أنا مثل الملايين، لا أقول فقط المسلمين، لكن كل من يمتلك قلبا سليما يرفض الإساءة لأي دين أو عقيدة يؤمن بها قطاع من البشر، سواء كانت سماوية: الديانات الثلاث الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والإسلام) أو غير سماوية، مثل البوذية والهندوسية والبهائية وغيرها، كلها لها قدسيتها المصانة.
قرر الأزهر الشريف ودار الإفتاء الموقرة إصدار بيانات تحث المسلمين في العالم (مليار ونصف المليار) على مقاطعة السلع التي تأتي من السويد وهولندا، ردا على تلك التجاوزات التي تفجرت أخيرا، وكان من توابعها حرق المصحف الشريف على أيدي متطرف.
أقدر الدوافع النبيلة لتلك القرارات، ولكن أشك كثيرا في تنفيذها على أرض الواقع، كما أن العدالة – حتى في المقاطعة- ينبغي أن تطبق أيضا على دول عديدة ارتكبت حماقات مماثلة وربما أكثر ضد الإسلام، مثل فرنسا والدانمارك والصين وغيرها.
المبدأ نفسه لا يحظى بتوافق الجميع، ولا يعني ذلك أن من يعترض على المقاطعة يمنح ضوءا أخضر للاعتداء على قدسية الدين.. الأمر يستحق أسلوبا آخر، فالكل يدرك أن هناك إحساسا يتنامى في العالم نطلق عليه (إسلاموفوبيا)، الخوف المرضي من الإسلام، وهناك مشاعر عدائية مسبقة عند البعض بمجرد ذكر الإسلام. فبسبب ممارسات هنا وهناك، ربط هؤلاء بتعسف مقيت بين الدين العظيم وما تمارسه منظمات إرهابية تدعي الإسلام، مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام، كما أن دولة مثل أفغانستان بعدما رفعت شعار العقيدة الإسلامية من خلال (طالبان)، صدرت للعالم صورة مخيفة عن عظمة الإسلام.
قطاع كبير من الأوروبيين لا يؤمنون أساسا بوجود إله، لا تعنيهم الأديان، كل الأديان، والبعض يجعل حرية التعبير مظلة لكل التجاوزات، خاصة أن بعض الأفلام لا تتوقف عن السخرية من الديانة المسيحية والطقوس الكنسية، ولا يسلم المسيح عليه السلام من كل ذلك، فهو غير محصن، ثقافة مختلفة لن نستطيع تغييرها بمجرد إصدار مثل هذه القرارات، لكن هناك دورا يجب أن نلعبه من خلال السينما، لديكم فيلم “أسمى خان ولست إرهابيا”، بطولة شاروخان، ولا تنس أن نسبة المسلمين في الهند لا تتجاوز 12 في المائة من عدد السكان. كانت قضية الفيلم تقديم شخصية المسلم الشريف المتسامح، فيما هناك انطباع مسبق ينعته بالتطرف والإرهاب.
هذا الفيلم الذي حقق رواجا في العالم، ولا يزال يلعب دوره لنصرة الدين الإسلامي، أهم وأبقى وأعمق من كل قرارات المقاطعة.
من أصدر قرارات المقاطعة يعلم جيدا أنه على أرض الواقع لن يتم تنفيذها، فكل ما يتعلق بالمزاج الشخصي غالبا لا يتم تفعيله، مثل شعار مقاطعة الدراما التركية الذي نرفعه عندما تتوتر العلاقات مع تركيا، بل في أعقاب هزيمة 67 قررت الرقابة على المصنفات المصرية مقاطعة الفيلم الأمريكي، ردا على الموقف الرسمي للولايات المتحدة المؤيد دوما لإسرائيل، ورغم ذلك، وفي زمن جمال عبد الناصر، سقط القرار بعد بضعة أشهر، مثلما سقطت شعارات مماثلة لمقاطعة الكوكاكولا والبيبسى والهامبرغر.
على كل المؤسسات المعنية البحث عن أسلحة عصرية أخرى أشد قوة وأكثر تأثيرا، لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام. علينا أولا أن ننحي جانبا إحساس البعض بأن هناك مؤامرة كونية ضد الإسلام، ونبدأ بالاعتراف بأننا مقصرون في نشر حقيقة الإسلام، وندرك أن بعض ممارسات من يتدثرون عنوة بالإسلام، السلاح الباتر الذي يطعنون به الإسلام، وبعدها تبدأ المواجهة.
طارق الشناوي