منتوجات غذائية فاسدة تغزو الأسواق المغربية وصعوبات في ضبط المواد منتهية الصلاحية
حمزة سعود
المنتوجات الغذائية الفاسدة، ومنتهية الصلاحية، من بين أهم المواد الاستهلاكية الأكثر انتشارا في الأسواق المغربية.. مجموعة من التجار والمتخصصين في ترويج وتسويق المنتوجات الغذائية يعمدون إلى تغيير تواريخ بعض المواد الغذائية منتهية الصلاحية، قصد إعادة طرحها في الأسواق، بأثمنة منخفضة. في هذا التحقيق، وقفت «الأخبار» عند حالات لمغاربة استهلكوا موادا ومنتوجات غذائية منتهية الصلاحية، ألحقت بهم أضرارا ومضاعفات صحية خطيرة، في وقت تم تسجيل وفيات جراء تناول مشروبات مستخلصة من مشتقات الحليب. المواد الغذائية، التي أشرف تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، يجري اعتمادها بشكل كبير في الأنشطة الخيرية والجمعوية بالمغرب نظرا لثمنها المنخفض. «الأخبار» رافقت رئيس إحدى الجمعيات المغربية التي تعمد إلى استغلال مواد ومنتوجات غذائية من مشتقات الحليب، ساعات قليلة قبل انتهاء صلاحيتها، لتوزيعها على المشاركين في أنشطة خيرية وجمعوية. في التحقيق التالي، نكشف عن التقنيات المعتمدة في تزوير تواريخ صلاحية المنتوجات والمواد الغذائية الموجهة للاستهلاك، بالإضافة إلى أرقام وإحصائيات تبرز حجز أطنان من السلع والمواد الغذائية الفاسدة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
المنتوجات الغذائية التي أشرف تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، يتم تسويقها لفائدة العديد من الباعة المتجولين أو لصالح بعض الجهات التي تستفيد من العملية. حسب ما وقفت عنده «الأخبار»، فبعض الجمعيات المغربية تستفيد من معلبات ومواد غذائية منتهية الصلاحية بعد مفاوضات مع المشرفين على وحدات صناعية خاصة بتصنيع وتسويق مشتقات الحليب، وبعض المنتوجات الغذائية الموجهة للاستهلاك.
(ع.ز)، رئيس جمعية مغربية، تنشط في المجال الجمعوي والخيري، كشف لـ «الأخبار» أن الجمعية تعتمد في أنشطتها الجمعوية على منتوجات غذائية ومعلبات أشرف تاريخ صلاحيتها على الانتهاء بحكم ثمنها المنخفض أو لمجانيتها في غالبية الأحيان.
المتحدث نفسه، أشار إلى أن العديد من المشرفين على الجمعيات بالمغرب يعتمدون على منتوجات غذائية أوشك تاريخ صلاحيتها على الانتهاء في أنشطة خيرية وجمعوية يتم تنظيمها.
رئيس الجمعية أوضح، في حديث مع «الأخبار»، أن العديد من الجمعيات تستفيد من هذه المنتوجات الغذائية المعلبة، بحكم ثمنها المنخفض، مشيرا إلى أن نسبة هامة من هذه الجمعيات تعمل على الاستفادة من كافة المنتوجات الغذائية، ساعات قليلة قبل انتهاء صلاحيتها.
وحسب ما وقفنا عنده فبعض المنتوجات الغذائية التي يتم ترويجها من طرف بائعين متجولين، لا تحمل تواريخ انتهاء الصلاحية، بالإضافة إلى أن أثمنتها منخفضة بشكل كبير مقارنة مع منتوجات غذائية أخرى من نفس النوع.
في حديث مع أحد الباعة المتجولين، أوضح لـ «الأخبار»، أن مدخوله اليومي يرتفع باستمرار خلال اعتماده على تسويق منتوجات غذائية تتكون من «البسكويت» و»الحلويات»، بالإضافة إلى «الشكولاتة» و»مشتقات الحليب» وبعض المعلبات الغذائية، التي يتوصل بها من المشرفون على إدارة مستودعات للتخزين.
مصادر مطلعة، في مجال تسويق المواد الغذائية، كشفت أن مجموعة من المنتوجات الفاسدة ومنتهية الصلاحية، يتم إعادة تعليبها وتسويقها للبائعين المتجولين، نظرا لثمنها المنخفض، والذي يسمح بتوسع هامش الربح المادي.
المصادر ذاتها، أوضحت أن المنتوجات الغذائية الفاسدة يتم ترويجها في الأحياء الشعبية، بحيث تعرف إقبالا مهما من طرف المستهلكين المغاربة نظرا لثمنها المنخفض كما أن إمكانية تزوير تواريخ مدد الصلاحية تتيح للمشرفين على مستودعات التخزين إمكانية إغراق الأسواق الداخلية بالمنتوجات الغذائية الفاسدة باستمرار.
وحسب المصادر ذاتها، فالعديد من البائعين المتجولين يقبلون على اقتناء المنتوجات الغذائية الفاسدة، نظرا لوجود تسهيلات في الأداء من طرف المشرفين على وحدات التخزين، فيما أسرت نفس المصادر لـ»الأخبار» بأنه يجري تزوير المنتجات الغذائية داخل مستودعات خاصة بإعادة التعليب.
أطنان من المنتوجات الغذائية الفاسدة
كشف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، عن حجز أزيد من 620 طنا من المنتجات غير الصالحة للاستهلاك، خلال الشهر الماضي، بعد زيارات ميدانية أجراها المكتب الوطني راقب خلالها أزيد من 163 طنا من المنتجات الغذائية، عند الاستيراد والتصدير وفي السوق الداخلي.
ومن خلال الزيارات الميدانية التي قامت بها مصالح المراقبة التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، فقد تم حجز أزيد من 71 طنا من المشروبات غير الكحولية، و46 طنا من المربى، بالإضافة إلى 41 طنا من البسكويت، و23 طنا من المصبرات النباتية، فضلا عن 10 أطنان من الدقيق المدعم، و13 طنا من مواد أخرى ذات أصل نباتي.
وتم بعد إجراء الزيارات الميدانية، خلال الشهر الماضي تعليق الاعتماد الصحي لأربع مؤسسات لإنتاج الحليب والمنتجات الحليبية، ومؤسسة لإنتاج المواد ذات الأصل الحيواني، بالإضافة إلى سحب الاعتماد الصحي لمؤسسة لإنتاج الحليب والمنتجات الحليبية، بعدما تم حجز 193 طنا من اللحوم الحمراء و96 طنا من اللحوم البيضاء، و10 أطنان من الحليب والمنتجات الحليبية غير صالحة للاستهلاك.
وتمت مراقبة أزيد من مليون و257 ألف طن من مختلف المنتجات الغذائية عند الاستيراد من أصل حيواني ونباتي، وتم إرجاع أزيد من 32 طنا من المواد الغذائية غير المطابقة للمعايير القانونية الجاري بها العمل.
حجز هذه المواد الغذائية، تطلب من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، القيام بأكثر من 245 زيارة صحية للمؤسسات والمقاولات المرخصة، بالإضافة إلى القيام بحوالي 296 عملية تفتيش في إطار التحريات وإصدار الشهادات الصحية.
وينتظر إغلاق 9 مؤسسات ومقاولات لإنتاج المربى والمستحضرات السكرية والتوابل والبسكويت، اقترحها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، بسبب عدم توفرها على الترخيص أو الاعتماد الصحي، بالإضافة إلى أنها تشتغل في ظروف غير ملائمة ولا تتطابق مع المعايير القانونية.
تقنيات لتزوير تاريخ صلاحية المنتوجات الغذائية
تزوير تواريخ الصلاحية، يتم بالاعتماد على آلات ومواد كيماوية متوفرة لدى العديد من المشرفين على تخزين المنتوجات الغذائية، بحيث يتم إعادة تعليب المنتوجات الغذائية الفاسدة، يدويا أو بواسطة آلات تستعمل خصيصا لهذا الغرض.
وحسب متخصص في تجارة المنتوجات الغذائية، فهناك العديد من التقنيات التي تسمح بتزوير تواريخ صلاحية المواد الاستهلاكية الموجهة للأسواق الوطنية والتي يتم تسويقها لفائدة الباعة المتجولين.
ويضيف المتخصص نفسه الذي رفض الكشف عن هويته، أن تواريخ الصلاحية يتم تغييرها اعتمادا على مواد كيماوية متعارف عليها بين تجار المنتوجات الغذائية الفاسدة، كما يتم الاعتماد في تزوير هذه المنتوجات الغذائية على آلات متخصصة في طباعة تواريخ صلاحية جديدة تتيح إمكانية إعادة مسحها وطباعتها عدة مرات.
وتطول عمليات الغش والتزوير مختلف المواد الغذائية الاستهلاكية من المعلبات ومنتوجات مشتقات الحليب، بالإضافة إلى البسكويت والشكولاتة والتمور، وزيت المائدة وزيت الزيتون، وجل المواد الغذائية الموجهة للاستهلاك، بحيث تتم إضافة ملونات غذائية إلى مجموعة من التوابل التي يجري استعمالها في المطابخ المغربية، وذلك لزيادة كمية ووزن هذه المواد الغذائية.
هذا، ويتم استغلال مجموعة من المحلات السكنية غير المرخصة، بشكل سري، في إعداد وتعليب المنتوجات الغذائية الموجهة للاستهلاك، أهمها مشتقات الحليب، في ظروف لا تستجيب لمعايير وشروط السلامة الصحية.
تسممات ومضاعفات صحية
هناك مجموعة من المتضررين من استهلاك منتوجات غذائية منتهية الصلاحية، تسببت لهم في أضرار صحية بعدما تم اقتناؤها من محلات تعمل في مجال تسويق المنتوجات الغذائية.
سفيان، شاب يبلغ من العمر ثماني وعشرين سنة، كان قد استهلك منتوجا غذائيا من مشتقات الحليب اكتشف خلال تناوله أن تاريخ انتهاء صلاحيته يعود لأسابيع، بحيث أصيب بمضاعفات صحية خطيرة، جراء تناوله للمشروب.
في حديثه مع «الأخبار»، أشار سفيان إلى أنه استفسر البائع بعد استهلاكه المنتوج الغذائي، عن سبب ترويجه منتوجات غذائية من مشتقات الحليب منتهية الصلاحية، ليكتشف بأن غالبية هذه المنتوجات لديه، يعود تاريخ انتهاء صلاحيتها لأسابيع.
بعد إشعار الزبون للبائع، بأن جميع المنتوجات الغذائية لديه من مشتقات الحليب قد أشرف تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، سارع البائع إلى إتلاف غالبية هذه المواد الاستهلاكية، كما طلب من الزبون عدم إشعار مصالح المراقبة المختصة.
بعد مرور بضع ساعات، أحس الشاب بآلام وأوجاع في المعدة، بالإضافة إلى غثيان وارتفاع في درجات الحرارة أجبرته على تتبع وصفات طبية علاجية، مَكَنته من تجاوز المضاعفات الصحية التي ألمت به.
إحدى الحالات التي تم تسجيلها خلال السنة الماضية، لتسمم غذائي أدى إلى وفاة طفلين بعدما تناولا مشروبا من مشتقات الحليب دون انتباه الأب إلى تاريخ انتهاء صلاحيته.
في تفاصيل الحادث، كان قسم الإنعاش بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، قد استقبل الطفلين بعدما اشتدت بهما الآلام، 10 دقائق بعد تناولهما المشروب. الأمر الذي تسبب لهما في مضاعفات صحية خطيرة رافقها غثيان حاد.
بعد مرور ساعات على الحادثة، لفظ الطفلين أنفاسهما الأخيرة بقسم المستعجلات بعدما عجزت الأطر الطبية عن إنقاذهما.
هذه فقط حالات من بين أخرى، تعرضت لتسممات غذائية جراء تناول منتوجات غذائية فاسدة أو منتهية الصلاحية، بحيث تبقى المواد الحافظة والملونات الغذائية من أهم المسببات في أعراض ومضاعفات صحية للمستهلكين.
ONSSA يتصدى للغش في المواد الغذائية
يشرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، باعتباره جهازا مؤسساتيا للمراقبة الصحية الخاصة بالسلسلة الغذائية، على حماية صحة المستهلك من المنتوجات الغذائية الفاسدة، كما يلعب دورا فعالا في محاربة الغش في المنتجات الغذائية الموجهة للإستهلاك في الأسواق الوطنية بالمغرب.
ويعمل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، على ضمان السلامة الصحية للمواد الغذائية، خاصة المواد الأولية، ومراقبة البذور والمبيدات والأسمدة، بالإضافة إلى مراقبة المضافات الغذائية ومعدات التلفيف والمنتجات والمواد التي يمكن أن تلامس المنتجات الغذائية.
ويلعب المكتب الوطني للسلامة الصحية دورا فعالا في حماية المستهلك المغربي من المنتوجات الغذائية الفاسدة، بفضل حملات المراقبة المستمرة التي تنتهي بحجز الأطنان من المواد الغذائية غير الصالحة للإستهلاك، فضلا عن اهتمامه بتحسين السلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالمغرب.
ويهتم الـمكتب الوطني للسلامة الصحية، بتفتيش ومراقبة شروط الإنتاج، بالإضافة إلى مراقبة ظروف التحويل والمعالجة والتخزين والنقل الخاصة بالمنتوجات الغذائية، وذلك قصد كشف محاولات الغش التي قد تطول المنتوجات الغذائية. ومن بين مهام المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، مراقبة كافة مراحل التصنيع، مع تحميل المسؤولية للمهنيين بضرورة وضع نظام للمراقبة وسحب المواد الخطرة وغير المطابقة، بالإضافة إلى منح رخص أو اعتمادات صحية للمؤسسات الصناعية الفلاحية.
ويروم المكتب على وجه الخصوص، ضمان سلامة المنتوجات الغذائية الموجهة للاستهلاك في الأسواق الوطنية، اعتمادا على طاقم يتكون من أزيد من 313 طبيبا بيطريا و290 مهندسا، و2032 مستخدما.
محمد المغفري : «تجار يسوقون سلعا ومواداً غذائية منتهية الصلاحية بأسعار منخفضة»
قال محمد المغفري، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، إن الغش والتزوير يطول جميع المنتوجات الغذائية، مبرزا أن مجموعة من التقنيات الحديثة تمكن «العصابات» المتخصصة في هذا المجال، من تزوير تواريخ صلاحية المواد الاستهلاكية بسهولة.
وأشار المغفري، إلى أن المواد الغذائية المعلبة تتصدر قائمة المواد الاستهلاكية الفاسدة، الأكثر تزويرا، كالمربى والبسكويت والسردين، في حين يتم استهداف مواد غذائية أخرى، تنتمي إلى مشتقات الحليب، يتم تسويقها لفائدة المستهلكين المغاربة عبر الباعة المتجولين.
وأوضح المتحدث نفسه، أن المستهلك المغربي بات مستهدفا من طرف العديد من «العصابات» المتخصصة في الغش وتزوير المنتجات الغذائية، مضيفا بأن ترويج المنتجات الغذائية الفاسدة يضر بالاقتصاد الوطني.
وأفاد رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك بأن عمليات التزوير التي تطال المنتوجات الغذائية الاستهلاكية، يصعب كشفها نظرا لدقة التقنيات والآلات المستعملة في هذه العمليات. داعيا المستهلكين إلى تجنب اقتناء المواد الغذائية المهربة منخفضة التكلفة. واعتبر المتحدث نفسه، أن تدخلات السلطات المكلفة بمراقبة جودة وسلامة المواد الغذائية، تفضي إلى حجز أطنان من المواد الغذائية الفاسدة المخزنة في المستودعات المخصصة لذلك، والتي يفترض توزيعها على المحلات التجارية وفي الأسواق الوطنية.
وأكد رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، بأن العديد من تجار المنتوجات الاستهلاكية يعمدون إلى التخلص من المواد الغذائية، أياما قليلة قبل انتهاء مدة صلاحيتها، أو من المواد الغذائية منتهية الصلاحية من خلال بيعها بأسعار منخفضة، لتجار متخصصين في تسويق وترويج المواد الغذائية الفاسدة.
وأوضح المغفري أن العديد من المستهلكين المغاربة يلجؤون إلى اقتناء المنتوجات الغذائية منخفضة التكلفة، دون مراعاة جودتها أو تاريخ انتهاء صلاحيتها، الأمر الذي قد تنتج عنه أضرار ومضاعفات صحية.