شوف تشوف

الرأيالرئيسية

مفتشون في الملاعب الجزائرية

من منا لا يذكر حالة الاستنفار التي كانت تعرفها مدرستنا، حين يزورنا المفتش؟

من منا لا يستحضر اليوم الاستثنائي الذي يزور فيه المفتش فصلنا؟

من فينا ينسى وصية معلمنا، حين يزف لنا خبر زيارة المفتش، ويدعونا لتشخيص دور التلميذ النجيب؟

في يوم التفتيش يحضر المعلم باكرا، فيغسل وجه الفصل الدراسي ويصفف شعره. في هذا اليوم تتغير المفاهيم ونقف للمفتش ونوفه التبجيلا.

يقنعنا المعلم بأن المفتش رجل من كوكب آخر، يأتي إلى المدرسة مرة كل سنة، ليختبرنا نحن التلاميذ، لا لتقييم المدرس، فيجتاحنا الرعب من رجل بتقاسيم صارمة، فنستبدل شغبنا بهدوء مستعار، وحين يمسك دفاترنا ينتابنا القلق ويسكن الخوف عيوننا.

عادة ما يجلس المفتش في الطاولات الخلفية، لكن المعلم يفطن للعبة، فيحرص على أن يجلس في الصف الأخير التلاميذ النجباء منا، تحسبا لأي طارئ.

أحيانا يطلب المدرس من تلميذ في أسفل تصنيف الاجتهاد، التغيب ويمنحه إجازة استثنائية مدفوعة النقط، كما يعيد ترتيب الفصل بشكل يراعي تحركات المفتش.

وحين تنتهي الحصة الدراسية ويغادر المفتش فصلنا، يتنفس المعلم الصعداء ويستعيد الفصل هشاشته.

استحضرت زيارة المفتش إلى مدرستنا، وأنا أتابع ردود الفعل الجزائرية بعد الزيارة التي قامت بها لجنة التفتيش إلى بعض المدن الجزائرية، للوقوف على مدى جاهزيتها لاحتضان نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025.

كان فريق التفتيش وعلى غير العادة يتكون من ثلاثة خبراء ألمان، وممثلين عن الاتحاد الجزائري لكرة القدم وممثل للكونفدرالية الإفريقية. تأبطوا ملف الترشيح الجزائري وقاموا بزيارات ميدانية إلى الملاعب والفنادق والمستشفيات ومحطات القطارات، وكل ما له ارتباط بتنظيم دورة قارية.

رفض المفتشون متابعة شريط فيديو يسلط الضوء على «القدرات التنظيمية» للجزائر، وأصروا على الزيارات الميدانية، فليس من رأى كمن سمع. وحين وقفوا عند بعض الثغرات التنظيمية، كانت لهم الصحافة الجزائرية بالمرصاد.

انتقدت الأقلام والألسنة الجزائرية خريطة الزيارة التفقدية، وتساءلت: «لماذا بدأت عملية التفتيش من وهران، وليس من العاصمة كما خططت لذلك السلطات الجزائرية؟».

وباسم المؤامرة القادمة من المغرب، «فتش» الإعلام الجزائري عن هفوات المفتشين وفي سيرهم الذاتية ودفاتر حالاتهم المدنية، بحثا عن شبهة قرابة مع المغرب.

حين جلس مفتش في كرسي بقاعة الندوات الملحقة بأحد الملاعب، قالت الصحافة الجزائرية: «لقد وصل بهم الأمر إلى حد الجلوس في كرسي بقاعة الندوات، اعتقادا منهم أن الكراسي مجرد ديكور»، وحين أخذ خبير عينة من عشب الملعب، قالوا: «المفتش راح ينتف في العشب وتصرفات أخرى تخص أشياء تافهة»، ثم تساءلوا: «كيف يقبل ويرضى المسؤولون الجزائريون المرافقون للمفتشين بهذه التصرفات؟ أهكذا تتم المعاينة للحكم على ملف الترشح؟».

ظل مخبرو النظام الجزائري يحصون حركات وسكنات المفتشين، وهم يجدون متعة في مراقبة المراقبين، وتم تزويد خلية المتابعة بأرقام هواتف السائقين لكل غاية مفيدة.

استغرب الجزائريون من تصرفات مفتش قالت التقارير إنه يقضي وقتا طويلا وهو يراقب حركة المرور من شرفة الفندق، وحين تزاحمت علامات الاستغراب في أذهانهم، خلصهم من حيرتهم وقال: «أراقب مدى احترام السائقين والراجلين لعلامات التشوير، ومدى التزامهم بعلامات المرور»، وحين استبد القلق بمستمعيه، رد عليهم بنبرة حادة: «احترام قانون السير هو فهرس أخلاق الشعوب». 

قال كبير المفتشين لمرافقيه: «نريد زيارة معابد النصارى واليهود»، فاستغربوا لطلبه، قبل أن يكشف لهم عن أهمية الجانب العقائدي في تنظيم تظاهرات تكون فرصة للتسامح بين الأديان، وحين انتهى من إلقاء درس «الدين والحياة»، تبادلوا النظرات وانتظروا موافقة السلطات.

حين قامت اللجنة نفسها بزيارة تفقدية إلى مدننا دون أن نفطن بها، لم نكن في حاجة إلى بدء حالة استنفار قصوى في البلاد، وإعلان أسبوع زيارة المفتشين عطلة وطنية، لأننا تعودنا على ربط التفتيش بالسرية.

حسن البصري 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى