شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيخاص

ملامح مغرب ما بعد كورونا…خطة لإنعاش الاقتصاد وتعديل قانون المالية

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

فرضت الأزمة الصحية عدة تحديات على كل دول العالم، والمغرب ليس بمنأى عن ذلك، نظرا للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، والتي ستفرض مستقبلا على واضعي السياسات العمومية إعادة ترتيب الأولويات، انسجاما مع التغيرات التي سيعرفها العالم على كافة المستويات، لأن عالم ما بعد كورونا ليس عالم ما قبل كورونا، ولذلك شرع المغرب بالتزامن مع التخفيف من إجراءات الحجر الصحي المفروض منذ شهرين، في وضع خطة لإنعاش الاقتصاد بإعادة تحريك عجلة القطاعات الإنتاجية، والشروع في إدخال تعديلات على قانون المالية لملاءمته مع الظروف الحالية.

 

تأثر المغرب، على غرار جل دول العالم، بشكل كبير بتداعيات الأزمة الصحية على المستوى الاقتصادي والمالي كما يتضح من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية. وشرعت الحكومة في وضع مخطط لإنعاش الاقتصاد الوطني، لمواجهة هذه التداعيات التي طالت أهم القطاعات الإنتاجية والخدماتية. وقالت لجنة اليقظة الاقتصادية إن المخطط يستند على مخططات إنعاش قطاعية، حيث ستأخذ العملية بعين الاعتبار خصوصيات كل قطاع إنتاجي، وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن الحكومة ستدرس الحلول المالية على المدى الطويل، والتي تلائم كل قطاع، بهدف دعم عودة الشركات الكبرى مع تقليص آجال السداد بما يساعد على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الصغيرة جداً.

 

أولويات الحكومة

كشف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال الجلسة المشتركة التي عقدها مجلسا البرلمان، أن أولوية الحكومة في المرحلة المقبلة هي إنعاش الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى انشغالها بمواجهة الجائحة وتداعياتها الآنية. وأوضح العثماني أن هذه الجائحة وتداعياتها، وما واكبها من تحديات، وما أثارته من تساؤلات، وأفرزته من انتظارات، «نتطلع معها جميعا إلى غد مشرق، ومغرب أفضل، مما يفرض علينا أخذ هذه التحولات بعين الاعتبار، وترتيب أولوياتنا بالتبع، مع وضوح في الرؤية، ونجاعة في الأداء»، مشيرا إلى أنه موازاة مع الاستمرار في مواجهة الوباء وتداعياته، فإن هنالك أوراشا يتعين إطلاقها على وجه الاستعجال، من مثل إطلاق خطة لإنعاش الاقتصاد الوطني، لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وتوفير مناخ ملائم للمقاولات الوطنية لتنمية أنشطتها وإحداث فرص الشغل، مؤكدا على ضرورة استرجاع الدينامية التنموية التي انطلقت بداياتها خلال الأشهر الأخيرة من السنة الفارطة.

وإضافة إلى هذا الورش المستعجل، يقول رئيس الحكومة، «فإنه ينبغي لبلادنا أن تستعد لعالم ما بعد الأزمة الصحية كوفيد-19، من خلال زيادة حجم الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية الواعدة، إذ يكاد يحصل إجماع بخصوص الأوراش والمجالات التي يجب أن نضاعف العناية بها في المستقبل، وأن نوليها العناية الكبرى ونمدها بالإمكانيات الضرورية، ويتعلق الأمر أساسا بقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى ورشين داعمين أساسيين، هما تسريع التحول الرقمي والحكامة الجيدة». مؤكدا أن التفكير في المستقبل لا يعني التوقف وعدم الإبداع في ظل الأزمة، وأردف قائلا: «فوعيا بالظرفية التي نعيشها، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي برنامجا لدعم البحث العلمي متعدد التخصصات في المجالات ذات الصلة بالجائحة خصص له غلاف مالي يبلغ عشرة ملايين درهم. وقد توصل المركز الوطني للبحث بـ 400 مشروع بحثي، اختير منها 53 مشروعا تعالج جائحة كورونا من 6 جوانب هي: الطب وعلم الأوبئة والتكنولوجيا (آليات الوقاية والتنفس)، والانعكاسات الاقتصادية، والانعكاسات الاجتماعية و النفسية، والجوانب السياسية والإدارة في حالة الطوارئ، ويغطي الحقل الطبي والعلمي والتكنولوجي 60 في المائة من تلك البحوث». وفي هذا الصدد، سيتم البت في كيفية تمويل الباقي من 200 مشروع نالت الاستحسان في الانتقاء الأولي، كما ستعمل الحكومة على التعجيل بإحداث وإرساء المجلس الوطني للبحث العلمي طبقا لأحكام القانون الإطار، وذلك لبلورة استراتيجية وطنية شاملة ومنسقة للبحث العلمي.

 

تحديات ما بعد كورونا

من تحديات المرحلة، يضيف العثماني، أيضا، تحقيق تحول رقمي قوي على المستوى الوطني، إذ من شأن إنجاح هذا الورش تيسير ودعم عدد من المجالات التي برزت الحاجة إليها خلال هذه الفترة الأخيرة، في التعليم والمحاكم والعمل عن بعد، وتنزيل سياسات الدعم، وتطوير آليات الرصد والتتبع. ويقتضي التحول الرقمي في القطاع العام، الانتقال من الحكومة الإلكترونية، أو من رقمنة مسارات الأعمال وتقديم الخدمات على الورق، إلى إعادة هيكلة «مصممة رقميا» للخدمات والمسارات، كما يتطلب هذا التحول اعتماد مقاربة تتمحور حول المستعملين، تمكن المواطنين والمقاولات من التفاعل والتعاون مع القطاع العام لتحديد حاجاتهم الخاصة والاستجابة لها.

وبخصوص خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، قال العثماني: «يصعب التكهن في هذه المرحلة بالتطورات المستقبلية لامتدادات الأزمة، في غياب رؤية واضحة للبعد الزمني الذي تستلزمه هذه الظرفية لكي تستعيد الاقتصاديات العالمية عافيتها، الشيء الذي يجعل من الصعب الجزم بشأن سيناريو ماكرو اقتصادي واضح حول التطورات المستقبلية للمؤشرات الرئيسية لاقتصادنا الوطني، الذي يبقى رهينا بتدبير رفع الحجر الصحي وسرعة استئناف القطاعات الاقتصادية لنشاطها والتي يمكن أن يتم وفق آفاق زمنية مختلفة». وبالموازاة مع الإجراءات قصيرة المدى، وإدراكا منها لأهمية الإجراءات الاستباقية لما بعد الأزمة، تعمل الحكومة على وضع خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد الوطني، سوف تشكل رافعة مهمة من أجل تسريع استئناف النشاط الاقتصادي الوطني وتعزيز قدرته على استشراف معالم ما بعد أزمة كورونا التي تلوح في الأفق. وأضاف رئيس الحكومة «ويتعين أن تكون المقاربة المعتمدة لبلورة هذه الخطة، شاملة ومتكاملة، ومعتمدة على آليات أفقية تراعي خصوصيات كل قطاع على حدة، وتأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية، لا سيما المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية، والعوامل الداخلية المرتبطة بالعرض والاستهلاك الوطنيين».

وحسب رئيس الحكومة، سيكون من بين التحديات الرئيسية، في هذا الصدد، التفكير في الآليات التي ستتم تعبئتها لضمان توفير التمويلات اللازمة للمقاولات وخصوصا المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل استئناف أنشطتها، كما يستوجب الأمر التفكير في كيفية استخدام الطلبيات العمومية كوسيلة لإنعاش الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال مراجعة أساليبها وأولوياتها، من أجل دعم الإنتاج والاستهلاك المحليين، وأكد على ضرورة مضاعفة الجهود لحل بعض الإشكاليات الهيكلية التي أكدت الأزمة على أهمية واستعجالية معالجتها، كإشكاليات القطاع غير المهيكل والحماية الاجتماعية. أما على المستوى الدولي، فقال العثماني: «فسيتحتم على بلادنا أن تتكيف مع التشكيل الجديد لسلاسل القيمة العالمية، من خلال جذب استثمارات دولية، على نطاق واسع، والتي هي بصدد البحث عن مراكز إنتاج جديدة بالقرب من الأسواق الأوروبية والإفريقية».

 

فرضيات.. وظرفيات

كشف العثماني عن اشتغال الحكومة على مشروع تعديل قانون المالية، وسيكون مرتكزا على تفعيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، نظرا للمتغيرات المرتبطة بالظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية نتيجة أزمة كوفيد-19، ولتأثيرها على مختلف الفرضيات التي أطرت إعداد قانون المالية لسنة 2020. ويستلزم قانون المالية التعديلي وضوحا في الفرضيات التي سيبنى عليها عالميا ووطنيا، يأخذ بعين الاعتبار توقعات تراجع معدل النمو، إلى جانب آثار الجفاف وانخفاض الإيرادات الضريبية، ومن المنتظر أن تحدد توجهاته العامة قصد عرضها على المجلس الوزاري، قبل أن يعرض المشروع على المجلس الحكومي، ثم يحال على البرلمان، كما ينتظر أن يكرس هذا المشروع أولويات من قبيل التعليم والبحث العلمي والصحة والتشغيل والحماية الاجتماعية، وأن يركز كذلك على التحول الرقمي بوصفه رافعة للتنمية.

وأشار العثماني إلى أن الحكومة عازمة على الاستثمار الجيد لعدد من التجارب والنجاحات التي تحققت خلال المرحلة الفارطة، من مثل دعم الصناعة الوطنية للاستجابة للاحتياجات الذاتية، وتجربة التعليم عن بعد، وتشجيع البحث العلمي وروح الابتكار، وكذا الحيوية التي أبان عنها المجتمع المدني عامة، والشباب خاصة، مشيرا إلى أن الحكومة تشتغل على عدة أوراش تتجلى في استراتيجية التخفيف من الحجر الصحي، وخطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وإعداد مشروع قانون المالية التعديلي، وهي كلها أوراش ذات أهمية كبرى في المرحلة المقبلة، معلنا عن مبادرة بدء سلسلة مشاورات مع القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومركزيات نقابية وجمعيات مهنية وغيرها، وذلك باعتبارها أوراشا وطنية تحتاج إلى انخراط جماعي، وتعبئة رأي الجميع، لإنجاح مواجهة معضلات جائحة كورونا وما بعدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى