شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيتقاريرسياسية

ملاحقة لصوص المال العام أمام القضاء

تنسيق بين مؤسسات محاربة الفساد وحماية المال العام

يوم الأربعاء الماضي، اشتكت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، خلال جلسة عمومية مشتركة عقدها مجلسا البرلمان، من عدم تعاون بعض المؤسسات المختصة في محاربة الفساد، وأكدت أن كل الملفات الجنائية المتعلقة بجرائم الأموال التي تحال على رئاسة النيابة العامة يكون مصدرها المحاكم المالية. وبالإضافة إلى المجلس الأعلى للحسابات، هناك العديد من المؤسسات التي تقوم بأدوار الرقابة على صرف المال العام، من قبيل مفتشية المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، التي تتولى افتحاص الجماعات والجهات، بالإضافة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تم تعديل القانون المنظم لها، بإضافة اختصاصات وصلاحيات جديدة، تهدف إلى توسيع مفهوم الفساد ليشمل المخالفات المالية والإدارية وتبديد الأموال العمومية. وكل هذه المؤسسات تنجز تقارير تتضمن اختلالات مالية وإدارية بعضها يكتسي صبغة جنائية، ورغم كذلك تبقى مؤشرات الفساد مرتفعة، فيما تشتكي جمعيات حقوقية من عدم تحريك ملفات جرائم الأموال أمام القضاء، وفي حال إحالتها تتطلب وقتا طويلا في إجراءات التحقيق وكذلك المحاكمة، قد تصل إلى سنوات، وهو ما يقتضي إعادة النظر في هذه الإجراءات من أجل تسريع محاكمة لصوص المال العام، وتنفيذ الأحكام القضائية في حقهم.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

إحداث وحدة برئاسة الحكومة لتتبع تقارير المجلس الأعلى للحسابات

 

 

بعدما اشتكت زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، من عدم تعاون بعض الوزراء مع قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وتهاونهم في تفعيل توصيات المجلس بشأن تدبير المؤسسات والقطاعات الحكومية الموجودة تحت وصايتهم، تم، على مستوى رئاسة الحكومة، إحداث وحدة متخصصة من أجل تتبع الإجراءات المتخذة لتنفيذ التوصيات المتضمنة في التقارير التي ينجزها المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات.

وذكرت رئاسة الحكومة، في بلاغ لها، أن هاته الوحدة، التي تم تكليف محمد الصوابي، رئيس غرفة سابق بالمجلس الأعلى للحسابات بالإشراف عليها، تروم «التتبع المنتظم والمتواصل للإجراءات المتخذة لتنفيذ هذه التوصيات من طرف القطاعات الوزارية المعنية والأجهزة العمومية الخاضعة لوصايتها».

وتتوخى هذه الوحدة أيضا العمل على تذليل الصعوبات التي قد تعيق تطبيق هذه التوصيات، «وذلك بتنسيق مع المخاطبين الرسميين الذين تم تعيينهم على مستوى كل قطاع وزاري على إثر إصدار المنشور رقم 11/2021 لرئيس الحكومة بتاريخ 03 يونيو 2021، والذي يروم تعزيز التواصل مع المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات».

وتهدف البنية الجديدة إلى الرفع من أثر التقارير التي ينجزها المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات في مختلف المجالات، لاسيما تلك المتعلقة بتقييم مدى إنجاز المشاريع الكبرى للتنمية ومدى تنزيلها على المستوى الترابي، وكذا تأثيرها على المستوى المعيشي للمواطن، إلى جانب التفاعل الإيجابي مع التوصيات المضمنة في هذه التقارير، بما يسمح بتحسين التدبير العمومي وتدعيم مبادئ وقيم الحكامة الجيدة.

وستعنى هذه الوحدة، كذلك، يضيف المصدر، بتتبع الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف القطاعات الوزارية المعنية من أجل تنزيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومن أجل ملاءمة المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع المعايير الدولية.

وتشتكي العدوي، من عدم تعاون بعض الوزراء مع قضاة المجلس، لتمكينهم من المعطيات والوثائق، وكذلك تفعيل التوصيات الصادرة عن المجلس في تقارير سابقة، وفي هذا الصدد، وجهت العدوي مراسلة إلى رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، بتاريخ 7 ماي 2021، بشأن تعزيز آليات التواصل بين المجلس ومختلف القطاعات الوزارية وتعيين مخاطبين رسميين لها من أجل هذا الغرض، وهو ما استجاب له العثماني بإصداره لمنشور بتاريخ 3 يونيو 2021.

 ويعتبر المجلس أن هذه الآلية ستساهم بفعالية في توفير المعطيات المرتبطة بمهام المجلس وتتبع التوصيات، علما أن هؤلاء المخاطبين سيشكلون صلة وصل بين المجلس والقطاعات الوزارية ومختلف الأجهزة الخاضعة لوصايتها قصد الإشراف على الإدلاء للمجلس بالمعطيات والمعلومات والوثائق وعلى عملية تتبع التوصيات الصادرة عنه من خلال المنصة الرقمية، التي بادر المجلس إلى إحداثها ووضعها رهن إشارة مختلف القطاعات الوزارية قصد تيسير عمليات التواصل معها في ما يتعلق بتتبع التوصيات التي يصدرها المجلس، وذلك حرصا منه على تعزيز آليات التواصل مع الأجهزة التي يتعامل معها في إطار ممارسته لاختصاصاته وبغية التنزيل الأمثل للتوصيات التي يصدرها.

وأوضح التقرير السنوي الأخير الذي رفعته العدوي إلى الملك محمد السادس، أن أعمال المحاكم المالية لن يكون لها أثر على التدبير العمومي وعلى حياة المواطنين إلا من خلال التتبع الوثيق للإجراءات المتخذة من طرف الأجهزة المعنية من أجل التنزيل الفعلي لمخرجاتها وتوصياتها. ولهذا الغرض، تحرص هذه المحاكم على تتبع التوصيات الصادرة عنها وإعداد خلاصات بشأنها، تضمن أهم نتائجها في التقرير السنوي. ولهذه الغاية، فإن المجلس بصدد إحداث منصة رقمية قصد تيسير عمليات التواصل مع مختلف الأجهزة الخاضعة لرقابته، والتي ستركز على تتبع التوصيات الصادرة عنه، مع اعتماد وتيرة تتبع تأخذ في الاعتبار أولوية كل توصية على حدة وطابعها الاستعجالي.

وفي السياق نفسه، وفي إطار تنزيل أحكام دستور المملكة في الشق المتعلق ببذل المساعدة للهيئات القضائية، ومن أجل المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، تم خلال شهر يونيو 2021 توقيع مذكرة تعاون بين الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، والوكيل العام للملك لدى المجلس، تهدف إلى تعزيز التعاون بين الأطراف الموقعة، لاسيما في مجال التكوين ودعم قدرات قضاة المحاكم المالية وقضاة المحاكم الزجرية، وكذا إلى تكثيف التنسيق بين هذه الأطراف بشأن معالجة الشكايات والوشايات والتقارير ذات الصلة بالجرائم المالية وتبادل الوثائق المتعلقة بها والاجتهادات القضائية المتميزة في هذا المجال.

 

محاربة الفساد.. تعددت المؤسسات والهدف واحد

 

نص دستور 2011 على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية… وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها، كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.

وخصص الدستور بابا كاملا لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور كذلك استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.

ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في «التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وقيم المواطنة المسؤولة».

ويعتبر إقرار نموذج  تنموي جديد، حسب مختصين، فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، إذ أشار رئيس «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد، وأن إصدار التقرير السنوي للهيئة يأتي في سياق استثنائي يتسم بوجود مجموعة من المؤشرات الإيجابية، والعزم على مباشرة إصلاحات عميقة، كفيلة بصون كرامة المواطنين، وضمان ولوجهم المنصف لحقوقهم، والاستجابة لتطلعاتهم المشروعة في حياة مزدهرة.

في خوضه معركة مكافحة الفساد والرشوة، عمل المغرب على تعزيز آلياته المؤسساتية والقانونية، ومن ذلك إحداث «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، بمقتضى الفصل 36 من الدستور، وقد نص مشروع قانون الهيئة المذكورة على إمكانية أن تتصدى الهيئة تلقائيا إلى كل حالة من حالات الفساد التي تصل إلى علمها، كما يمكنها القيام أو طلب القيام من أي جهة معينة تعميق البحث والتحري في الأفعال التي ثبت للهيئة، بناء على معطيات أو معلومات أو مؤشرات، أنها تشكل حالات فساد، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ترتيب الآثار القانونية في ضوء النتائج.

كما منح مشروع القانون الجديد، الهيئة إمكانية التماس تسخير القوّة العمومية لمؤازرة مأموريها في القيام بمهامهم خلال أعمال البحث والتحري، وعمل مشروع القانون على إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد، وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه ليشمل جريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، إلى جانب المخالفات الإدارية والمالية التي تشكل سلوكيات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.

 

تقارير المجلس الأعلى للحسابات تفضح اختلالات مالية

 

كشفت التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات، خلال السنوات الأخيرة، عن وجود اختلالات خطيرة في تدبير المال العام. فرغم الأهمية التي تكتسيها هذه التقارير، فإن هناك قصورا في النصوص القانونية المتعلقة بإحالة هذه الملفات على القضاء، وتحريك المتابعة القضائية في حق المتورطين، وكذا محدودية الرقابة التي يمارسها قضاة هاته المحاكم لعدم توفرها على قوة الردع مما تكرس معه نهب المال العام وسوء التدبير وتدبير الأموال العمومية. ولهذا يبقى من الضروري تشريع قوانين رادعة لتمكين المحاكم المالية من سلطات تمكنها من الوسائل البشرية والمادية لبسط رقابتها على مختلف الأجهزة المكلفة بإدارة المال العام وربط جسر من التواصل بينها وباقي الأجهزة المعنية بحماية المال العام بمختلف القطاعات.

وحسب مدونة المحاكم المالية، فإن تحريك المتابعة القضائية يكون مشروطا بمجموعة من الشروط والمساطر، وتنص المدونة على أنه إذا اكتشف المجلس أفعالا من شأنھا أن تستوجب عقوبة تأديبية، أخبر الوكيل العام للملك بھذه الأفعال، السلطة التي لھا ﺣق التأديب بالنسبة للمعني بالأمر، والتي تخبر المجلس خلال أجل ستة أشهر في بيان معلل بالتدابير التي اتخذتها، أو إذا كان الأمر يتعلق بأفعال يظهر أنھا قد تستوجب عقوبة جنائية، رفع الوكيل العام للملك الأمر من تلقاء نفسه أو بإيعاز من الرئيس الأول إلى رئيس النيابة العامة قصد اتخاذ ما يراه ملائما، ويخبر بذلك السلطة التي ينتمي إليها المعني بالأمر.

وحددت المدونة الأشخاص المعنيين بالمسطرة المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، وتشمل حسابات المحاسبين العموميين والموظفين والأعوان الذين يعملون تحت سلطتهم أو لحسابهم، وعلى كل مراقب الالتزام بالنفقات، والمراقبين الماليين والموظفين والأعوان العاملين تحت إمرتهم أو لحسابهم، كما أنها رقابة تمارس في حق الآمر بالصرف والآمرين بالصرف المساعدين وكذا الأعوان الذين يشتغلون تحت سلطتهم أو لحسابهم في نطاق اختصاصاتهم المالية. وتختص المحاكم المالية للبت والتدقيق والتحقيق في طرق تدبير العمليات المالية العمومية من مداخيل ونفقات الميزانية العامة لتحديد المسؤولية عن أي اختلالات تشوبها ومعاقبة التجاوزات والخروقات الثابتة في حق المعنيين بالأمر. وتسري العقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم على كل آمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرتهم أو لحسابهم، إذا ما اقترفوا أثناء ممارسة مهامهم إحدى المخالفات المالية المنصوص عليها في الفصل المذكور.

ويرى خبراء القانون أن مسطرة المتابعة تبقى منقوصة، لكونها تستثني من الرقابة والمتابعة أهم فئة من الآمرين بالصرف، وهم الوزراء الذين يديرون المالية العامة في منبعها، وهو ما يؤثر على نجاعة المحاكم المالية في الرقابة، ويجعل مراقبة المال العام محدودة، أمام صعوبة إثارة المسؤولية الجنائية للوزراء أمام المحاكم. وتنص المادة 52 من مدونة المحاكم المالية على أنه لا يخضع للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة.

وبخصوص الإجراءات المسطرية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، فإنه بخلاف مسطرة البت في الحسابات، فان مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية تتميز بمسطرة خاصة في طريقة تحريك المتابعة وفي سير المسطرة. وطبقا للفصل 57 من قانون المحاكم المالية، فان اختصاص تحريك المتابعة مسنود للوكيل العام أو وكيل الملك بالمجلس الأعلى للحسابات تلقائيا أو بطلب من الرئيس الأول أو إحدى هيئات المجلس، كما يمكن أن يتوصل الوكيل العام بتقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة تستوجب المتابعة من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو الوزير المكلف بالمالية، أو الوزراء في ما يخص الأفعال المنسوبة إلى الموظفين والأعوان العاملين تحت سلطتهم، أو العاملين في المؤسسات الخاضعة لوصايتهم. وبالنسبة للمجالس الجهوية للحسابات، فان القضية ترفع بواسطة وكيل الملك إلى المجلس من طرف وزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية بعد الإدلاء بتقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة طبقا للفصل 138 من قانون المحاكم المالية.

وإذا اقتنع الوكيل العام أو وكيل الملك حسب الحالة، بثبوت الأفعال في حق المعنيين بالأمر، فانه يقوم بالمتابعة ويتقدم إلى رئيس المجلس بملتمس تعيين مستشار مقرر مكلف بالتحقيق ويبلغ المعنيين بالأمر بالمتابعة وفقا لقواعد المسطرة المدنية في التبليغ، كما يخبر الوزير المعني ووزير المالية والوزير الوصي على الإدارة التي يعمل بها المتابع، لكن إذا لم يقتنع بثبوت الأفعال المنسوبة للمعني بالأمر، فانه يحفظ القضية بقرار معلل ويبلغ ذلك للجهة التي عرضت عليه القضية. إن قرار الحفظ هذا ليس قرارا نهائيا وإن كان لا يقبل الطعن، وإنما يمكن التراجع عنه كلما ظهرت وسائل جديدة لإثبات المخالفات المنصوص عليه بالفصول من 54 إلى 56 من قانون المحاكم المالية .

وتتضمن التقارير السنوية التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الملفات المرتبطة بتدبير المال العام، بعضها تكتسي طابعا جنائيا وتقتضي فتح تحقيق قضائي بشأنها وتحريك المتابعة في حق المتورطين فيها، ولذلك يبقى دور المجلس أساسيا في إحالة هذه الملفات على القضاء، من خلال إحالتها على رئاسة النيابة، بعدما كانت تحال سابقا على وزير العدل، ما كان يثير تخوفات أبدتها مكونات المشهد السياسي من التعامل الانتقائي مع تقارير المجلس، واستغلال بعضها لتصفية الحسابات السياسية.

واشتكت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أمام مجلسي البرلمان، من عدم تعاون بعض المؤسسات المختصة في محاربة الفساد. وعبرت العدوي، خلال جلسة مشتركة عقدها مجلسا النواب والمستشارين، خصصت لتقديم التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، عن أسفها لعدم تعاون بعض المؤسسات في إحالة الأفعال التي تستوجب عقوبة جنائية على القضاء، حسب ما ينص عليه القانون، مؤكدةً أن مجمل هذه الأفعال تم اكتشافها في إطار ممارسة المحاكم المالية لاختصاصاتها. وأفات العدوي بأن الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، أحال، خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى متم أبريل 2022، ما مجموعه 29 ملفا إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، وذلك قصد اتخاذ المتعين بشأنها، فيما اتخذت مقررات بعدم إثارة الدعوى العمومية بخصوص ستة ملفات لعدم كفاية القرائن والإثباتات اللازمة.

 

صلاحيات جديدة لهيئة النزاهة والوقاية من الرشوة

 

دخل القانون المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيز التنفيذ، ويأتي هذا القانون في إطار تنزيل أحكام الدستور، خاصة الفصل 167 منه، ويتضمن مجموعة من المستجدات الهادفة إلى توسيع صلاحيات الهيئة وتعزيز اختصاصاتها، للمساهمة في محاربة الفساد.

ومن أهم المستجدات الواردة في القانون المذكور، توسيع مفهوم الفساد، وينص القانون على أن المهام الجديدة الموكولة إلى الهيئة في مجال مكافحة الفساد، هي إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد، وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه وتطبيقاته، حتى يكون مفهوم الفساد شاملا لجريمة تبديد الأموال العمومية، ولما قد يُجَرمُهُ المشرع مستقبلا من أفعال، بدل حصر مفهوم الفساد في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر، كما ينص على ذلك القانون الحالي للهيئة. كما يشمل مفهوم الفساد أيضا المخالفات الإدارية والمالية، التي تشكل سلوكات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.

ويميز القانون بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة وهما، الأفعال التي تشكل جرائم بطبيعتها، حيث عناصرها الجُرمية واضحة، تحيلها الهيئة إلى النيابة العامة المختصة، ثم الأفعال التي تشكل مخالفات إدارية ومالية، تكتسي طابعا خاصا يتنافى مع مبادئ التخليق والحكامة الجيدة وحسن تدبير الأموال العمومية، دون أن ترقى إلى درجة تكييفها جرائم قائمة بذاتها، ولكونها تعتبر مخالفات مهنية بالأساس، فإنها في حال ثبوتها تؤدي إلى متابعة تأديبية في حق مرتكبها وتوقيع عقوبات إدارية أو مالية في شأنها، مع تمكين الهيئة من إجراء أبحاث وتحريات وإعداد تقارير تحيلها على السلطات والهيئات المختصة، بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية، حسب الحالة.

كما يتضمن القانون مقتضيات تهدف إلى توسيع نطاق مهام الهيئة ومجالات تدخلها، وذلك عبر مراجعة مهام الهيئة في ضوء أحكام الدستور، والتي تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية تتمثل في البعدين التخليقي والوقائي للهيئة، من خلال التنصيص على صلاحية الهيئة لاقتراح التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، والآليات والتدابير والإجراءات الكفيلة بتنفيذها على الوجه الأمثل، والسهر على استراتيجية وطنية متكاملة للتنشئة التربوية والاجتماعية على قيم النزاهة، سيما في مجالي التربية والتكوين.

أم البعد التدخلي من خلال الإسهام في مكافحة الفساد، فقد منح القانون للهيئة مجموعة من الصلاحيات الجديدة، نتيجة توسيع مفهوم الفساد، وتتمثل هذه الصلاحيات في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات في شأن حالات الفساد ودراستها، والتأكد من حقيقة الوقائع المضمنة بها من خلال القيام بعمليات البحث والتحري، عبر إجراءات ميدانية تتجسد في الصلاحيات المخولة لمأموري الهيئة، من أهمها الدخول إلى مقرات الأشخاص الخاضعين للقانون العام، والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، وطلب الوثائق والمستندات والاستماع إلى الأشخاص المعنيين. كما يتيح القانون للهيئة، وضع يدها على حالات الفساد التي تصل إلى علمها تلقائيا، ودون أن تكون مقيدة بوجود شكاية أو تبليغ، كما يمكن القانون الهيئة من التنصيب مطالبة بالحق المدني في القضايا المتعلقة بالفساد المعروضة على القضاء، في حال عدم تقديم الوكيل القضائي للمملكة لمطالبه المدنية نيابة عن الدولة داخل أجل ثلاثة أشهر، وذلك بغرض تمكين الهيئة من تتبع قضايا الفساد المعروضة على القضاء. وعلاوة على ذلك، فقد منح القانون الهيئة أيضا اختصاصا جديدا يتمثل في إمكانية قيامها، بطلب من السلطات العمومية، بإجراء تحقيقات إدارية في وقائع خاصة تتضمن مؤشرات حول شبهة وجود فساد وإعداد تقرير بشأنها، وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به الهيئة من استقلالية، وهذا الاختصاص يكتسي طابعا نوعيا سيمكن الدولة من التوفر على آلية موازية ومستقلة للبحث والتحري والتحقيق في القضايا التي لا تكتسي طابعا جُرْمِيا، ولكن شبهة الفساد قد تحوم بشأنها.

ويحدد القانون عمل مأموري الهيئة في مجال إجراء الأبحاث والتحريات، وذلك بتمكين الهيئة من آليات اشتغال تستجيب لمتطلبات المهام المنوطة بها، وعلى الخصوص منها الوضع القانوني لمأموريها وصلاحياتهم، والتنصيص على أدائهم اليمين القانونية أمام محكمة الاستئناف بالرباط، مع تكليفهم بعمليات البحث والتحري من قبل رئيس الهيئة وتحت سلطته، من خلال طلب المعطيات ذات الصلة بالملف وجمعها ودراستها وتحليلها، وإنجاز محاضر ترفع إلى رئيس الهيئة، وهي محاضر ذات قيمة قانونية، يوثق بها إلى أن يثبت ما يخالفها. ومن أجل ممارسة الصلاحيات المذكورة، فقد خول مشروع القانون لمأموري الهيئة في إطار مهامهم المتعلقة بالبحث والتحري، إمكانية الولوج إلى مقرات أشخاص القانون العام، والمقرات المهنية للأشخاص الخاضعين للقانون الخاص، وفي هذه الحالة ينص القانون على إلزامية مشاركة ضابط أو عدة ضباط للشرطة القضائية في عمليات البحث والتحري داخل هذه المحلات، وينص كذلك على تطبيق عقوبات تأديبية وجنائية في حق الأشخاص الذين يقومون بعرقلة عمل الهيئة، بامتناعهم عن الاستجابة لطلباتها دون مبرر قانوني.

 

عتيق السعيد*: «الفساد الإداري يؤخر مسيرة التنمية وكلفته باهظة»

    

 

 ما هي الكلفة المالية والسياسية للفساد؟

يوجد إجماع لدى عموم الباحثين في المجال الإداري على أن الفساد الإداري والمالي يعتبر من أعقد الإشكالات التي تواجه الدول النامية، ومن أصعبها بالنسبة إلى المجتمع المغربي، ولعل الفوارق الاجتماعية التي أصبحت تشكل تحديا أمام الحكومات، وعدم قدرة العديد من الإدارات والمؤسسات العمومية على الانتقال من التبذير إلى التدبير الفعال والناجع للمالية العمومية، هذا وغيره قد يؤدي إلى تفشي النتائج السلبية والآثار المدمرة، فتطال كل مقومات الحياة لعموم المواطنين، لأنه لن يستقيم أي مشروع تنموي كيفما كان وأينما كان، دون تفعيل سليم وصارم للأنظمة الرقابية على المال العام، بغية الحد من الفساد بشتى أنواعه وآثاره على المجتمع، حفاظا على تماسك واستقرار المجتمع، فتهدر الأموال العمومية والثروات وكذلك الوقت، في سياق تعرف فيه الدولة تغييرات مستمرة تمس في جوهرها تأقلم المجتمع مع موجات عصرنة وتحديث قطاعاتها وبنياتها، كل هذه التحديات تساهم بشكل كبير في عرقلة أداء المسؤوليات وإنجاز مختلف الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل بشكل أو بآخر منظومة هدفها الأساس التخريب والإفساد، وتسبب مزيدا من التأخير في العملية التنموية القادرة على البناء والتقدم المؤسساتي ذات العلاقة المباشرة واليومية، مع تجويد نمط عيش المواطن.

إن الأزمة التي تعيشها بلادنا اليوم هي أزمة رقابة، وإن تعددت مؤسساتها إلا أنها تبقى غير كافية، مقارنة مع تفشي هذه الظاهرة الوخيمة على المالية العمومية، حيث إن تكلفة الفساد، كيفما كان، يستحيل أن ترتبط بمجال أو قطاع محدد، وإن تعددت مظاهره في الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي والمحاباة والمحسوبية، وعدم التدبير الجيد للمشاريع، أو التقصير في المسؤولية، إلا أنه يمكن أن يؤثر بشكل كبير في فقدان الثقة لدى المواطن بأهمية العملية السياسية، والخطير أن يؤثر في قيمته، طالما أن الدخول المكتسبة عن الممارسات الفاسدة تفوق في قيمتها المادية الدخول المكتسبة عن التدبير الشريف، هنا سنكون أمام معضلة كبيرة تسبب انهيار القيم والمبادئ، أيضا فقدان هيبة ومكانة القانون في المجتمعات، لأن المفسدين يتوهمون أنهم قادرون على تعطيل القانون، في حين أن هذا الوهم يهدم الثقة في الترسانة القانونية، وبالتالي يفقد المواطن ثقته بهيبة القانون. والخطير في الأمر أن تصبح حالة الشعور الوهمية بالتعالي على القانون هي الغالبة، واحترامه هو الاستثناء، وبالتالي زيادة فجوة عدم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. كما يؤدي الفساد إلى تمايز طبقي، حيث يوسع الفجوة بين من يملكون وبين من لا يملكون، وهنا تتسع الفوارق الاجتماعية، زيادة على توليد الشعور بعدم المبالاة والإهمال وعدم الإخلاص والحرص على المصلحة العامة، ناهيك عن تكلفة قد تساهم في تنامي الروح العدوانية تجاه الكل، هنا نكون أمام تأثيرات تمس في جوهرها قيم المواطنة الحقة.

 

– ما دور مؤسسات الرقابة المالية في إنجاح استراتيجية محاربة الفساد والرشوة؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة السابقة قد أعلنت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي امتدت من سنة 2016 إلى غاية 2025 كسقف لها، كما تضم الاستراتيجية 239 مشروعا موزعا عبر عشرة برامج، منها برنامج الإدارة الإلكترونية، وبرنامج تحسين خدمة المواطنين، ثم برنامج الشفافية والنزاهة والحق في الوصول إلى المعلومة، وبرنامج الرقابة والمساءلة، كما تقرر تنفيذ الاستراتيجية على ثلاث مراحل، بميزانية تقدر بـ1.8 مليار درهم.

 لكن في مقابل كل هذه الإجراءات والمخططات، الحكومة مطالبة بتتبع وتقييم دقيق وشامل لكل المراحل، وفق وعاء زمني محدد ودقيق، سيما عند الانتهاء من كل مرحلة من مراحل الاستراتيجية، والوقوف على مدى نجاعة النتائج المسطرة، ومسايرة العديد من المؤشرات، سواء المتعلقة بالتطورات الدولية أو الوطنية، من بينها مؤشر ترانسبرانسي، ومؤشر التنافسية العالمي، ومؤشر مناخ الأعمال والعديد من المؤشرات، إضافة إلى خلق عرف سنوي يشكل محطة لتقييم الحصيلة ومستوى نجاعة هذه الاستراتيجية.

وأيضا منهج تدبير مبني على تحليل المخاطر، أخذا بعين الاعتبار الأولوية المعطاة للمجالات الأكثر عرضة للفساد، والتركيز على الإجراءات العملية وذات التأثير المباشر على الفساد، فلا يمكن الاستفادة من نتائج الإصلاحات التي اعتمدتها الدولة في جميع القطاعات، دون توفير بيئة تستجيب لشروط النزاهة وردع كل أشكال الفساد، خاصة وأن جل المجهودات المتراكمة السابقة لم تحقق النتائج المرجوة، وهذا واقع تشخصه الخطب الملكية والمؤسسات الدستورية الاستشارية، ويعريه تفاقم الفوارق الاجتماعية. وبالتالي يبقى أكبر إشكال تعرفه العقليات السياسية، يرتبط بإشكالية الانتقال من النص إلى التطبيق. فأي استراتيجية مهما كانت قائمة، لن تكون فعالة وناجعة، إلا إذا ما استشعر بها المواطن في أقرب الاحتياجات اليومية الملازمة له.

 

 ماذا بخصوص تقارير المجلس الأعلى للحسابات؟

أعطى دستور 2011 مكانة مهمة للمجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة دستورية، ضمن مجال الحكامة المعنية بافتحاص التدبير المالي العام، وأيضا أعطى الأهمية لمخرجات هذا المجلس، سيما للتقارير التي يصدرها، حيث يمارس مهمة مواكبة تفعيل مبادئ وقيم الحكامة الجيدة، بالنسبة إلى القطاع العام، ويتولى ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، كما يتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، وأيضا يقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة.

حقيقة أثير نقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول جدوى هذه التقارير السنوية التي لا يختلف أحد حول جودتها، ولعل هذا النقاش كان نتاجا لما كشفت عنه التقارير من خروقات مالية دقيقة، جعلت المواطن يطرح العديد من الأسئلة، وبالتالي يمكن القول إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات مهمة جدا، وتكشف الستار عن الواقع التدبيري للمالية العمومية، كما أنها تعد آلية استسقائية وتقييمية للتدبير العمومي. وبالرجوع إلى مدونة المحاكم المالية، فإن المتابعة القضائية تكون مرتبطة بمجموعة من الشروط والمساطر، حيث تنص المدونة على أنه إذا اكتشف المجلس أفعالا من شأنها أن تستوجب عقوبة تأديبية، أخبر الوكيل العام للملك بهذه الأفعال، السلطة التي لها ﺣق التأديب بالنسبة إلى المعني بالأمر، والتي تخبر المجلس خلال أجل ستة أشهر في بيان معلل بالتدابير التي اتخذتها، أو إذا كان الأمر يتعلق بأفعال يظهر أنها قد تستوجب عقوبة جنائية، رفع الوكيل العام للملك الأمر من تلقاء نفسه، أو بإيعاز من الرئيس الأول، إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما، وأخبر بذلك السلطة التي ينتمي إليها المعني بالأمر، ويخبر وزير العدل المجلس الأعلى للحسابات بالتدابير التي اتخذها.

لكن في المقابل ولتسريع وتيسير هذه الإجراءات نحن في أمس الحاجة إلى تغيير القانون المحدث للمجلس، من أجل أن يتحول إلى قضاء قائم بذاته، مسايرة للاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد، آنذاك سيكون قادرا على تفعيل جميع المساطر بشكل يضمن الاستعجال، هذا الأخير هو ما يطلبه المواطن في الوقت الحالي.

 

* باحث في القانون العام والعلوم السياسية ومحلل سياسي

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى