ملك التحديات
من يسمع خبر نشاط ملكي أو بلاغ للديوان الملكي، لا بد أن ينصرف ذهنه مباشرة إلى القضايا الاستراتيجية للبلد، فقد عودنا الملك محمد السادس على الأفعال لا الأقوال، على القرارات لا إعلان النوايا، على صناعة الأحداث لا الركوب على أحداث الآخرين.. ولذلك حينما يطلق الملك مشروعا ضخما لإنتاج لقاح كورونا فإن منطق الأحداث يجعل الحدث متوقعا من ملك اعتاد على التحديات الكبرى.
وإذا تتبعنا مسار القرارات الاستراتيجية التي اتخذت طيلة هذه السنة ونصف من جائحة كوفيد 19، ندرك القوة والصلابة التي واجه بها الملك محمد السادس كل التحديات والمخاطر التي وضعت أمام الوطن ليثبت أنه ملك التحديات. فلن ينسى المغاربة قرار إحداثه حسابا خصوصيا لمواجهة كوفيد 19 ومساهمته الشخصية في تمويله. ويتذكر الجميع القرار الملكي بالتلقيح المجاني لكل المغاربة والنجاح في كسب المغرب لحصته في اللقاح في ظل منافسة شرسة مع الدول العظمى، وقرار تخصيص دعم عمومي لملايين المغاربة يشتغلون في القطاعات غير المهيكلة والمهيكلة أيضا، وقراره النبيل بتسقيف أسعار الرحلات للجالية المغربية بالخارج، وقراره الذي شكل ثورة للطبقة الهشة بشأن الحماية الاجتماعية لفائدة 20 مليون مغربي، وقرار صياغة النموذج التنموي لمغرب الغد، وقرار إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار وقائمة طويلة من القرارات الاستراتيجية التي كان آخرها إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع بكلفة 500 مليار سنتيم لتصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد- 19 يهدف إلى إنتاج 5 ملايين جرعة من اللقاح المضاد كورونا شهريا، قبل مضاعفة هذه القدرة تدريجيا على المدى المتوسط.
في الحقيقة، إننا أمام ملك يرفض الخضوع للأمر الواقع، ولا يقبل سوى بالمجابهة والمواجهة للتحديات ذات الطابع الاستراتيجي سواء في المجال الاقتصادي والاجتماعي والأمني والدبلوماسي مع مواكبة مستمرة لمتطلبات ما يستجد من أحداث ومخاطر يومية تحيط ببلدنا، الأمر الذي جعل المواطن يجد في الملك طيلة الوباء ملاذا يلجأ إليه حينما تقفل أبواب السياسات العمومية والقطاعية ويدخل البرلمان في حالة من نكران للواقع وتعجز الأحزاب والمؤسسات الوسيطة عن خلق بدائل.
هذه اللحظة العصيبة التي يمر منها المغرب في مواجهة فيروس لا يرحم ستبقى ذكرى للتاريخ، ولحظة مفصلية في ذاكرة المغاربة، تذكرهم كيف فضل الملك محمد السادس حماية صحة المغاربة ضدا على كل التوازنات الاقتصادية والحسابات المالية الضيقة، وكيف حول أزمة صحية إلى فرصة للتنمية والتضامن وإثبات المغرب لذاته أمام العالم، وكيف نال الملك احترام وتقدير رؤساء دول كبرى ومنظمات عالمية، حينما جعل المغرب بلدا نموذجيا يحتذى به في مواجهة فيروس كورونا. فالمعطيات الرقمية التي لا تجامل أحدا تقول إن المغرب الأول إفريقيا في كل شيء أحب من أحب وكره من كره. المغرب الأول إفريقيا في عدد الملقحين بالكامل (الجرعة الأولى والثانية)، المغرب الأكثر إفريقيا لإنتاج للكمامات الطبية والمعقمات، بلدنا هو أول من صنع أجهزة التنفس في إفريقيا بنسبة 100 في المائة، حصلت على شهادة الاعتماد الأوروبية وفي المراحل النهائية للحصول على الأمريكية، وأخيرا المغرب البلد الأول في إفريقيا يشرع في تصنيع اللقاح بإنتاج 5 ملايين جرعة شهريا لترتفع الجرعات تدريجيا لتصل إلى 50 مليونا شهريا بعد سنة أو أقل.