من المقصورة إلى الزنزانة رؤساء ومسيرو فرق رياضية مغربية خلف القضبان
لم يكن مسيرو الشأن الكروي يساقون إلى المعتقلات بسبب تهم «تافهة»، كما هو الحال اليوم، بل كانوا مصدر انزعاج للسلطات. يحكي الحسن الثاني، في «ذاكرة ملك»، عن كريم حجاج، رئيس الرجاء الرياضي الأسبق، الذي كان وراء محاولة اغتيال ملك البلاد، فقضى سنوات في السجن المركزي بالقنيطرة، كما تتحدث أوراق الحركة الوطنية عن اعتقال بن حمو الفاخري، رئيس نجم الشباب الأسبق، قبل أن يتم إعدامه.
لم يكن في زمن الكرة بالأبيض والأسود اعتقال رؤساء الأندية الرياضية يتم من أجل تهم أخلاقية أو سرقات مال عام أو ترويج للمخدرات، بل كانوا تحت رقابة بوليس سياسي يقدر خطورة تسيير فريق كرة له شعبية جارفة. فنجم الشباب البيضاوي أعلن الحداد في بداية الستينيات، بعد أن تعرض حمو الفاخري، رئيس الفريق، للاختطاف واقتيد إلى السجن المركزي بالقنيطرة، حيث نفذ فيه حكم الإعدام رميا بالرصاص.
لكل زمن رجاله وجرائمه أيضا، فالتطوانيون يذكرون وحيد التمسماني، الرئيس الأسبق لفريق المغرب التطواني في منتصف التسعينيات، الذي فر إلى إسبانيا حين ورد اسمه في ضمن مذكرات البحث عن البارونات. وبالسيناريو نفسه هرب سعيد شعو، البرلماني والرئيس السابق لرجاء الحسيمة، إلى هولندا، بعد أن أدين في ملف للاتجار بالمخدرات.
أسماء عديدة حكمت الكرة وتسيدت المشهد الرياضي، لكن مصيرها كان مأساويا، فقضت أيامها الأخيرة في الترافع من أجل براءة هاربة. بينما يعيش في المهجر، عشرات الرؤساء السابقين لأندية الكرة على المنع من دخول البلاد، أغلبهم يشجعون فرقهم ومنتخب بلادهم عن بعد، ويرسلون حبا عابرا للقارات، بل منهم من قرر الهجرة الاضطرارية حين شعر بحبل المشنقة يكاد يلتف حول عنقه، وهو الذي باع ممتلكاته من أجل كرة محشوة بالهواء الفاسد.
في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار» وقفة عند زلات قادت القائمين على الشأن الكروي إلى السجن، سنكتفي بكرة القدم، رغم أن سجون المملكة استضافت العديد من مسيري الرياضة المغربية.
التمسماني.. رئيس المغرب التطواني في سجن العرجات
في بداية التسعينيات كانت صورة رشيد وحيد التمسماني، رئيس المغرب التطواني الأسبق، لا تغيب عن الصحف والمجلات الرياضية بالخصوص، قبل أن يصبح منقذ الرياضة التطوانية ويعين رئيسا لعصبة الشمال لألعاب القوى، بإيعاز من صديقه محمد المديوري، رئيس جامعة ألعاب القوى في تلك الفترة. وفي ظرف قصير أصبح التمسماني زعيم الكرة، رغم أنه بدون تاريخ كروي،
أغدق وحيد على الرياضة في تطوان، فأصبحت «الحمامة البيضاء» محجا لكثير من اللاعبين والمدربين والصحافيين أيضا، ونظرا لعلاقته مع المديوري، رئيس المكتب المديري للكوكب المراكشي الأسبق، فقد أبرم الرئيسان اتفاقية توأمة، بل إن رئيس الأمن الأسبق ساعد رئيس الفريق التطواني الأسبق في الحصول على وسام ملكي سنة 1995.
فجأة صدرت مذكرة بحث في حق التمسماني، الذي كان غادر البلاد ليستقر في إسبانيا، هربا من الملاحقة الأمنية، وظل الفريق يتيما يبحث عمن يرعاه، حوكم غيابيا بعشر سنوات سجنا نافذا، بسبب تورطه في قضية الاتجار الدولي في المخدرات.
نسي الناس حكاية الرئيس الهارب، بعد أن ظل في وضعية فرار طويلة بالخارج، قبل أن تكشف مصادر «الأخبار» عن سقوط التمسماني في قبضة المكتب المركزي للأبحاث القضائية في مطار محمد الخامس في بداية الأسبوع الماضي، مسلما من السلطات البلجيكية، فأحيل على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، بعد الاستماع إليه، على قاضي التحقيق بالغرفة الخامسة المكلفة بالتحقيق في الجرائم المالية، ملتمسا إخضاعه لتحقيقات تفصيلية في وضعية اعتقال. قرر قاضي التحقيق إيداعه المركب السجني العرجات، ومتابعته في حالة اعتقال بتهم تكوين عصابة إجرامية متخصصة في التهريب الدولي للمخدرات، والتزوير واستعماله، وتزوير أختام الدولة والمؤسسات والإرشاء والمشاركة، وحيازة سلاح ناري بدون رخصة.
مصادر الجريدة أكدت أن التمسماني الذي ترأس نادي المغرب التطواني في بداية تسعينيات القرن الماضي، يعود إلى السجون المغربية من جديد، بعدما عصفت به حملة التطهير المشهورة التي قادت كبار بارونات المغرب إلى السجن، قبل أن يتم الإفراج عنه سنة 2006، واعتبر الرجل من أهم البارونات الذين طاردتهم النشرات الحمراء الدولية من طرف العديد من الدول الأوروبية، والمملكة المغربية بالدرجة الأولى. وأعلن عن اعتقاله، قبل سنة تقريبا ببلجيكا، بسبب مذكرات البحث المتابع بها في قضايا التهريب الدولي للمخدرات، حيث عاقت بعض الإجراءات الأمنية البروتوكولية الموقعة بين بلجيكا والمغرب ترتيبات تسليمه إلى السلطات المغربية، بمبرر حيازته للجنسية البلجيكية، قبل أن تنتهي مغامرات التمسماني في الانفلات من قبضة الشرطة الدولية والمغربية، ويتم تسليمه إلى الأمن المغربي.
شعو..رئيس رجاء الحسيمة مطلوب من القضاء المغربي
وفق سيناريو وحيد التمسماني نفسه، اختار سعيد شعو الهروب إلى الخارج والاستقرار في أوروبا، بعد أن لاحقته المتابعة القضائية، لكنه لم يقطع الصلة بالكرة وتحول في هولندا إلى مدرب لفريق روزندال، في ارتباط وجداني بالكرة التي أدخلته إلى قبة البرلمان، قبل أن «تسدده» بقذيفة خارج مربع العمليات إلى الأراضي المنخفضة.
كان شعو رئيسا لفريق الرجاء الحسيمي، حاول قدر الإمكان مرافقته إلى قسم الأضواء، لكنه لم يفلح، فالمال وحده لا يضمن الصعود إلى دوري الدرجة الأولى، سيما في ظل منافسة قوية مع غريمه شباب الريف الحسيمي.
بفضل شعبيته في مجال الكرة دخل شعو الاستحقاقات الانتخابية، وحصل على أصوات الناخبين ليصبح برلمانيا للولاية التشريعية 2007/ 2012، عن دائرة الحسيمة، بألوان حزب العهد الديمقراطي، كان صوت الرياضيين في البرلمان، ولكن أم المفارقات أن ينتخب عضوا في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان.
طالبت الحكومة المغربية نظيرتها الهولندية بتسليم البرلماني السابق شعو، لكن محكمة النقض الهولندية أصدرت حكما يقضي برفض طلب تسليمه إلى المغرب، لمحاكمته بتهم تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات، بعدما قضى ثلاثة أسابيع رهن الاعتقال، وبررت رفضها بضعف أدلة الإثبات ضده، رغم أنه موضوع مذكرة إيقاف دولية، منذ إقدام المصالح الأمنية المغربية على تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار الدولي في المخدرات، يتزعمها البرلماني السابق.
وأصدرت وزارة العدل المغربية بلاغا قالت فيه إن الإفراج المؤقت جاء بناء على قرار صادر عن القضاء الهولندي، مقرون بتدابير تشمل «إخضاع المعني بالأمر لتدبير المراقبة الإلكترونية، من خلال وضع سوار إلكتروني يمكن السلطات الهولندية من تتبعه بصفة دائمة ومستمرة، وإلزامه بالمثول أمام المصالح الهولندية المختصة كل أسبوع، وإلزامه بالاستجابة لكل استدعاء يوجه إليه من طرف السلطات القضائية أو الأمنية».
وكانت السلطات الهولندية أعلنت في 29 يونيو من السنة الماضية، أنها ألقت القبض على المدعو سعيد شعو، المقيم بهولندا، وجاء ذلك بناء على أمر دولي بإلقاء القبض صادر سنة 2015، عن قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، من أجل ارتكابه جرائم حق عام، تتمثل في تكوين عصابة إجرامية والاتجار في المخدرات على الصعيد الدولي والإرشاء، وتم مد السلطات الهولندية، منذ عدة أشهر، بمعلومات دقيقة تفيد بتورطه في تمويل وتقديم الدعم اللوجستي لبعض الأوساط في شمال المغرب، في إشارة إلى دعم حراك الريف.
محمد فكان.. رئيس الدفاع الجديدي بالسجن بسبب القرض الفلاحي
بدأت علاقة محمد فكان بكرة القدم حين كان لاعبا في دروب حي عين السبع، قبل أن يستقطبه محمد كاريا والإخوان عباس والعربي كورة لدفاع عين السبع، حين كان يمارس في القسم الثاني. كان محمد حينها مجرد محاسب في شركة أجنبية متخصصة في النقل الدولي، لكن مع مرور الأيام سيصبح المحاسب مديرا ماليا للشركة.
ظل محمد حاضرا في طاقم تسيير دفاع عين السبع، وساهم في جلب بعض المدعمين، حين سجل الفريق نتائج مهمة، خاصة في مسابقة كأس العرش، حين وصل الدفاع إلى المربع الذهبي.
ولأن طموحه يتجاوز العمل في شركة كانت تابعة لمجموعة كريم العمراني، فقد اختار تقديم استقالته من الشركة والشروع في إنشاء مقاولة ذاتية في مجال الفلاحة، تنشط في مجال استيراد الأبقار، برر فكان هذه الخطوة باستناده إلى خطاب للملك الراحل الحسن الثاني دعا فيه الحكومة إلى تشجيع الاستثمار في العالم القروي.
في منطقة البئر الجديد التي تبعد عن العاصمة الاقتصادية بحوالي 50 كيلومترا، أسس فكان شركته في ضيعة كبيرة، برر اختيار المنطقة بقربها من مدينتي الدار البيضاء والجديدة، ولتوفرها على كل مقومات النجاح في الاستثمار القروي.
في سنة 1986 قام فريد الوراق، عامل مدينة الجديدة الأسبق، بزيارة إلى شركة فكان، وزار مصنعا للأجبان ومشتقات الحليب في ملكيته، ولأن العامل كان مهندسا زراعيا فقد وجه إليه دعوة لزيارته بمكتبه في اليوم الموالي، للتباحث في أمر هام.
في مقر العمالة اجتمع العامل والمستثمر، انتهى الاجتماع بمقترحين، الأول: أن يقبل فكان رئاسة فريق الدفاع الحسني الجديدي الذي نزل في تلك السنة إلى القسم الوطني الثاني، وقال العامل إنه يرى في المستثمر البيضاوي كل مقومات الرئيس القادر على انتشال الفريق الدكالي من دهاليز النسيان، وما أن وافق فكان على الملتمس، حتى طلب منه العامل ضخ سيولة مالية في حساب الدفاع الذي يعاني من الخصاص، فوعد بمساعدة مالية لا تقل عن 400 مليون سنتيم.
أما المقترح الثاني، فيقضي بالبحث المشترك عن مشاريع تنموية في المجال الفلاحي تعزز مكانة دكالة. ولترجمة هذه المقترحات على أرض الواقع، أعاد العامل هيكلة المكتب المسير للفريق.
أما المشروع التنموي فهم النقل الدولي بين الجديدة وبوردو، حيث تم توقيع اتفاقية بين عمدتي المدينتين، تفعيلا لقانون تحرير الصادرات. لعب جاك شابان دلماس، عمدة بوردو الأسبق، دورا كبيرا في ميلاد خط بحري بين المدينتين، وكان من أصدقاء المغرب والملك الحسن الثاني، ومؤسس حزب «الاتحاد من أجل جمهورية جديدة».
مرت السنوات الأولى سمنا على عسل، قبل أن يختفي الرئيس فكان سنة 1993 عن الأنظار، بعد أن حاصرته ديون القرض الفلاحي، وعجز العامل عن مساعدته في إعادة جدولتها، وتبين أن مجموعة الرئيس فكان متابعة بتهريب العملة، وعدم تسديد ديون مترتبة عنها من القرض الفلاحي.
قضى فكان أربع سنوات في أوروبا، حيث اشتغل في مجالات أخرى، وانتدب محاميا جزائريا ظل يتابع 32 موظفا في القرض الفلاحي في حالة اعتقال، إلى جانب مدير المؤسسة البنكية في مدينة الجديدة. صدر حكم بإدانة رئيس الفريق بعقوبة سجنية بلغت 20 سنة، تابع الرجل أطوارها من بعيد، بينما عانت أسرته من التشرد، بعد أن لجأ القرض الفلاحي إلى الحجز عن أراضيه وبيع عقاراته بأثمنة بخسة.
تلقى وعدا بالتسوية القضائية فعاد إلى المغرب ليدخل السجن، وبيعت ممتلكاته في المزاد العلني بعد أن قالت محكمة العدل الخاصة كلمتها.
رئيس الكوكب المراكشي يقضي سنة بتركيا هربا من المحاكمة
في فاتح شهر غشت الجاري، عاد نعيم الراضي مبارك، الرئيس السابق لفريق الكوكب المراكشي، إلى المغرب بعد أن قضى سنوات في تركيا هاربا من الملاحقة القضائية، بعد وصوله إلى مطار المنارة اعتقلته شرطة الحدود وأحالته على ولاية أمن مراكش، هناك وضع رهن تدابير الحراسة النظرية، بسبب قضية شيكات بدون مؤونة، ومشاكل مادية مترتبة عن فترة تسييره لفريق الكوكب المراكشي، حيث كان يسلم للعملاء شيكاته الشخصية.
قضى نعيم قرابة سنة في تركيا، ولم يعد إلى المغرب إلا بعد أن تلقى وعودا بتسوية قضية الشيكات من طرف الرئيس السابق يوسف ظاهر، الذي تكلف بأداء مبلغ 70 مليون سنتيم، وهو المبلغ الإجمالي الذي كان قد وقعه في وقت سابق على الشيكات المذكورة سلفا، لصالح عدد من اللاعبين السابقين بالكوكب المراكشي خلال فترته الرئاسية للفريق، حسب تصريح صحافي لنعيم.
فور مغادرته ولاية الأمن شكر نعيم كلا من عبد الرحيم الوزاني، وقال إنه «وقف إلى جانبه في الشق المتعلق بالقانون، من أجل تفادي أي عقوبات من طرف السلطات المعنية».
والغريب أن نعيم عبر عن استعداده لتولي مسؤولية قيادة الكوكب المراكشي، رغم الأزمة التي لاحقته منذ مدة طويلة، والتي أجبرته على السفر خارج البلاد وفرضت عليه الابتعاد عن أسرته، وقادته مرارا إلى المعتقل والمساءلة في الدوائر الأمنية، لكن الرئيس العائد عاد ليحمل كريم قسي لحلو، والي جهة مراكش آسفي، مسؤولية نزول الفريق المراكشي إلى قسم الهواة.
ويرى المتتبعون للشأن الكروي في المدينة الحمراء، بأن نعيم تلقى إشارات بإمكانية عودته إلى رئاسة الكوكب، فبادر إلى العودة إلى مراكش، رغم خطورة وضعه القانوني بسبب الشيكات التي كانت وراء اختياره المنفى في تركيا، وهو ما سبق أن لمح إليه من منفاه الاختياري أكثر من مرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كريم الزاز.. عضو جامعة كرة القدم في سجن عكاشة
في مارس 2014، أصدر وكيل الملك بمحكمة القطب الجنحي الابتدائي بالدار البيضاء، أمرا بإيداع كريم الزاز، عضو المكتب الجامعي لكرة القدم، والمدير العام السابق لشركة الاتصالات «وانا»، بالسجن الاحتياطي بعكاشة، إلى حين البت في قضيته، رفقة 11 شخصا آخرين متهمين بقرصنة مكالمات هاتفية وتحويلها إلى مكالمات وطنية عبر شركة يملكها الزاز، وفق تقارير الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي قالت إن عملية تحويل المكالمات من دولية إلى وطنية مكنته من كسب ملايين الدراهم.
غاب الزاز بسبب اعتقاله عن الجمع العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي عقد مباشرة بعد وضعه في السجن، قبل أن يسقط اسمه من لائحة المكتب الجامعي في عهد علي الفاسي الفهري.
وكانت المحكمة الزجرية بالدار البيضاء قد قضت سنة 2015 بالسجن خمس سنوات نافذة في حق كريم الزاز، بعد إدانته بتهمة «تزوير محررات تجارية واستعمالها، وصنع وثيقة تتضمن معلومات غير صحيحة واستعمالها، وعرقلة نظام معالجة آليات للمعطيات، وتزوير وثائق معلوماتية، وإحداث واستغلال شبكة اتصالات، والتصدير غير القانوني لأموال لأشخاص غير مقيمين في المغرب بصفة شخصية، وبصفة مسيري شركات».
في فاتح يونيو 2019 قبيل عيد الفطر، سيغادر كريم الزاز سجن عكاشة بالدار البيضاء، دون أن يستفيد من عفو يخفف وزر عقوبته السجنية، وهو ما توقعه السجين وبعض المقربين منه، مع إجباره بأداء غرامة مالية قدرها 40 ألف درهم لفائدة مكتب الصرف و20 ألف درهم لفائدة المحكمة.
غادر كريم الزاز، ومنذ ذلك الحين قطع حبل الود مع جامعة كرة القدم الوطنية، واختار العزلة الطوعية مستفيدا من دروس المعتقل.
الجامعي.. حين يعتذر السجان للسجين
بسبب شكاية كيدية، وضع محمد الجامعي، مؤسس نادي أجاكس القنيطري لكرة القدم داخل القاعات، في سجن القنيطرة، كانت تهمته «انتحال صفة وتهجير اللاعبين». قضى محمد الجامعي فترة تدريب في سجن «لعواد» بالقنيطرة، كانت التهمة جاهزة والحكم جاهزا والزنزانة مرتبة، وحين غادر المعتقل بعفو ملكي هاجر إلى أمريكا هروبا من سجان يمارس على سجنائه ركلات الجزاء، قبل أن يأتي يوم يعلن فيه السجان رغبته في البوح والاعتراف بمدبري خيوط المؤامرة.
على امتداد فترة اعتقاله، ظلت الأم ترابط أمام بوابة السجن كل صباح وفي المساء تعود إلى بيتها، وظل الجامعي الملقب بـ«النهيضة» يبحث عن خيوط تبرئ ذمته من تهمة نال فيها البراءة أمام المحكمة، قبل أن تتدخل النيابة العامة لتعيده إلى المعتقل.
أشد ما ندم عليه الجامعي وهو في السجن، عدم قدرته على حضور جنازة الملك الحسن الثاني، لكنه بكاه في سريره، وفي خلوته السجنية انخرط في أدب السجون وشرع في كتابة يومياته خلف القضبان.
غادر الجامعي السجن بعفو ملكي، ومباشرة بعد مغادرة المعتقل عقد ندوة صحافية في الدار البيضاء، كانت فرصة بالنسبة إليه لوضع الرأي العام في صلب حقيقة القضية، وكان حينها يحضر نفسه لمغادرة البلاد، وبعد أيام قليلة وجد نفسه في أمريكا.
«تركت وطني غصبا عني وأصبحت الهجرة قدري ربطتها بحياة أبنائي، حين رزقت ببنت في الولايات المتحدة الأمريكية أسميتها دينا هاجر، وحين رزقت بابن أطلقت عليه اسم ريان هاجر، لتظل الهجرة جزءا من حياة أسرتي»، يقول الجامعي لـ«تيلي ماروك».
وأضاف مبررا رغبة الرحيل: «رأيت في منامي مشهدا مرعبا، أشخاص يجرونني نحو عمود الإعدام، كانوا يطلبون مني توديع أسرتي كي ينفذ في هذا الحكم، توجهت رفقة حارسين صوب عمود الإعدام معصوب العينين، لكن الرصاص لم يقتلني، وهرعت صوب والدتي أبشرها بخلاصي، لكنها كانت تقول لي لم تتخلص بعد، وحين استيقظت قررت الهجرة وقطعت آخر خيوط التردد التي كانت تشدني إلى بلدي».
كريم حجاج.. رئيس الرجاء متورط في مؤامرة ضد الملك
يحكي الملك الحسن الثاني، في «ذاكرة ملك»، عن رجل اسمه كريم حجاج شغل منصب رئيس أسبق للرجاء الرياضي، وتوجد اليوم صورته في مدخل إدارة النادي بالوازيس، وكيف أن هذا المسير المشاكس كان وراء محاولة اغتياله.
لكن الرجاويين يعترضون على الاتهام ويصرون على أن محاولة اغتيال الملك من طرف المقاوم الشرس حجاج، تمت قبل أن ينال هذا الأخير صفة رئيس نادي الرجاء، بعد أن استفاد من عفو وردت تفاصيله في مذكرات الملك الراحل، بل إن كل القرائن تؤكد أن كريم كان مجرد عاشق لرجاء البدايات الأولى لـ«النسور»، وأن الرئيس الذي كان يدير شأن الفريق هو البوعزاوي العشفوبي.
ويقول أحد رجالات جيش التحرير إن كريم كان يكن عداء دفينا للحسن الثاني، الذي كان حينها وليا للعهد، وللوداد الرياضي. وحسب المتتبعين لتاريخ العداء بين الغريمين فإن السر وراء رفض كريم مصافحة كثير من مسيري الوداد، هو انتماء بعضهم لحزب الشورى والاستقلال، الذي كان غريما تقليديا سياسيا لحزب الاستقلال الذي كان حجاج يعد من ذراعه المسلحة، لذا لم يتردد كريم في الدعوة لمعاملة الفريق الأحمر كخصم مدعوم من طرف النظام الحاكم.
يقول الحسن الثاني في مذكراته إن حجاج أصبح في ما بعد رئيسا لفريق الرجاء الرياضي بعدما عفا عنه واعترف له، بحضور كل من وزير العدل وعامل مدينة فاس، بأنه هو من قتل المسعدي ودلهم على مكان دفنه، وقال لهم: «قتلته بأمر من بن بركة». لكن الرجل داخل الرجاء لم يتخلص من عشقه للتصفية الجسدية لكل من كان يتآمر على الفريق، وغالبا ما توعد الوداديين بالتصفية، لذا حرص مسؤولو الفريق الأحمر على مبادلته الكراهية بالود المصطنع.
بن حمو الفاخري.. قصة إعدام رئيس نجم الشباب البيضاوي
عندما رحل عن الحياة، لم يقو أحد على نعيه، لأنه كانا مغضوبا عليه. لا أحد إلى اليوم يعلم مكان قبره، ولا أحد من الذين كانوا يحجون إلى مقر إقامته الفلاحية ضواحي الدار البيضاء، كان قادرا على أن يطرح السؤال.. بن حمو الفاخري، أول شخص حكم عليه بالإعدام رسميا وعبر المحكمة في المغرب، وأول من نُفذ فيه الحكم أيضا.
انطلق من درب غلف بالدار البيضاء وأسس فريق نجم الشباب البيضاوي لكرة القدم وكان ينافس بشراسة، تواجه مع فريق الجيش الملكي الذي كان يديره الحسن الثاني منذ أن كان وليا للعهد، لكن كل شيء انتهى عندما اتهم بتقليل الأدب أمام الحسن الثاني، في مباراة جمعت بين الفريق العسكري ونجم الشباب البيضاوي. اختفى بنحمو الفاخري وتوارى عن الأنظار، إلى أن اعتقل سنة 1962 ونفذ فيه الحكم في 24 يناير من السنة نفسها.
لنعد إلى شباب بن حمو الفاخري، لأن تلك المرحلة كانت فارقة في حياته. السمعة التي حازها كانت في البداية بفضل اشتغاله على رأس خلية من خلايا المقاومة بمدينة الدار البيضاء، لكن ما سيجعل نجمه يسطع هو تأسيسه لفريق نجم الشباب البيضاوي. فالكرة كان لها سحرها لتمنحه شهرة واسعة وشعبية كبيرة، أقلقت الذين كانوا يعدون أنفاس المواطنين في ذلك الوقت.
لم يتردد بعض لاعبي الكرة خلال فترات الستينيات في الاعتراف بأنهم مدينون بما حققوه كرويا لبن حمو الفاخري، لكنهم بعد 24 يناير 1962 أصبحوا يحسبون ألف حساب قبل نطق اسمه، لأنهم يعلمون جيدا أنه أصبح مغضوبا عليه حتى بعد تنفيذ حكم الإعدام في حقه، بعد أن وجهت إليه تهمة محاولة قلب النظام. وبعد أن كان القرب منه مفخرة.
كان نجم الشباب فريقا ثوريا، لأن رئيسه كان يركز على انطلاقته بحلم الفريق من درب غلف، وهكذا كان لاعبو النادي يحصدون الانتصار تلو الانتصار.