لا يمكن لأي مجتمع التقدم في ظل شلل جمعيات المجتمع المدني، وعدم مساهمتها في التنمية والتوعية والتحسيس، وتنظيم الأنشطة في مجالات مختلفة للتأطير وتكريس روح التضامن والعمل التطوعي، لكن المطلوب هو الصرامة في تتبع طرق صرف ملايير الدعم الذي يقدم إلى الجمعيات من المال العام، وتفعيل التتبع والمراقبة لتنفيذ الالتزامات على أرض الواقع.
إن الكم الهائل من الجمعيات، التي تنتشر بالجماعات الترابية، يمنح مؤشرا إيجابيا حول حياة المجتمع المدني، لكن الواقع المر يفضح كون العديد من الجمعيات هي صورية فقط، وأقصى ما تطمح إليه هو الدعم من المال العام لتنفيذ برامج باهتة سمتها التكرار الممل خارج الإبداع ومواكبة التحولات المجتمعية واستقطاب الفئات الشابة.
على جميع المجالس والمؤسسات العمومية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية العمل على توقيع اتفاقيات مع الجمعيات التي تنشط في مجالات مختلفة، والتدقيق في البنود وطرق صرف المال العام، مع التتبع والمواكبة لضمان استفادة الفئات المستهدفة، وتشجيع الطاقات الشابة على العمل التطوعي والمساهمة في إحياء دور المجتمع المدني في الحياة العامة.
هناك فرصة سانحة أمام الشباب لإنشاء جمعيات وتحويلها إلى مشتل لصقل الطاقات والمواهب في مجالات متعددة، والتوجيه نحو إنشاء مقاولات صغيرة في مجالات التنشيط والفنون..، وذلك لأن مساهمة العمل الجمعوي لا يجب أن تبقى محصورة في ما هو تقليدي بل يجب انخراطها في استقطاب الشباب ومنح المثل في النجاح في الحياة المادية والتوازن بين العمل التطوعي والنجاح الفردي الذي ينفع المجتمع بدوره ولا يتعارض معه إذا كان في احترام للقوانين والأخلاقيات المتعارف عليها.
علينا القطع مع ظاهرة استغلال المال العام في الدعم الجمعوي لتوسيع والمحافظة على القواعد الانتخابية، واعتماد معايير القرب من الأحزاب ورؤساء المجالس الجماعية والبرلمانيين، والخروج لفضاء تحديث والإبداع في تطوير العمل الجمعوي ليصبح منتجا بدوره ومساهما في التنمية والتكوين والتوعية والتحسيس بطرق مواكبة للعصر وتتقاطع واهتمامات الفئات الشابة.
لقد ضبطت مصالح وزارة الداخلية العديد من الخروقات في توزيع الدعم الجمعوي، وحذرت من استغلال المال العام في دعم جمعيات حزبية، كما تم رفض المصادقة على مقررات للدعم بسبب خروقات قانونية وغياب توازن الميزانية، لكن الأمر يحتاج في مجمله إلى مقاربات متعددة لخلق نوع من الوعي نحو صرف المال العام في مجالات إيجابية والمسؤولية القانونية والأخلاقية لخدمة الشأن العام، عوض زاوية الوزيعة التي ينظر بها للخزينة العامة والأنشطة الصورية التي تركز على الصورة والإشهار في حين الواقع يستمر ومؤشر الانحدار نحو القاع لا يتوقف.