من الاستقلال إلى الاستقلالية
احتفل المغاربة أمس بالذكرى 66 للحصول على الاستقلال، نعم إن هذه الذكرى الوطنية كانت تتويجا لنضال طويل، وشاق ومكلف في أرواح عدد من المجاهدين، والمناضلين، والمقاومين، ضحّوا بحياتهم، وأموالهم ووهبوا دماءهم دفاعا عن كسب الاستقلال الوطني، لكن الوطن اليوم أمام تهديدات جدية ومخاطر محدقة لا تقل خطورة عن مرحلة الاستعمار الكلاسيكي في ظل نظام دولي متقلب يسوده قانون الغاب لتحقيق مصالح الدول الكبرى.
ومما لا شك فيه أن هذا اليوم بالنسبة إلى المغاربة هو يوم احتفاء بإنهاء الاحتلال الفرنسي والإسباني، واستعادة السيادة الكاملة والقرار الوطني، لكن في الوقت الراهن نعيش معارك ضارية لكسب استقلاليتنا، لا تقل عن معركة الحصول على استقلال ضد الاستعمار التقليدي الذي كان يعني السيطرة العسكرية وممارسة الهيمنة من قبل دولة قوية على دولة ضعيفة، وما يترتب على تلك الهيمنة من بسط النفوذ على الدولة الضعيفة من أجل سلب ونهب خيراتها والتأثير في معتقداتها الدينية وأفكارها الثقافية وتركيبتها الاجتماعية.
صحيح أنه لم يعد الاستعمار خشنا ومعلنا كما كان في السابق، لكن أهدافه المستترة وعقلية النهب التي تتحكم فيه لا زالت مستمرة، وبلدنا يواجه يوميا بقيادة الملك محمد السادس ومؤسسات الدولة أشكالا وأصنافا متعددة من التدخلات في شؤوننا الداخلية والمحاولات المتكررة للمس باستقرارنا وسلامة أمننا القومي بذرائع شتى. ويكفي أن ننظر إلى جوارنا الإقليمي في تونس وليبيا والسودان واليمن ومالي وسوريا، لفهم الحروب الخادعة التي تتحكم فيها عقلية الاستعمار والتي أدت إلى تحويل تلك الدول إلى مستعمرات بالوكالة وأصبحت شعوبها مجرد نازحين ومتشردين في دول أخرى بعدما كانوا يتمتعون برغد العيش.
إن استقلالية القرار السيادي لبلدنا لا يمكن أن تكتمل في ظل حكومات ترهن القرار السيادي الاقتصادي بالقروض وما يملى بموجبها علينا من سياسات اقتصادية، ويرسم لنا مستقبلنا السياسي والأمني وفق مصالح الآخرين لا مصالحنا. ولا يمكن أن تكتمل تلك الاستقلالية كما قال جلالة الملك في أحد خطاباته في غياب تأمين الأمن القومي في المجال العسكري والغذائي والصحي والطاقي، ومن هنا فإن استقلالية القرار السيادي على كل الأصعدة، تستوجب بناء جبهة داخلية قوية مبنية على تلبية مطالب المجتمع في معاشه وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية، وفي الوقت ذاته إعادة النظر في كافة الشراكات الدولية والإقليمية التي تتناقض مع سيادتنا الوطنية، فزمن المواقف الرمادية واللعب على كل الحبال انتهى بعد خطاب المسيرة الخضراء.