شوف تشوف

سري للغاية

ملك ليبيا يغضب محمد الخامس بسبب زيارة مفاجئة لابن عرفة

حسن البصري

ولد محمد بن علي السنوسي، مؤسس الحركة السنوسية الدينية الصوفية في عام 1787 في مستغانم بالجزائر، وتوفي في ليبيا عام 1859. عندما بلغ سن الرشد، تلقى السنوسي العلوم الشرعية في جامعة القرويين بالمغرب، ثم أخذ يجول في البلاد العربية طلبا للعلم. زار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن، ثم رجع إلى مكة وأسس فيها أول زاوية لما عرِف في ما بعد بالحركة السنوسية.
للحركة السنوسية جذور في المغرب وتحديدا في مدينة فاس لكن أقوى زواياها كانت في الصحراء الليبية، فوالد إدريس السنوسي ملك ليبيا السابق، كان داعية وزعيم طريقة صوفية، حيث شربها من معين العاصمة العلمية، بينما ولد الابن إدريس في ليبيا سنة 1890، هو أول حاكم لهذا البلد بعد الاستقلال عن إيطاليا سنة1951 وظل يحكم البلاد إلى غاية 1968.
بعدما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة إيطاليا، بادرت إلى الخروج على مضض من ليبيا، حينها عاد إدريس السنوسي من منفاه إلى ليبيا في يوليوز 1944، فاستقبله الشعب في مدينة برقة استقبالا كبيرا، ومن يومها عين ملكا للبلاد ومارس الحكم استنادا إلى دستور أعده برفقة مساعديه، بعد عامين اعترفت إيطاليا باستقلال ليبيا.
حين كان الملك محمد الخامس في منفاه بمدغشقر، زار الملك إدريس السنوسي فاس والتقى بالسلطان المعين من طرف الاستعمار الفرنسي محمد بن عرفة في قصر فاس، حيث كان ملك ليبيا يسعى لزيارة أسلافه السنوسيين الأدارسة، وتوجه فعلا إلى ضريح مولاي ادريس الأول بمدينة زرهون معقل أجداده، وقضى أسبوعا كاملا في هذه المدينة حيث التقى بابن عرفة مرات برعاية من الحماية الفرنسية التي اعتبرت الزيارة اعترافا من دولة صديقة بصنيعة المستعمر. وهو ما أغضب الملك محمد الخامس في منفاه، وساهم في فتور العلاقات حتى بعد عودة محمد الخامس من المنفى.
زار الملك إدريس السنوسي المغرب لحضور مراسيم دفن الملك محمد الخامس، ولكن الحسن الثاني لم ينس زيارة المودة التي قام بها العاهل الليبي لابن عرفة فعامله ببرود، رغم أن منتصف الستينات عرف زيارة الحسن الثاني لطرابلس حيث التقى بالسنوسي ودار بينهما حوار مطول الغاية منه تذويب جليد الخلاف، لكن العاهل المغربي اعترف في ما بعد بأنه من الصعب التفاوض مع رجل لم يتخلص من طبعه الصوفي.
كان الملك الحسن الثاني يفضل دعوة رؤساء الدول لحضور قمة عربية في المغرب بإيفاد مبعوثين عنه، وليس عن طريق البريد أو بواسطة الأمانة العامة للجامعة العربية أو عبر الهاتف أو حتى بواسطة السفراء المعتمَدين في العواصم. لذا أرسل وزيره عبد الهادي بوطالب إلى ليبيا محملا بدعوة لحضور القمة العربية لسنة 1969، لكن حصل ما لم يكن متوقعا فقد غادر الملك ليبيا قبل وصول المبعوث المغربي واضطر إلى الاتصال بالقصر الملكي الذي أشار إليه بتسليم الدعوة لولي العهد شقيقه الأمير الحسن الرضا.
في الليلة نفسها حصل الانقلاب على الملكية وكان الفاتح من شتنبر هو تاريخ بداية حكم العقيد معمر القذافي. رفض المغرب ملتمسا بالتحاق الملك المخلوع بفاس كلاجئ، فاضطرت أسرة السنوسي إلى الإقامة في مصر، إلى أن توفي ادريس سنة 1983.
حاولت فاطمة الشريف زوجة ملك ليبيا رأب الصدع خاصة وأنها تعرف جيدا الجذور المغربية لزوجها وأسرته، فاقتنع محمد الخامس بجدوى الصلح وعين سفيرا للمغرب في طرابلس، في شخص حرمة ولد بابانا الموريتاني الأصل، لكن الفتور ظل سيد الموقف.
توفي محمد الخامس فأرسل الملك الليبي وفدا هاما إلى المغرب للمشاركة في مراسيم تشييع الجنازة، كان من بين مكوناته حرمه فاطمة الشريف، التي قدمت العزاء للأسرة الملكية، لكن زيارة العزاء والمواساة كانت حطبا باردا عجز عن بعث الدفء في العلاقات الليبية- المغربية.
مات إدريس في منفاه وتوفيت الملكة فاطمة السنوسي في القاهرة عن عمر يقارب القرن، ودفنت في مكة بناء على وصيتها، بينما لازال شارع رئيسي في الرياض يحمل اسم زوجها (ملك ليبي)، بعد أن مسحه القذافي من المرافق الحكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى