إذا كانت الدولة المغربية تراهن على الجانب الاجتماعي، وكان توجهها العام يسير فوق سكة الحماية الاجتماعية، فإن السلم الاجتماعي لا يتحقق فقط بوضع قواعد وقوانين تقلص الهوة بين الطبقات الاجتماعية، بل بتوفر وعي جماعي قائم على تغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية للأفراد.
في أعقاب زلزالي تركيا وسوريا، ظهر معدن الكثير من نجوم الكرة العالمية، منهم من ساهم بإرسال المساعدات العينية والمالية إلى منكوبي الزلزال المدمر، ومنهم من دعا منظمته الخيرية ومستشهريه إلى اجتماع طارئ، وخصص إعانة للضحايا، زادته مكانة في قلوب عشاقه. ومن الأندية المؤمنة بمسؤولياتها الاجتماعية من خصصت عائدات تذاكر مبارياتها لمتضرري الفاجعة، ودعت جماهيرها إلى المساهمة في هذا الجهد بالحضور بكثافة واقتناء أكثر من تذكرة.
أما أضعف الإيمان، فهو تلك العبارات التضامنية مع الضحايا في المنصات الرقمية للأندية العالمية، واللافتات التي حملها اللاعبون، ودقيقة الصمت التي سبقت المباريات من باب التآزر مع شعبين مكلومين في محنتهما.
أكدت التدوينات والتغريدات والمنشورات أن الأندية الكبرى كالبشر، «لها قلب ونظر»، وأن أهوال الناس تحركها وتدمع عينيها. ليس فقط من باب التضامن العابر، بل استنادا إلى المسؤولية الاجتماعية لهذه الأندية كما يمليها الاحتراف الحقيقي، الذي يجعل الجانب الاجتماعي توأما للنشاط الرياضي.
لكن إبحارا في منصات التواصل الاجتماعي يجعلك تستغرب لغياب فاجعة الزلزال من يوميات أنديتنا، إلا من رحم ربي، وكأن ما حصل في تركيا وسوريا حادث عرضي لا يستحق تدوينة من بضعة أسطر.. أإلى هذا الحد يمارس القائمون على أندية الكرة ترشيد النقرات؟
لقد تبين بالملموس أن الدولة الاجتماعية في واد، والفرق المغربية في واد، حتى ساد الاعتقاد لدينا بأن مفهوم الحماية الاجتماعية الذي أضحى في صلب السياسات العمومية، يحتاج إلى من يفهمه من بين رؤساء فرق الكرة بالخصوص.
كثير من الرؤساء امتهنوا التسول الرقمي، وكلما ضاق بهم الحال ولفت الأزمة أعناقهم، حرضوا «أدمين» في حالة تأهب، على توجيه نداء استغاثة للجمهور الذي يكتوي يوميا بنار الغلاء، فيزيده رئيس فريقه اكتواء وهو يمارس عليه هواية الاستجداء.
باسم حب الفريق وعشقه، يدعو رئيس الفريق أنصار النادي إلى التضامن لسد رمق النادي وتوفير التزاماته، «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه. انت عارف قبله معنى الحب إيه لما تتكلم عليه»، على حد قول أم كلثوم.
أما الرؤساء الذين «يحشمون على عرضهم»، فيؤمنون بالقول المأثور: «إلا بلاك الله بالسعاية فاقصد الديور الكبار»، وفي رواية أخرى «المسؤولين الكبار».
حين تطرح المشكلات ذات البعد الاجتماعي على أنظار المكاتب المسيرة للأندية والعصب والجامعة، وفي غياب آلية مؤسساتية لحلها أو التخفيف منها، يتم اللجوء إلى الاكتتاب الطوعي بإشراك أطراف أخرى، خاصة إذا أصبح المشكل قضية رأي عام.
وحين يحتاج الوطن إلى أنديته لتساهم في جهد إنساني، تجدد هواية الإحسان التقليدي، تطلق نداء استغاثة وتنتظر جود أبنائها.
لا يعلم الجاثمون على جسد الأندية المغربية، بأن زلزال أكادير قد قتل نصف فريق الحسنية، وأن الملك الحسن الثاني، وكان وليا للعهد، قد منح البطولة الفخرية للفريق السوسي الذي تعذر عليه استكمال المنافسات بفريق نصفه تحت الأنقاض والنصف الآخر يجتر الآهات والعاهات. كما تقرر إطلاق اسم رئيسه المنتدب الحسين بيجوان، على ملعب سوس، وحين نسي الناس الواقعة تحول الملعب إلى موقف للسيارات.
رجاء احرصوا على جعل المسؤولية الاجتماعية شرط عين في استكمال مشروع النادي، حتى لا يتحول رؤساء الفرق إلى محترفي استجداء رقمي، وإلا فاعرضوا عنا واتركونا نعلن أمام الملء أننا في حاجة إلى كرة تركل المسؤولين.
حسن البصري