شوف تشوف

الرأي

من ضرائب الحرية

عصر ذروة الثورة التقنية وذروة الرأسمالية، هو عصر العباقرة والسفهاء معا. والتافه يغلب العبقري عادة، على المدى القصير على الأقل، مثلما أن الأخبار الكاذبة تسبق المعلومات الموثوقة في الانتشار. في الثورة التقنية كما في الرأسمالية، الحرية ركن أساسي، حرية المبادرة والحركة والتجريب والمنافسة والبحث العلمي، مع كل ما يحمله ذلك من أضرار جوهرية، تبدأ بانعدام العدالة الاجتماعية ولا تنتهي بتسليط متواضعين إنسانيا ومعرفيا، أو عباقرة ــ شياطين كإيلون ماسك على حيواتنا. يمكنك قضاء أسبوعك في هجاء إيلون ماسك، لكنه سيظل متحكما بجزء من وقتك وعملك، فهو بسنواته الـ51 قد يكون أشهر شخصية عامة بمئات ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. أثرى شخص بملياراته الـ208 من الدولارات (كانت «فقط» مليارين قبل عشر سنوات!). يمسك بمصير نشاطك على «تويتر»، إن كنت من رواده. لا يتوقف عن شراء مؤسسات اقتصاد التقنية وتأسيس مصانع وشركات المستقبل التي تُعنى بما هو خارج الكرة الأرضية غالبا في إطار مشروعه «استعمار المريخ»، وضربه بالأسلحة النووية لجعله صالحا لعيش الكائنات الحية. يستحيل الاستخفاف بدوره في حروب كتلك الأوكرانية، من خلال توفيره خدمة الإنترنت لسكان هذا البلد من خلال «ستارلينك» وأمها «سبايس أكس». مغزى الكلام أن الرجل لا يستأذن أحدا لكي يفرض نفسه على حيواتنا، لكن لا شيء يجب أن يمنع التذكير بفداحة الثمن الذي يترتب على الحرية والرأسمالية، ووجود إيلون ماسك عينة من هذا الثمن.

إيلون ماسك مثير للإزعاج بالحد الأدنى، وللاشمئزاز بالحد الأقصى، لكن ليس بسبب صرفه نصف عدد موظفي «تويتر» فور شراء الشركة بـ44 مليار دولار، فذلك من ألف باء الرأسمالية والأعمال. كذلك قد تكون دعوته المتأثرين الكثر فيه إلى التصويت للجمهوريين الأمريكيين في انتخابات التجديد النصفي الثلاثاء الماضي، أقل ما يثير الغضب، ذلك أنه يتنقل سياسيا بين الديمقراطيين والجمهوريين، حسب المصالح المباشرة لأعماله. مريد دونالد ترامب اليوم والراغب في إعادته إلى جنة «تويتر»، صوت لهيلاري كلينتون في 2016 ولجو بايدن في 2020، ويوزع تبرعاته للحزبين الديمقراطي والجمهوري، حسب مكان إقامته وبناء على «لوبيينغ» مباشر يتعلق بالضرائب وبالقوانين في كل ولاية أمريكية. صاحب الـ208 مليارات دولار يشكو عدم امتلاكه منزلا، بما أنه يزعم العيش في بيت تبلغ قيمته 50 ألف دولار مستأجر من شركته، «سبايس أكس». أغنى رجل في العالم تبرع بأقل من 1 في المائة من أمواله (حسب مجلة «فوربس»). هو مستفز في كل شيء. رمز للأخبار الكاذبة في موضوع شديد الحساسية، مثل فيروس كورونا: أعداد ضحايا الفيروس مضخمة، وعلاج «الكلوروكوين» هو الحل السحري، والأطفال لا يصابون بالفيروس، وكورونا سيختفي من العالم في أبريل 2020. رافض لتلقي اللقاح يظهر لاحقا أنه وأفراد عائلته تلقوه بالفعل، بعدما أقنع الكثير من مريديه بعدم التجاوب مع «المؤامرة العالمية». يقول إن الذكاء الاصطناعي هو التهديد الأكبر للإنسانية، فيما كل أعماله وشركاته ومصانعه تعمل بالذكاء الاصطناعي. يقرر ترويج العملات الرقمية، فيغرد عنها مشيدا. ترتفع قيمتها بقفزات هندسية، ثم يقرر، لسبب ما، نعيها، فتهبط قيمتها وتتغير حيوات لاهثين وراء وهم الثروة السريعة. والحرية التي أنتجت شخصا كإيلون ماسك، هي نفسها تسمح له بإخبار ملايين متابعيه بأن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو هو هتلر الزمن الحالي، هكذا من دون أن يحاسبه أحد.

أرنست خوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى