شوف تشوف

الرأي

من يحتاج التوبة

محمد طلبة رضوان

مهرجانات صاخبة تشهدها «السوشيال ميديا» بين حين وآخر.. حمو بيكا ورفاقه في مواجهة هاني شاكر حينا، و«دعاة التريند» ووعاظ «الأندر غراوند الإسلامي»، في مواجهة الفنون والآداب، والدين نفسه، أحيانا أخرى… قرأت، وشاهدت، شابا أردنيا يدعى أدهم النابلسي، مطرب، وله جمهور ومتابعون، ويقدم أغاني لطيفة ومسلية. فجأة قرر المسكين أن يتوب، عن ماذا؟ عن الغناء، لماذا؟ لكي يتفق مع طريق الله (!). السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، قبل متابعة الخبر وتعليقاته، هل ما زال أحد يصدق تحريم الغناء بعد كل ما صدر من كتابات تصحيحية لهذه الخرافة؟ لا تأتيك الإجابة، إنما تنفجر في وجهك مثل قنبلة جرى زرعها في ميدان عام، «بوستات» في هيئة مهرجانات وأفراح وزغاريد برجوع الشاب إلى دينه، وتهان وتبريكات بتوبته وعودته وأوْبته، وتمنيات باللحاق به. لم أشعر، ولو لحظة، بأي نفور من الشاب أو من باركوا له، على العكس، شعرتُ بالاحترام والتقدير، فهذا شاب يترك حياة واسعة، جماهير بالملايين، وأرباحا بالملايين، من أجل ما يعتقد أنه يُرضي الله. موقف مشرف، من حيث المبدأ، شجاع، صعب، لا يقوى عليه أي واحد، في ما أزعم، ممن دفعوا هذا الشاب إلى هذا الموقف، الصادق، وغير الصحيح.

توارثنا أفكارا مختلفة عن الدين، تراثا كبيرا، ضخما، ثريا، مشرفا، في المجمل، لكنه بشري، يستحق القراءة والنقد قدر ما يستحق التقدير. والحقيقة أن نقد التراث بدأ مع التراث نفسه، في تشكله، والأفكار الخاطئة التي صدرت عن أصحابها لأسباب تاريخية، تجاوزها الزمن، أو توافقات اجتماعية، أو حسابات وتوازنات سياسية، أغلبها وجد من يقومه ويشتبك معه ويكشف خطأه أو تاريخيته أو تسييسه. ومن هذه الأفكار التي وجدت رواجا كبيرا، تحريم الموسيقى والغناء، وهو تحريم لا يقوم عليه دليل واحد صحيح أو متماسك، وفق أي معيار علمي. كتب في ذلك قدماء ومعاصرون، فندوا الأدلة، ردوا على أصحابها، كشفوا عن سياقات التحريم التاريخية. أتوا بأمثلة ونماذج لصحابة وتابعين وتابعيهم وعلماء وفقهاء، من المذاهب كافة، أباحوا الموسيقى والغناء، وبعضهم توله بهما، وفيهم من اشتغل بهما أيضا. والأمثلة أكبر من الحصر، ومن مساحة المقال بطبيعة الحال، تجدها مجمعة، في كتب معاصرة مثل «الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام» لعبد الله الجديع، و«أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترفيه الهادف» لسالم بن علي الثقفي، و«فقه الغناء والموسيقى» ليوسف القرضاوي، و«الغناء والموسيقى حلال أم حرام» لمحمد عمارة، وعشرات غيرهم. اعتمدوا، جميعا، على آراء ونقولات تراثية. فككوا آراء خصومهم، ولم يتركوا للرأي القائل بالحرمة ثغرة للمرور، أو إمكانية للوجود والاستمرار. ناهيك عن كتابات أخرى، لا تقل أهمية عن سابقتها.

أخيرا: لا يتحمل الخطاب الديني المتطرف وحده مسؤولية تخريب عقول شباب وفنانين وتزوير علاقتهم بدينهم وتراثهم. يتحمل الفنان بدوره مسؤولية إهماله القراءة في تخصصه وحوله، كما تتحمل البيئة الفنية، في بلادنا، مبدعين ومنتجين ونقادا، مسؤولية النفور من وجود فنانين محافظين، ومقاومة ألوان فنية محافظة، في مجتمعات أغلبها محافظ، ما يجعل هذا النوع من الفنانين فريسة سهلة لخطابات النطاعة الدينية، أو الاستجابة للموهبة الربانية الملحة، وفق معالجات فنية لا يرتضيها، فيعيش ممزقا بين موهبته ومعتقده.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى