شوف تشوف

الرأي

من قلبي سلام لفيروز

حسين قنيبر

في ذروة الحرب الأهلية في لبنان، تساءل دبلوماسي عمّا إذا كان هذا البلد «غلطة فرنسية» أدّت إلى قيام كيان هشّ لم يعرف السلام إلا كهدنة بين حربين، كيان غير قابل للحياة بفعل التناقضات بين مصالح مكوناته وأيضاً بين مصالح القوى الإقليمية التي وجد نفسه عالقاً بينها والتي ما انفكّت تنهش في خارطته.
في الذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير، والتي تزامنت مع بلوغ اليأس والبؤس في لبنان أقساهما وأقصاهما، لا تريد فرنسا أن تشعر أنها «ارتكبت» هذا الكيان، كما بدا من ردّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على صحفية سألته قبل أيام عن لبنان:
«لا، إنشاء لبنان الكبير لم يكن خطأً ارتكبناه، وسنكون مخطئين لو اعتقدنا بفشل ما كان مشروعاً رائعاً وفريداً في المنطقة. لن أحكم على تاريخ مئة عام في ضوء مآسي الثلاثين عاماً الأخيرة»..
في السياق نفسه وخلال وجودنا مع ثلّة من الصحافيين في قصر الإليزي يوم الجمعة، قال أمامنا أبرز مستشاري ماكرون: «إن لبنان الكبير لم يولد احتفاءً بالوجود الاستعماري، فالأول من شتنبر تاريخ مؤسس لكيان نادر في الشرق الأوسط، كيان له قيمة لا يجب أن نخسرها».
وكي لا تخسر فرنسا هذه القيمة كانت زيارة ماكرون الثانية إلى بيروت خلال أقلّ من شهر والتي استبقها الرئيس بالدعوة إلى عقد سياسي جديد في لبنان. هذه الدعوة تعني أن العقد القديم أظهر استحالة «مصالحة المصالح» المتناقضة لـ«الشعوب» اللبنانية فيما يواصل بعض اللبنانيين محاولة تغليب الطائفة على الطائف (اتفاق الطائف الذي أسفرت عنه محادثات رعتها السعودية بين الأطراف اللبنانيين عام 1989).
وبانتظار التوصل إلى هذا العقد لن يستطيع الرئيس الزائر أن يعلن زوال الخطر بل سيحذّر مجدداً من خطر الزوال الذي كان يُحدق بلبنان حتى قبل أن «تنفجر» عاصمته مؤخراً.
هذا في السياسة، أما عاطفياً فيصعب حصر فائض الكلام الفرنسي الرسمي عن لبنان مؤخراً، قد يكون وزير الخارجية جان إيف لو دريان الأبلغ في هذا المجال عندما قال قبل أيام مودّعاً سفينة مساعدات انطلقت من مرسيليا في إطار الجسر الجوي والبحري مع لبنان، فذكّر بما قاله شارل ديغول من بيروت في يوليوز 1939 من أن «قلب لبنان ينبض على وقع قلب فرنسا»، لكن لو دريان شاء تعديل صياغة العبارة قائلاً: «إن قلب مرسيليا، ومعها كل فرنسا، ينبض اليوم على وقع قلب لبنان».
بعد السياسة والعاطفة تبقى لغة الرموز في زيارة ماكرون الذي شاء أن يبدأ زيارة لبنان بلقاء المطربة الكبيرة فيروز بما ترمز إليه من شخصية يُجمع عليها اللبنانيون الذين قلّما أجمعوا على أحد أو على شيء، وقد يكون مفيداً أن نترجم حرفيا ما قاله لنا المصدر الرئاسي الفرنسي نفسه عن فيروز قبل أن يشرح لنا برنامج الزيارة الرئاسية:
«سيزور الرئيس شخصية لبنانية كبيرة هي فيروز، هذه خطوة شخصية جداً من جانب الرئيس، خطوة تعبر عن التعاطف والإعجاب. تعرفون أن فيروز تمثل كثيراً في لبنان والعالم العربي، إنها أيضاً سيّدة تمثل وحدها تاريخاً، بالنسبة للفرنسيين خصوصاً».
في ضوء كل ما قيل عن فيروز فرنسياً يمكن تخيل انقلاب الأدوار، على الأقلّ خلال زيارة ماكرون، ويصبح مشروعاً بالتالي أن نتخيّل بيروت الجريحة هي التي تغني هذه المرة للسيدة التي حملت جرحها إلى العالم:
«لفيروز، من قلبي سلام لفيروز».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى