مغامرة الانتقال من الفنادق المصنفة إلى فُندق النجارين الغاص بالمُزارعين والحمير
يونس جنوحي
واجهتُ صعوبة في زيادة المبلغ المخصص للباس خلال أسبوع واحد، ليشمل ستة معايير عادية. لكن رحلتي كانت لم تكتمل بعدُ. التوفير في المصاريف كان أمرا حتميا.
هناك واقعة نزلت عليّ من السماء. نظم أحد ما حفلا راقصا طوال الليل في الحديقة الواقعة أسفل نافذتي. كنت لأقدر على النوم لو كان الأمر يتعلق بحفل موسيقي كلاسيكي. لكن الإيقاعات الراقصة للزنوج، والمنبعثة من الساكسفونات، كانت تصم الآذان.
حرماني من النوم، أتاح لي فرصة مهمة للتحديق في السقف المطلي، وأيضا للتأمل في وضعي المالي. ربما كنت متطرفا جدا في موقفي، بشكل ما، فقد كنت متسرعا في استنتاجي الأولي للتناقض بين قصر جميل، وفندق عربي.
حتى فريق العمل الذي وضع تحت تصرفي، كان سيئا.
كان عليّ أن أحمل حقائبي إلى فندق النجارين، لأن أزقة فاس هزمت سيارة محمد، «السيتروين»، بسهولة. اكتشفتُ أن النُزل قد تم تحويله إلى مكتب للشرطة. الرجل الذي كان في المُناوبة، بعد أن أجرى معي محادثة قصيرة لكي يتأكد بنفسه من سلامتي العقلية، دلني على أقرب نُزل مفتوح لاستقبال الزبائن.
كان موظف النُزل ينظر إليّ بفضول. لا بد أن الضيوف الأوروبيين نادرون. البناية مكونة من طابقين مبنيين حول ساحة تعج بالحمير، والخراف وزوج من الجِمال.
أُرشدتُ إلى غرفة صغيرة تشبه «شُقة». كان بها سجادة خفيفة، وبطانية يصعب التأكد مما صنعت منه، وُضعت فوق فراش النوم.
بمجرد ما أن دخلتها، حتى تعيّن عليّ الخروج فورا للقاء بعض الأصدقاء. وعندما عدتُ إليها كان ذلك بعد حلول الظلام. وجدتُ العشرات موزعين على مجموعات، يُعدون وجبات العشاء على مواقد صغيرة مزودة بالفحم. من الواضح أن مالك النُزل قد أخبرهم بالضيف غير المعتاد. لأنني بمجرد ما أن ظهرتُ لهم، حتى انهالت عليّ الدعوات لتناول العشاء، وكان بإمكاني اختيار الحفلة التي كانت تتوفر على أشهى طبق.
بدء محادثة معهم كان أمرا أكثر صعوبة، لأن ثلاثة أو أربعة فقط من الرجال كانوا يعرفون بعضا من الفرنسية.
عرفتُ منهم أن أغلبهم مُزارعون جاءوا إلى هنا لبيع ما تُنتجه أغنامهم عادة، أو الماعز أو جلود الماشية. لم يكونوا سعداء جدا.
قال لي أحدهم:
- «إن رجال المدينة هؤلاء، غشاشون. عندما يشترون منك جلود الدواب، يقدمون لك أثمنة منخفضة. لكنك عندما تشتري النعال، يقولون لك إن الجلد غالٍ».
تكلم الآخر موافقا:
– «إنهم أذكى منا نحن. ويُجيدون استعمال الكلمات».
– «إننا نُخطئ عندما نأتي إلى المدينة، أيها الأصدقاء. يجدر بنا جعلهم يأتون هم إلى قرانا نحن. سيكون عليهم أن يأتوا. لن يستطيعوا العمل بدوننا».
– «معك حق. ونحن قادرون على العمل بدونهم. من يرغب في نعالهم. هل هذه المرة الأولى التي سوف نمشي فيها حفاة؟».
وهكذا استمر الحديث بينهم. سمعتُ مثل هذا الكلام في عشرات البُلدان. ذاك الصراع الأبدي بين القرية والمدينة.
صحيح أن المُزارع نادرا ما تكون لديه صفقة منصفة في أي أرض. غالبا ما يشتكي العامل في المصانع من أنهم يتم استغلالهم من طرف المُشغل. لكنه هو بنفسه مشارك في استغلال المُزارع.
تأسس الاقتصاد الصناعي الحديث على الغذاء الرخيص، وأيضا على حساب الرجال الذين يُنتجونه. وحتى الآن، فإنه نادرا ما يُدرك المُزارع مكمن قوته. تلك الفردانية القوية، التي تعتبر واحدة من أقوى خصائصه، هي أيضا مكمن فشله الأكبر. لأنه يحمل بين يديه كل الأوراق الرابحة، وعليه فقط أن يعرف كيف يلعبها.
بإمكانه أن يربح دون الحاجة إلى نِعال رجل المدينة. لكن هذا الأخير لن ينجو بدون الغذاء الذي يُنتجه المُزارع.