حسب ما نقلته منصة «بلومبيرج» الشهيرة، المتخصصة في الشأن الاقتصادي الدولي، فإن أكبر عقبة أمام دول العالم، في مجال إنتاج صناعة الرقائق الإلكترونية، تبقى هي اقتناء وشراء المعدات الضرورية لطباعة الألواح الإلكترونية، إذ إن شراء آلة واحدة فقط لأحد المصانع تكلف أزيد من 200 مليون دولار أمريكي. وهو ما يعني أن تمويل إنشاء مصنع من هذا النوع سيكلف ثروة حقيقية تتجاوز بكثير الميزانية العامة السنوية لدولة من دول العالم الثالث.
جزيرة تايوان أحد أهم مُنتجي هذا النوع من الرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعة السيارات والحواسيب والهواتف، وأي تجهيزات تتوفر على أنظمة إلكترونية، وهو ما يعني أن «التايوانيين» أسياد العالم في هذا النوع من الصناعات.
وحسب ما نشرته صحيفة «ستريتس تايمز»، فإن تايوان أصدرت قانونا جديدا أطلقت عليه اسم «قانون الرقائق»، لكي تقدم من خلاله ائتمانا ضريبيا للشركات المحلية المُصنعة.
وحسب هذا القانون الجديد، الذي لم يُعلن بعد توقيت تنفيذه بالضبط، فإن الشركات المحلية سوف تصبح ملزمة بتحويل 25 بالمائة من نفقات تطوير الأبحاث السنوية، لكي تصبح ائتمانا ضريبيا.
ومن المنتظر أن يفعل هذا القانون خلال الأشهر القليلة القادمة من السنة الجارية، وهو ما يعني أن تايوان تهدف، حاليا، وقبل نهاية 2023، إلى الحفاظ على تقنيات الاتصالات المتطورة في قلب الجزيرة، رغم أن بعض التقارير الدولية تؤكد أن تايوان تعزز طموحها في فتح فروع لشركاتها، خصوصا فروع التوزيع، في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ووقفت وزيرة الشؤون الاقتصادية في تايوان، قبل أسبوعين، أمام الصحافة الدولية وأنظار المراسلين المخضرمين حول العالم، متجهين نحوها يصبون عليها الأسئلة الحارقة، السؤال تلو الآخر، فخاطبتهم جميعا قائلة إن ما تفعله تايوان حاليا باقتصادها ما هو إلا ممارسة لحقها في المنافسة، عالميا، لمواكبة ما تقوم به كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان.
هذه الدول الثلاث التي وصل إنتاجها، في مجال التكنولوجيا والاتصالات، إلى كل منزل في العالم، بما في ذلك دول العالم الثالث، خصوصا في صناعة الهواتف الذكية، تعتمد، في جزء مهم من صناعاتها الدقيقة، على ما تُنتجه تايوان، بل إن تقارير أخرى تشير إلى أن مصانع التايوانيين لديها طلبات تصنيع من هذه الدول بملايين الدولارات.
هذا القانون الجديد من شأنه، حسب ما صرحت به وزيرة الاقتصاد التايوانية، أن يساعد بلادها على الاحتفاظ بجذور شركاتها داخل الوطن الأم، من خلال دعم سلاسل التوريد المحلية.
واشنطن تقدم، حاليا، دعما وحوافز كثيرة لتايوان قصد تشجيع إنتاج الرقائق الإلكترونية، لكي لا تتكرر مشاكل الإمدادات في المستقبل، فيما حكومات كثيرة حول العالم لم تستوعب بعدُ إيمان الدول الكبرى بأهمية الصناعات الدقيقة في المستقبل.
منذ بداية القرن الماضي، وإلى حدود الستينيات والسبعينيات، كانت الدول الكبرى تعتمد على احتياطي معدن الحديد، خصوصا في القارة الإفريقية، لسد الخصاص في الصناعات، لأن المجال الصناعي يعتمد على المعادن الثقيلة، مثل الحديد والنحاس، والمعادن المصنعة مثل الفولاذ، ولذلك نشبت الحروب في القارة الإفريقية.
وخلال الحرب العالمية الثانية، رغم أن «النرويج» بقيت محايدة، إلا أنها قصفت من قبل البريطانيين والألمان، لأن مدينة صغيرة جدا كانت منجما للحديد، وضمت أضخم احتياطي من الحديد الخام المستعمل في صناعة الدبابات والطائرات. وتسابق النازيون الألمان مع الإنجليز للسيطرة على القرية الحدودية البحرية وحولوها إلى خراب.
الآن يشن العالم حربا جديدة تقوم على الصناعات الدقيقة والذكية، وبدل الحديد، بدأت حرب الحواسيب. لذلك لا غرابة في أن يصبح سكان جزيرة «تايوان» أهم مورد للعالم من الرقاقات التي بدونها لا يمكن أن توجد صواريخ، ولا حتى حواسيب ولا طائرات، ولا حتى كاميرات هواتف ذكية لكي تصوّر بها دول العالم الثالث يوميات «روتيني اليومي» ومؤثري قنوات «اليوتوب».
يونس جنوحي