شوف تشوف

الرأي

مـارشي نـوار

حسن البصري
عندما تقتني تذكرة من السوق السوداء من أجل ولوج ملعب ومشاهدة مباراة في كرة القدم، وتدفع لأجلها أضعاف سعرها، فلا تظنن أن العملة المغربية قد انهارت أو أن الدرهم المغربي قد أصابه الترهل، ولا تعتقدن أن ارتفاع السعر سيوفر لك خدمات أخرى وامتيازات أثناء ممارسة حقك في الفرجة. كل ما في الأمر أنها زيادة فرضها ضعف تغطية بيع التذاكر واحتكارها من طرف شركة قيل إنها ستقطع مع «المارشي نوار» قبل أن يتبين أنها الراعي الرسمي له.
في نقطة البيع لتيسيما بشارع الجولان في حي سيدي عثمان، وقفت باكرا أمسح بعيني حشود الجماهير التي أدت صلاة الفجر أمام أكشاك بيع التذاكر المهملة، وظلت تنتظر إلى أن حل باعة أشداء يرافقهم خفر وأمن وتتابعهم عيون مئات المنتظرين في طابور لا نهاية له.
انطلقت عملية البيع، بعدما أشعر الحاضرون بأن قرارا قد صدر عن الشركة يمنع اقتناء أكثر من تذكرة، وأن للمرأة مثل حظ الرجل في عملية شرع فيها وسط حالة اختناق غير مسبوقة، بينما كان أباطرة السوق السوداء يراقبون الوضع من بعيد وهم وآذانهم ملتصقة بهواتفهم.
بعد أقل من ساعة، أعلن رجال الأمن عن نفاد التذاكر، وشرعوا في تفريق الحاضرين الذين رددوا شعارات الغضب المستوحاة من أدب المدرجات، فيما ركب موفدو الشركة سيارة خفيفة طاردتها سيارات أكثر خفة، وضرب الواقفون في الطابور كفا بكف وهم يلعنون الكرة التي تمنح الكبار فرصا أسبوعية للاغتناء السريع وترمي بالفتات للصغار كي يمارسوا هواية بيع التذاكر بأعلى الأسعار.
عندما فوت مجلس مدينة الدار البيضاء خدمات الكرة لشركة التنمية المحلية، قلنا وداعا للسوق السوداء، وفي أول مواجهة سقطت الشركة في اختبار حقوق المتفرج، وضربت جيوب البسطاء وأصبح العاملون فيها يتحكمون في الفرجة ويمسكون بخطوط اللعبة.
في نقط ترويج التذاكر في السوق السوداء، لا تقتصر البضاعة على تذاكر درجة أولى وثانية، بل تباع أمام الملأ دعوات شرفية بأعلى الأسعار، فيما فشل مجلس المدينة ومن خلاله شركة التنمية في ترويج التذاكر الذكية القابلة للتعبئة، وقالت كم حاجة قضيناها بتركها.
قبل أن ينفض الجمع وتتنفس الأكشاك الصعداء والنزلاء، وقف خبير في شؤون الكرة أمام ميكروفون موقع إلكتروني محلي، واتهم تجار السوق السوداء بإشعال فتيل الشغب، فتصدى له بائع متجول في مارشي نوار الكرة، متهما إياه بتحريض الدولة على «قطع أرزاق العباد»، وظل يتوعد الجهة المنظمة ويكشف عن أسماء زبناء من العيار الثقيل يقتنون تذاكرهم من السوق السوداء كلما اشتد الاختناق في السوق البيضاء، وأنهى مداخلته بضرورة تنظيم النقاش، وعدم منح الميكروفون «لكل من هب ودب».
اشتد الجدل بين الحاضرين، ووصل النقاش بين «هب» و«دب» إلى أدنى المستويات، خاصة بعدما تبين أن الموضوع أخذ منحى آخر، فانتفض أمين سابق لباعة التذاكر، وطالب بتحصين المهنة ضد غارات المخزن والمسيرين، مطالبا بتدخل «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» وتمكينهم من دعم على غرار ما يقدم في مشاريع محاربة الهشاشة وتشجيع المهن المدرة للدخل، وتطهير السوق من المتسللين الذين لا يربطهم بالكرة لا الخير ولا الإحسان.
لكن أخطر ما تولد عن النقاش، اعترافات بائع شاب ورث مهنة تجارة التذاكر في السوق السوداء، أبا عن جد، حيث أكد انتشار هذا النوع من التجارة على موقع التواصل الاجتماعي، خاصة «فيسبوك» وكشف وجود صفحات لتجارة التذاكر، يعلن المشاركون فيها عن الكميات المتاحة لديهم، وأسعار البيع المطلوبة، وتقديم نصائح لزبناء السوق ترشدهم إلى نقط البيع.
في ظل صمت السياسي، سيبقى الملعب نقطة سوداء، يدخله المشجع ملفوفا في شعار فريقه، وقد يغادره، لا قدر الله، ملفوفا في كفن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى