة. فحسب إليتش، ففي الوقت الذي تعتبر فيه المدرسة العمومية سليلة التنوير الأوروبي العلامة البارزة لمؤسسات العصر الحديث، فإن هذه المكانة لم تحل دون أن تتعرض هي نفسها لنقد كبير، بعضها فلسفي كما فعل إيفان إليتش وبعضها جاء من العلوم الإنسانية والاجتماعية. أهم هؤلاء بيير بورديو في كتابه «العنف الرمزي.. بحث في أصول علم الاجتماع التربوي»، وباولو فريري في كتابه «تربية المقهورين»، وإيفان إليتش في كتابه «مجتمع بدون مدارس».
فحسب إليتش، فإن رفض مؤسسة المدرسة وتدعيم خطاب ما بعد المدرسة أو الدعوة إلى تجاوزها وموتها، يستند مبدئيا على رفض ست مسلمات أساسية، هي بمنزلة المرتكزات الإيدولوجيّة التي بُنيت عليها المدرسة الحديثة. ومنها، حسب إليتش، مسألة التعليم الإلزامي، الذي يعتبره مظهرا من مظاهر الاعتداء على حريات الأفراد، والذي يحمل في عمقه روحا تسلطية، إذ كيف يُجبر طفل على الجلوس في مكان واحد، كل يوم ولست ساعات متواصلة، تتخللها استراحة لبرهة وجيزة، وبعدها تتم العودة إلى مقاعد الدراسة. فبناء على فكرة «التعليم الإلزامي» نشأت الفكرة القائلة إنّ التعليم القيّم والحقيقي يتم فقط داخل أسوار المدرسة، من حيث هي الأداة التي تمنح المؤهل الذي يعترف بكفاءة الأفراد ويفتح الطريق أمامهم كي يحتلوا المناصب الاجتماعية المتاحة. ووفقا لإليتش، فإنّ هذه المشكلة -أي مشكلة التعليم القيم المحصور في مؤسسة المدرسة- تبرمج عقولنا على القبول بما يصطلح عليها إليتش بـ «إشكالية التمدرس»، أي الخلط بين المدرسة والتعلّم.
وهذا الخلط يحصل من جراء ترويضنا على القبول بـالخدمة بدلا من القيمة، فعلى غرار الخلط بين المدرسة والتعلّم يتم الخلط بين المعالجة الطبية والعناية الصحية، وبين العمل الاجتماعي وتحسين الحياة، وبين الحماية البوليسية والأمن، وأصبح تعريف التعليم والصحة والكرامة والأمن لا يتعدى في معظم الحالات الممارسات التي تقوم بها المؤسسات التي تدّعي أنها تخدم تلك الأغراض، وجوهر المشكلة، كما يرى إليتش، هو في أنّ تُحوّل القيم إلى مؤسسات أو ما يمكن تسميته «مأسسة القيمة». «اعتمادا على ما سبق، يتمّ صرف الطرف عن المسارات والبيئات الأخرى التي يمكن للإنسان التعلم من خلالها، من قبيل: التعليم الشبكي، التربية في الطبيعة، أكاديمية خان، التعليم المنزلي، معسكرات الكشّافة». فما يريد «إليتش» قوله هو أن المدرسة لا تحقق الهدف المرجو منها، ولا تخدم القيمة التي من المفترض أن تخدمها، ألا وهي التعليم، وبإزاء ذلك، فإن المحاولات الجادة لتحصيل العلم والمعرفة خارج إطار المدرسة أو خارج المنظومة الرسمية للتعليم لا تحظى بالقبول من قبل الحكومة ولا بالاهتمام من قبل المجتمع. واعتمادا على ما سبق، يتمّ صرف الطرف عن المسارات والبيئات الأخرى التي يمكن للإنسان التعلم من خلالها، من قبيل: التعليم الشبكي، التربية في الطبيعة، التعليم المنزلي ومعسكرات الكشّافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى