شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

مغاربة يصنعون مجد السينغال

رجال أعمال ومفكرون وأئمة ورياضيون متألقون في السينغال

من المفارقات الغريبة أن العلاقات بين المغرب والسينغال، أكثر عمقا وصلابة من علاقات صداقة مع دول الجوار، إذ نادرا ما تسرب التوتر للعلاقات بين الرباط ودكار بحكم التعاون متعدد الأشكال. علما أن التجارة كانت هي صلة الوصل الأولى بين البلدين قبل أن تتطور إلى علاقات ثقافية وفكرية فيها حمولة ونفحات روحية.

حسن البصري

في عهد المرابطين والموحدين، وصل الحكم المغربي إلى الجنوب وتوغل إلى السينغال خلال القرن 14 بالخصوص، هذا التوغل أفرز تشاركا بين المغرب والسينغال في الحضارة وبعض الجوانب الثقافية والروابط الدينية، خاصة وأن المغرب يضطلع بدور الريادة على المستوى القاري، وهي قناعة راسخة عند السينغاليين بالنظر للدور الذي يمكن أن يلعبه انطلاقا من موقعه الجغرافي بين إفريقيا وأوروبا وإفريقيا والعالم العربي وبين إفريقيا وأسيا.

وتبدو مظاهر التمازج بين المغاربة والسينغاليين، في العدد اللافت للعائلات السينغالية التي تحمل أسماء مغربية، وكذا الشخصيات المغربية المزدادة بالسينغال مما يدل على أن العلاقات تتجاوز الشق الاقتصادي والتجاري إلى الشق الإنساني.

وتتجسد هذه الروابط في زيارات ملوك المغرب المتعاقبة إلى السينغال وكذا تردد رؤساء السينغال على المغرب، والعدد المهم من اتفاقيات التعاون التي تربط البلدين في مختلف المجالات، فضلا عن الارتباط الروحي من خلال الطرق الصوفية وعلى رأسها الطريقة التيجانية ورعاية إمارة المؤمنين لهذه الطرق.

بعد التجارة والاقتصاد سيتعزز الحضور المغربي في السينغال، مع بداية الثمانينات حين أصبحت كليات الطب في دكار قبلة للطلبة المغاربة، وهو ما ساهم في تحول جديد في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل إن عددا من الطلبة والطالبات اختاروا الاستقرار في السينغال وبناء مشروع حياة أخرى جسدت أعلى درجات الانصهار.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار» نسلط الضوء على مغاربة السينغال الذين ساهموا كل من موقعه في بناء صرح التنمية وصناعة مجتمع لم يقطع الصلة يوما بالمغرب.

 

فارسي.. خبير الإعلاميات الحيوية ومؤرخ العلاقات السينغالية المغربية

هو ليس مجرد أستاذ جامعي في السينغال، بل واحد من دعامات العلاقات المغربية السينغالية وأحد القامات الفكرية التي تمثل المغرب خير تمثيل في هذا البلد، فضلا عن كفاءته العلمية بصفته حائزا على دكتوراه الدولة في العلوم، ومديرا لوحدة الدكتوراه للاتصالات السلكية واللاسلكية بجامعة دكار بالسينغال، وأستاذا للمعلوميات في المدرسة العليا للبوليتكنيك بدكار، وهو رئيس للمجلس الوطني للمغاربة بالسينغال، ومدير مختبر الأبحاث في التصوير الطبي والإعلاميات الحيوية، وعضو مجلس الجالية المغربية بالخارج، لكن سيدي محمد الفارسي يفضل صفة كاتب.

من أهم إصداراته كتاب يحمل عنوان «المغرب- السينغال: علاقات صداقة عريقة وتعاون متعدد الأشكال»، المؤلف، يقع في 100 صفحة وهو صادر عن منشورات «بروك-جاكار»، حيث يستعرض الرؤية الملكية التي تتأسس عليها العلاقة الأخوية العريقة التي جمعت بين الأسر المغربية الحاكمة والسينغال، كما يقدم تحليلا للعلاقات بين البلدين.

ويتضمن الكتاب فصولا تاريخية ودبلوماسية واقتصادية ودينية، ويستفيض بشكل مفصل ومن خلال العديد من الصور، في عمق العلاقات بين البلدين. وكانت مضامين هذا الكتاب في صلب النقاش بمائدة مستديرة أعاد فيها فارسي رسم العلاقات متعددة الأشكال بين المغرب والسينغال.

ومن بين مظاهر التمازج بين المغاربة والسينغاليين، التي كشف عنها هو العدد المهم من العائلات السينغالية التي تحمل أسماء مغربية وكذا الشخصيات المغربية المزدادة بالسينغال. كما تطرق للهجرة النسائية من النساء اللائي هاجرن للالتحاق بأزواجهن وكذا الطلبة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض الإشكاليات المرافقة لهذه الهجرة، ليخلص إلى تشعب وتجذر العلاقات المغربية السينغالية.

 

فاطمة كنون.. مناضلة مغربية في جبهة السرطان

هي طبيبة سينغالية من أصل مغربي، اختارت النضال في جبهة مكافحة السرطان، فاطمة من أب مغربي ينحدر من مدينة فاس، وأم هي نفسها ثمرة زواج مختلط. ولدت فاطمة كنون في السينغال وكانت آخر العنقود في عائلتها بعد أخ واحد وثمان أخوات. لم تنعم كنون بنعمة الأب مدة طويلة حيث توفي والدها وهي لم تتجاوز بعد عامها الأول، قبل أن تمضي بها السنون وتعي بالضبط حجم المعاناة التي وجدتها أمها في تربيتها هي وإخوتها، وحرصها على أن تتم دراستها مجسدة أولى دروس الكفاح.

يقول الكاتب عبد اللطيف أبو القاسم، في تسليطه الضوء على شخصية فاطمة، منذ حصولها على شهاد الباكلوريا سنة 1981، وضعت الطب نصب عينيها، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب من جامعة دكار، قبل أن تتبعه بدبلوم جامعي دولي في تقنية الكشف عن سرطان عنق الرحم بالمنظار من باريس سنة 2002. ومنذ سنة 1997، تشغل منصب طبيبة مكلفة بوحدة الكشف عن سرطان النساء وعلاجه بمستشفى لودونتيك بدكار. وبالموازاة مع هذا التكوين الدراسي والأكاديمي ترسخ شغفها بالعمل التطوعي.

قالت كنون في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء إن قصتها مع التطوع بدأت منذ أن كانت طفلة صغيرة في المدرسة الابتدائية، وتعززت أكثر في سنوات الجامعة في تسعينيات القرن الماضي، حين أسست رفقة زملاء في كلية الطب بدكار جمعية أطباء الأدغال، وكانت تجد متعة في التوجه لأعماق البلاد لتقديم استشارات طبية لفائدة الساكنة المحلية.

ساهمت في إعادة بناء صرح الرابطة السينغالية لمحاربة السرطان من جديد سنة 2009. وبعد خمس سنوات ستصبح رئيسة لهذه الجمعية. «زرنا أبعد المناطق، وتوجهنا لأكثر من 23 مدينة، نشتغل بمعية المراكز الصحية المحلية ونقدم تكوينات للقابلات في مجال الكشف عن سرطان الرحم ونوزع أجهزة لعلاج الندوب قبل-السرطانية في كل مدينة نزورها، كما ننظم حملات تحسيسية بضرورة الكشف المبكر عن السرطان في صفوف النساء على الخصوص».

ويضيف أبو القاسم في رصد سيرة هذه المناضلة: «لم تكن الحرب على السرطان وحدها معركة الطبيبة كنون، ذلك أن خدماتها التطوعية ستطول مجالا لا يقل أهمية، يهم شريحة الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية، حيث انخرطت الطبيبة ذات الحس الإنساني الرفيع في عضوية الأولمبياد الخاص السينغالي الذي يهدف إلى ضمان تفتق الأشخاص من ذوي الإعاقات الذهنية».

نالت «مدام» كنون، محبة المغاربة والسينغاليين، بعد نيلها جائزة «المواطنة الإفريقية النموذجية-2018» التي يمنحها «كلوب موديل»، واختيارها من النساء اللواتي ميزن سنة 2018 في السينغال من طرف مجموعة «المستقبل الإعلامية الخاصة»، وكذا نيلها لجائزة «سفيرة أواردز» 2017.

لكن علاقة كنون بالمغرب ظلت قائمة حيث تزوره مرارا على فترات قصيرة، لتصل الرحم مع أفراد عائلتها الكبيرة بمدينة فاس. كما سبق للمجلس الوطني لمغاربة السينغال، الذي تشغل منصب نائبة رئيسه، أن انتدبها لتمثيله في الاحتفالات بعيد العرش المجيد عدة مرات.

تحاول كنون ممارسة دورها كأم، وتبدل مجهودا للتوفيق بين حياتها الأسرية وحياتها المهنية وأنشطتها التطوعية. وإذا كانت قد استطاعت تحقيق هذه المهمة، فلأن «لي زوجا رائعا يدعمني بقوة. لم أكن لأقوم بكل هذه الأمور لولاه كأي امرأة أحرص على تحضير الحلويات وأطباق الأعياد الرئيسية كعيد الفطر والأضحى بنفسي. أرسم لوحات تشكيلية صغيرة. وأحب البستنة أيضا وقراءة الكتب والتأمل في البحر».

 

قمر.. مغربية ذهبت لدكار متطوعة فسقطت في حب السينغال

حملتها رحلة طلابية إلى السينغال، انتهت الرحلة وعادت إلى المغرب لكنها دكار مارست جاذبيتها وأجبرتها على العودة لهذا البلد الذي ستحقق فيه نجاحا مهنيا واجتماعيا على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود.

حياة قمر كغيرها من الفتيات الحالمات بشهادة فكرية من أرقى الجامعات الأوروبية، اختارت السفر من مسقط رأسها بمدينة فاس، إلى مدنة مانس الفرنسية سنة 1982، حيث بدأت دراستها الجامعية في البيولوجيا والجيولوجيا.

ساهم إعلان في إحدى الصحف السينغالية في تغيير وجهة قمر، عندما كانت المنظمة غير الحكومية «إندا تيير موند» للتنمية تبحث عن متدربين متطوعين للإقامة من أجل الدراسة واستكشاف السينغال، وهي الفرصة التي اغتنمتها حياة واختارت بعد فترة وجيزة العيش بالسينغال من خلال ارتباطها بمواطن من هذا البلد.

ومع مرور الأيام ستصبح مسيرة ومديرة عامة لشركة «سوب مانجمنت دكار»، فرع المجموعة المغربية للتكوين. وركزت اهتمامها على التحسيس بمعالجة المياه ومحاربة الأمراض الطفيلية، وهو المجال الذي تنشط فيه «إندا تيير موند»، في تعطشها للمعرفة والتعلم، إذ دخلت جامعة الشيخ أنتا ديوب بدكار وحصلت منها سنة 1996 على دكتوراه السلك الثالث في الكيمياء.

في حوار مع وكالة المغرب العربي، قالت حياة إنها تحتفظ بذكريات جميلة عن السنوات التي قضتها كطالبة بكلية العلوم والتكنولوجيا وكمساعدة مؤقتة بقسم الكيمياء بنفس المؤسسة (1993- 2000) تحت إشراف الأستاذ ليباس ديوب. «خلافا لكليات الطب والصيدلة التي تضم عددا كبيرا من الطلبة المغاربة، كان عددنا قليلا جدا في كلية العلوم، لكننا لم نشعر يوما أننا أجانب في جو طلابي مريح».

نجحت في الالتحاق بوزارة التعليم العالي بالسينغال حيث شغلت منصب رئيس قسم التكوين العالي في القطاعين العام والخاص، أعادتها الأقدار إلى أصولها الفاسية حيث صادفت مع مسارها المهني «سوب مانجمنت فاس»، وهي مجموعة مغربية للمدارس العليا للتكوين في مجال التدبير والتجارة والإعلاميات في السينغال، قبل أن تصبح حياة قمر سنة 2004 المديرة التربوية لـ «سوب مانجمنت دكار»، ثم المديرة العامة للمؤسسة.

 

الحسن الثاني يعين صاحب مصنع للألبسة في دكار سفيرا للمغرب

في كتابه حول العلاقات المغربية السينغالية، «علاقات قديمة وصداقة ضاربة في القدم»، يتحدث الكاتب السينغالي المغربي سيدي محمد فارسي، عن متانة الروابط بين البلدين، مركزا على العلاقات الروحية والتجارية التي تجمع الطرفين.

ركز الكاتب على التجارة والتصوف وكشف عن دورهما في ترسيخ علاقات ود بين البلدين، مشيرا إلى استقرار عائلات مغربية منذ القدم في السينغال من أجل ممارسة التجارة، إذ اعتمد المغرب على عدد من التجار الذين يحتلون سوقا كاملا في دكار (شارع محمد الخامس)، وباتوا سفراء للعلاقات بين البلدين، حتى أن الملك الحسن الثاني قد فاجأ الجميع حين قرر تعيين أحدهم ويدعى محمد مكوار، سفيرا فعليا للمغرب في السينغال ابتداء من سنة 1981، كان يمتلك أكبر مصنع للقماش وتغطي بضاعته المغرب وموريتانيا وإفريقيا.

توصل الحسن الثاني بتقارير تؤكد دور التجار والصوفيين في ترسيخ العلاقات بين البلدين، إذ لفتت السلطات السينغالية نظره إلى وجود عائلات مغربية مستقرة منذ القدم في دكار، كعائلة ابن مسعود والديوري ومكوار وبنجلون فضلا عن ارتفاع نسبة الزواج المختلط بين الشعبين.

بعد تعيينه سفيرا للمغرب في السينغال، قال الحسن الثاني لمكوار إن اختياره لهذا المنصب يؤكد الرغبة في جعل الجانب الاقتصادي ينافس الجانب الروحي في دعم علاقات البلدين، «لا يخفى عليك أن الإرث الديني المشترك يشكل العنصر الرئيسي الذي جعل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية بين السينغال والمملكة المغربية سلسة»، يقول الحسن الثاني لسفيره في توجيهات فهم الرجل مغزاها. وأضاف الملك أن والده كان يعتبر السينغال شريك المغرب الروحي، «واليوم سنعتبره شريكنا الاقتصادي أيضا».

ومن المفارقات الغريبة أن محمد الخامس قد عين في يناير سنة 1961، قاسم الزهيري سفيرا للمغرب في السينغال، قبل وفاته بأسابيع، حيث حرص بالرغم من مرضه على وضع رجل دبلوماسي في بلد له مكانته الخاصة في وجدان الراحل.

خلال فترة تولي قاسم السفارة، دعي على عجل للالتحاق بالرباط، حيث أخبرته الخارجية بعزم الحسن الثاني بناء مسجد في دكار، وطلب منه إبلاغ رئيس الحكومة السينغالية بالموضوع، بل إن الملك أوفد المكي بادو، وكان إذ ذاك قائما بشؤون الأوقاف بالمغرب ومعه وفد من المهندسين وكبار النحاتين والعمال برئاسة المقاول السيد ابن عمر من سلا. وأسهم جلالة الملك بقدر مهم من ماله الخاص لإنجاز المشروع وقد تم وفق المرام بعد سنتين، كما أصر الحسن الثاني بنفسه في تدشين المسجد سنة 1964 إلى جانب ليوبولد سنغور.

 

الحسن الثاني يشارك المختار مبو فرحة زواج ابنه بمغربية

رغم أنه اعتزل السياسة واختار الهروب نحو العمل الجمعوي كرئيس لنادي السينغال- المغرب للصداقة والأخوة، إلا أن مختار مبو المدير العام سابقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، الذي يعتبر من الوجوه البارزة في السينغال وأحد المدافعين الكبار عن العلاقات المغربية-السينغالية، لا يتردد في التمرد على عامل السن ليركب الجو صوب المغرب.

قضى مختار مبو، سنوات طويلة في المغرب، بل استقر فيه رفقة ابنه فرح، وظل يردد على مسامع صديقه الملك الحسن الثاني، إنه يريد إنهاء مساره المهني بالاستقرار في منطقة الهرهورة التي كان يلجأ إليها كلما داهمه القلق.

يعد مختار أحد رجال السياسة الأكثر بروزا بالسينغال، والأكثر تجربة فقد ولد سنة 1921، حيث شغل العديد من المناصب الوزارية في الحكومة الأولى ليوبولد سيدار سانغور، قبل أن يصبح أول إفريقي يرأس منظمة اليونسكو، التي انتخب مرتين مديرا عاما لها من 1974 إلى 1987

ظل مختار يصف المغرب في جميع تصريحاته الصحافية، ببلده الثاني، بعد أن ارتبط لفترة طويلة بصداقة كبيرة مع المغرب، سيما وأنه استقر في الرباط منذ سنوات الأربعينات قبل أن يتوجه إلى فرنسا لمتابعة دراساته. وخلال وجوده باليونسكو، ساهم مبو، الذي كان يتميز بدفاعه عن اللغة العربية والثقافة الإسلامية، بشكل كبير في تبني مشاريع لفائدة المغرب، وفي عهده أطلق «نداء فاس»، يقول مختار: «بمناسبة انعقاد العديد من الاجتماعات مع الملك الحسن الثاني رحمه الله، طلب مني جلالة المغفور له إطلاق نداء دولي للحفاظ على فاس، تفاعلت مع المقترح الذي قدمه لي بتفصيل دقيق، معتبرا أن المشروع سيكون ناجحا مع الدعم القوي لليونسكو وللحكومة المغربية التي اشتغلت كثيرا على هذا المشروع».

في إحدى جلساته الصيفية مع الملك الحسن الثاني، فاتحه هذا الأخير في موضوع مشروع ثقافي كبير، واقترح عليه الانضمام لأكاديمية المملكة التي كانت مجرد فكرة في طور الإعداد، فقبل المقترح وحظي مختار بشرف عضوية أكاديمية المملكة المغربية منذ إنشائها، إلى جانب سنغور وإدغار فور والعديد من الشخصيات البارزة.

كان الملك الراحل الحسن الثاني حريصا على العناية بالمؤسسات الدولية جميعها، فعمل على إطلاع ولي عهده آنذاك، على الأدوار التي تضطلع بها، كما حرص الملك الراحل الحسن الثاني، من جهة أخرى، على أن تزور الأميرة للا مريم بانتظام منظمة اليونسكو لأهمية القضايا التي تعالجها هذه المنظمة في إطار عنايتها بحقوق الإنسان.

أكبر دليل على عنايته، بالمؤسسات الدولية هو دعوته اليونسكو إلى عقد إحدى جلساتها الرسمية بالمغرب، مع العلم بأن اهتمامه كان اهتماما عميقا وموصولا، خاصة مشاريع إحياء المدن العتيقة وتصنيفها كتراث حضاري، وقد استمرت هذه العناية إلى ما بعد الفترة التي كنت فيها مديرا لليونسكو.

ساند مختار المغرب في قضية الصحراء، وظل نصيرا للطرح المغربي، مما خلق له متاعب كثيرة من الجارة الجزائر، بل إن الحسن الثاني اعتبره صديقا أكثر منه مسؤول هيئة فكرية عالمية، حيث أصر على تقديم هدية لفرح مبو نجل مختار الذي استقر طويلا في المغرب وكان رجل أعمال ناجح، بل إن مولاي حفيظ العلوي المكلف بالتشريفات قد حضر كموفد للملك وقدم هدية الحسن الثاني لمختار خلال حفل الزفاف، لكن زواج الابن لم يدم سوى سنة واحدة لينتهي إلى أبغض الله إلى الحلال.

حين زار محمد السادس السينغال لم يفوت مختار الفرصة للقاء ملك المغرب وابن صديق والده، وفي الإقامة الملكية بدكار، دار حديث ذو شجون بين الرجلين اعتقل فيه مبو دموع الفرح.

 

قاسم الزهيري: هؤلاء هم تجار المغرب الأولون في السينغال

كشف قاسم الزهيري باعتباره أول سفير للمغرب في السينغال، في حوار سابق مع مجلة «دعوة الحق»، عن أول المهن التي باشرها المهاجرون المغاربة الأولون للسينغال، بعد تعيينه سفيرا في هذا البلد بداية سنة 1961.

في أيامه الأولى بهذا البلد سيقف السفير المثقف عند حضور التجارة المغربية في السينغال، بل وأدرك أن الكثير من المغاربة يوجدون في السينغال وغامبيا، وكانوا منتشرين في أهم المدن ويتعاطون بالخصوص تجارة القماش والحذاء المغربي «البلغة» والطربوش والمصنوعات التقليدية. وكان يبلغ عددهم أزيد من مائتين وخمسين عائلة، كل عائلة يزيد أعضاؤها عن خمسة أفراد ومنها من تبلغ العشرين، الأغلبية منهم اتخذوا زوجات إفريقيات وأنجبوا منهن. ومنهم من كان لهم مثنى وأكثر. «أبناؤهم لا يختلفون عن السينغاليين في شيء: لون وأسلوب حياة، ولغة، وكان التفاهم تاما بين المغاربة المهاجرين وأبناء البلاد. يثقون في بعضهم بعض، وتتوثق صلات المودة والمحبة بينهم أكثر من غيرهم».

كان بدكار عشرات التجار المغاربة، كانت لهم متاجر حافلة بالبضائع من جميع الأنواع خاصة في شارع محمد الخامس، وكان يقصدهم أهل البلاد لشراء ما يحتاجون من ثياب وأثاث وغيرهما وكان أبرز هؤلاء «التجار ممن عرفناهم كثيرون أبرزهم محمد الداودي ومحمد الشاوي وبنسالم السقاط وعبد الكريم الجابري وإبراهيم بوغالب. ومنهم من كانوا يشتركون في متجر واحد. ورجل الصناعة المغربي الوحيد الذي كان إذ ذاك في دكار هو محمد مكوار. وكان له معمل كبير لصنع الأقمشة التي كان يصدرها إلى موريتانيا وجميع أقطار إفريقيا الغربية، وكان معروفا في الأوساط الرسمية، وله صداقات وطيدة، كما كانت له تجارة واسعة في الدار البيضاء، وهذا ما أهله لأن يصبح سفيرا في دكار سنة 1981».

ليس كل التجار المغاربة في السينغال أثرياء، «فهناك بعض المغاربة العجزة الذين أنجبوا أبناء يعتبرون سينغاليين، ومنهم من أقعدهم الدهر، فكانوا يتلقون الإسعاف من مواطنيهم أو من الدولة المغربية، وأكثر هؤلاء كانوا في «مباي لوي» أو «كولخ»… ومنهم من أدركهم المنون فتركوا أسرة على بساط الفقر. وممن أدركنا بالخصوص وعلى سبيل المثال: المرحوم إدريس كنون. قضى أزيد من أربعين سنة، في السينغال، وكانت له تجارة واسعة ودار مفتوحة في دكار، وكان يعرف بـ «بابا إدريس» مات عن سن تناهز المائة وترك أسرة تتألف من أرملة وأحد عشر ولدا. ومنهم الشيخ الحسن بن جلون، كان من التجار المشهورين في مدينة كولخ قبل أن يقعده الدهر ويذهب بصره. وكانت عائلته متألفة من زوجة وثمانية بنين وستة حفدة. وسنه تناهز الثمانين. ومن بين التجار المغاربة القدامى عبد العزيز بوغربال له ثمانية أولاد وكان يسكن بمدينة «روسو». وعبد الله بن جلون وقد أصيب بعاهة ألزمته البيت وله عيال كثر، وعبد الكريم بوزكري وكان من التجار المعروفين، وقد اتخذ مدينة «دجوربيل» مسكنا له ولبناته الخمس. وإدريس بن جلون وكان من التجار المعروفين في مدينة كولخ. وله أسرة تتألف من عشرة أبناء وأخت تحت كفالته، وخادي أرملة المرحوم الحاج محمد بنونة وكان من كبار التجار المغاربة في دكار خلف خمسة أطفال وعبد القادر الشاوي، وكان معروفا بكرمه لما كانت تجارته مزدهرة، وأسرته تتألف من أربع عشرة ولدا وزوجتين والكبير العلمي واللائحة طويلة».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى