شوف تشوف

الرأي

موالاة فاضحة

بماذا نسمي سعي الوزير الإسرائيلي الفاشي أفيجدور ليبرلمان إلى تنصيب القيادي الفلسطيني السابق، محمد دحلان، رئيسا للسلطة؟ أدري أن السؤال لا يليق ولا يجوز. ذلك أن أي مخبول أو مجنون ما كان له أن يطرح هذا الاحتمال. لأن أي خيال جامح أو مختل لا يستطيع أن يستوعب فكرة أن يكون لواحد من أعدى أعداء الفلسطينيين وأكثرهم نقمة عليهم واحتقارا وكراهية أي دور في ترشيح أو تنصيب رئيس السلطة الفلسطينية.
قل ما شئت في وصف الواقعة، لكن الذي يتعذر إنكاره أن القصة لها أصل، وأن هناك مناقشة جادة لها في إسرائيل للموضوع. اعتمد في ذلك على موقع «عربي»، الذي ترجم مقالة حول الموضوع نشرها موقع «يسرائيل بلاس» لمعلق الشؤون الفلسطينية السابق في القناة التليفزيونية العاشرة، شلومو إلدار. وكانت خلاصة رأي الرجل أن قيام ليبرمان بهذه المهمة رغم سوء سمعته لدى الفلسطينيين، من شأنه أن يضعف موقف السيد دحلان ويدمغه بالعار. الأمر الذي يعني أن إلدار لم يكن معترضا على فكرة إسهام إسرائيل في ترشيح رئيس السلطة الفلسطينية، لكن اعتراضه انصب على سوء سمعة ليبرمان، وربما فضل أن يقوم بالمهمة شخص آخر أكثر قبولا لدى الفلسطينيين والعرب. الكلام جاد إذن وليس فيه هزل، حتى وإن تصورناه ضربا من الهذيان والخيال المريض، ولتأكيد العبث فيه واللا معقولية فإن المعلق الإسرائيلي، الذي لا ينطق عن الهوى، ذكر أن الجهود التي يبذلها ليبرمان تؤيدها بعض الدول العربية المخاصمة لحركة حماس. وهي التي تعتبر أن دحلان الوحيد القادر على إسقاطها وإنهاء الانقسام، ومن ثم إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع. ومن ميزاته الأخرى في رأيهم أنه مقبول ومؤيد من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وهي الصلات التي باتت تعد فضائل تزكي المسؤول أحيانا في زماننا، في حين أنها كانت من الموبقات والفواحش في ما تعلمناه واقتنعنا به طيلة الستين عاما الماضية. ذكر إلدار أن خطة ليبرمان لتنصيب دحلان خلفا لأبو مازن قد يقلل من حظوظ نجاحها، أن عددا من قيادات فتح يكنّون له عداء شديدا، مشيرا إلى أن حليفه الإسرائيلي يتجه لتمكينه من تولي زمام الأمور إلى نزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية الحالية، من خلال وصف أبو مازن بأنه يمثل عائقا أمنيا وسياسيا يحول دون التقدم في مفاوضات التسوية. وإلى جانب ذلك، فإنه يذكر أنه لا مناص من شن حرب تفضي إلى إسقاط حكم حماس في غزة، وهي المهمة التي بوسع دحلان أن ينجزها بحكم خبرته السابقة في القطاع. من ناحية أخرى، نقل إلدار عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية تأكيدها على أن دحلان لا يزال له نفوذ في غزة، وأنه يقيم مشروعات خيرية هناك تعزز مكانته بين الغزيين، منوها إلى أنه يحتفظ بعلاقات خاصة مع بعض القيادات العربية في الدول المجاورة، الأمر الذي يرشحه لكي يعد الوحيد القادر على رفع الحصار عن القطاع. كنت أعلم من الفلسطينيين والكتابات الإسرائيلية أن دحلان ارتبط بعلاقة صداقة مع ليبرمان منذ وقت سابق، لكن إلدار أضاف أن الرجلين عقدا اجتماعا في باريس في شهر يناير من العام الماضي، حين كان ليبرمان وزيرا لخارجية بلاده. وذكر أن الرجلين بحثا في الاجتماع موضوع مستقبل السلطة. وهو ما أغضب أبو مازن، الأمر الذي اضطر الحكومة الإسرائيلية إلى إرسال رئيس المخابرات الداخلية (الشاباك) يورام كوهين إلى مقر عباس في رام الله، لطمأنته بأن مبادرة ليبرمان بلقاء دحلان كانت شخصية ولا تعبر عن موقف الحكومة. في الوقت ذاته، ذكر معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هاآرتس»، عاموس هارئيل، أن مصير خطة ليبرمان لتنصيب دحلان رئيسا لن تكون أفضل من مصير خطة شارون التي وضعها عشية حرب لبنان الأولى (وكان وزيرا للحرب آنذاك)، واستهدف بها أن تنتهي الحرب بتنصيب حكم موال لتل أبيب في بيروت.
ما يثير الانتباه أن السيد دحلان التزم الصمت إزاء التقارير التي تحدثت عن مساندة ليبرمان له، الأمر الذي يعد قرينة على صحتها. وهو ما يضعنا إزاء حالة فريدة في عبثيتها، لا تدينه فحسب ولكنها تدين بالقدر ذاته الأطراف العربية التي تسانده في سعيه إلى تحقيق طموحاته في الساحة الفلسطينية، حتى في ظل تحالفه مع أعتى خصوم الفلسطينيين والعرب. حين ينعقد لسان المرء من شدة الدهشة، فلا يجد الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعره، فإن النص القرآني يسعفه بنص صريح عن ارتكاب ذلك الفعل الفاضح أن يقرأ في سورة «الممتحنة» قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، إذ بعدها مباشرة جاء في الآية التاسعة ما نصه: «إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون»، وهو ما نحتاج إلى أن نذكر به دحلان وغيره من أهل الموالاة، فربما ردعهم نهي السماء إذا لم يكترثوا للعنات أهل الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى