شوف تشوف

الرأي

مفتشية عامة للمناسبات فقط

المصطفى مورادي
من حسنات تجديد الروح في مؤسسة المجلس الأعلى نجد تحول التقييم من عمل مناسباتي تتحكم فيه الحسابات السياسية أو الظرفية الإدارية إلى إجراء مؤسساتي وعلمي مواكب لعمل القطاعات العمومية المكلفة بالتربية والتكوين. فقد انتظر المغرب ثماني سنوات كاملة على البدء في تنفيذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين قبل أن يقوم المجلس في صيغته القديمة بأول تقييم رسمي لمنظومتنا التربوية. فبقدر ما شكل تقريره التقييمي الأول صدمة اجتماعية وسياسية، بقدر ما كان «تبريرا» ينهي تجربة هيمنة السياسيين على قطاعات التربية والتكوين، ويطلق في المقابل يد التقنوقراط. ليصبح التقييم عملا تقوم به مراكز دراسات خاصة. فالجمود «التقيمي» الذي عرفته المنظومة قزَّم أدوار المفتشية العامة لوزارة التربية الوطنية وحوَّلها إلى مجرد أداة لتأديب الخارجين عن طاعة النافذين في الوزارة، إذ يكفي حلول لجنة من المفتشية في مصلحة أو نيابة في الصيغة القديمة أو أكاديمية ليستنتج المعني بالتفتيش بأن عليه أن يشرع في ترتيب أمر إعفائه.
اليوم، ماتزال المفتشية العامة موضوعا لتساؤلات كبرى يهم وظيفتها التقييمية، خصوصا في ظل صراعات شخصية انخرط فيها المفتشان العامان، وجعلهما جزءا من المشكلات التي عرفها القطاع في السنوات الماضية، وليسا حَكَمان موضوعيان يمكن للتقييمات التي يقومان بها أن تحظى بالإجماع، بل إنهما انخرطا دون هوادة في حروب الترامي على الصلاحيات التي عرفها القطاع. وكان من نتائج «انحراف» المفتشية العامة عن وظيفتها عدم مأسسة ثقافة التقييم، ثم استمرار تسخير المفتشية في تصفية الحسابات، وخضوعها المطلق لسلطة النافذين في الوزارة. والدليل على ذلك، هو أن المفتشيين المركزيين للوزارة لم يكونا ليمتلكا الشجاعة الكافية ويصدرا تقريرا من حجم التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، والذي يؤكد استمرارية مشكلة الانقطاع وغيره من التقارير. لأنهما لو فعلا ذلك لوجهت لهما تهمة عرقلة الإصلاح وإضعاف الثقة في المدرسة إلخ. والسبب هو أننا مازلنا ننظر للتقييم نظرة قديمة ومتجاوزة. نظرة حولت المفتشية المركزية إلى مجرد «إسفنجة» تمتص الفضائح والكوارث التي تندلع أو تظهر في القطاع. فالجميع ينتظر وقوع كارثة ليبدأ التقييم. ونتائجه غالبا ما تكون مُوجهة ومعروفة سلفا. هنا لا عجب أن تقارير تقييمية كثيرة تبخرت لأن المعنيين بها من أصحاب نفوذ سياسي أو عائلي أو إداري، بينما تقارير أخرى كانت سطحية لكون كل مسؤول مركزي يعتبر الإدارات التابعة له امتدادا لمنزله الخاص. بل إن بعض اللجان التقييمية التي تم إرسالها في السنتين الأخيرتين إلى المديريات الإقليمية مثلا تحولت، من طرف بعض المفتشين إلى مناسبة لتصفية حسابات شخصية مع بعض المدراء الإقليميين.
كل هذا يدل بوضوح، على أن استقلالية تقويميات المجلس الأعلى هي مسألة حيوية تماما بالنسبة للقطاع، لأنها مكنتنا من معرفة معطيات لم يكن وزراء القطاع ليقبلوا تعميمها، مستندين لذرائع كثيرة. غير إن هذه التقييمات لا يمكنها أن تعفي وزارة التربية الوطنية من واجب إرساء ثقافة التقييم داخل بنياتها، أي أن يكون التقييم من صلب مهام واختصاصات كل المديريات المركزية والجهوية والإقليمية ومؤسسات تكوين الأطر. فالمجلس الأعلى لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعوض تقييمات المفتشية العامة وغيرها من البنيات الإدارية والتربوية. فللتقييمات الداخلية أيضا أهمية كبيرة، وكم هو مهم جدا أن يكون المُقوم جزءا من فريق العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى