يونس جنوحي
جُل صحف أوروبا تُجري هذه الأيام استطلاعات للرأي لقراءة «فنجان» انتخابات البرلمان الأوروبي المُقبلة.
لم يعد يفصل الأوروبيين سوى شهر واحد فقط لخوض غمار انتخابات البرلمان الأوروبي، وجل أحزاب دول أوروبا تستعد لخوض معركة «طاحنة» لكي تحافظ -على الأقل- على مقاعدها السابقة. أغلب استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن، تذهب للقول إن الغلبة سوف تكون لأحزاب اليمين المتطرف، وأنها سوف تكتسح مقاعد البرلمان.
يُرجح أن تحظى أحزاب اليمين المتطرف بصدارة الحصول مقاعد البرلمان الأوروبي في تسع دول أوروبية على الأقل. وفي تسع دول أخرى لديها حظوظ قوية جدا للفوز بالمركز الثاني أو الثالث. وهو ما يعني أن الاكتساح، إن صدقت طبعا استطلاعات الرأي وتُرجمت على أرض الواقع إلى أصوات انتخابية، سوف يكون مُدويا، سيما أن الصدارة سوف تتحقق في أزيد من 18 بلدا من أصل مجموع بلدان الاتحاد الأوروبي التي تشكل مجموعة من 27 دولة.
قليلة هي الدول التي لا حظ فيها للخطاب المحافظ الذي يحارب الهجرة ويعد بتشديد شروط منح التأشيرات وتعقيد إجراءات الحصول على الجنسية والخدمات الاجتماعية.
في فرنسا مثلا، رغم استطلاعات الرأي التي تدعم اليمين المتطرف، إلا أن اليمينيين يتلقون غالبا صفعات مدوية في الانتخابات. وهو ما تكرر في كثير من المحطات الانتخابية. يحشد اليمين الجماهير على المنصات، ويعد بحل مشاكل أوروبا عن طريق طرد المهاجرين والنتيجة تكون خسارة مُدوية في الانتخابات. وفي اليوم الموالي تكتظ الشوارع بالمهاجرين المغاربيين والعرب وتُغلق الشوارع في وجه المارة أثناء صلاة الجمعة ويضحك الجميع على صور زعماء اليمين التي تبقى في الغالب عالقة في جدران الكنائس والأبواب الخلفية لها والجمعيات الخيرية.
وجد المُنتسبون إلى اليمين المتطرف في فرنسا ضالتهم هذه الأيام، وهم يروجون لخبر فرار أئمة مغاربة حلوا في فرنسا لإحياء التراويح في المساجد والمراكز الإسلامية. وبدل أن يعودوا مع وفد وزارة الأوقاف لتسلم أتعابهم من المجلس التابع للوزارة في الرباط، فضلوا المُضي قدما و«الذوبان» مثل فص ملح في طرقات أوروبا في انتظار يوم يسوون فيه مسألة الوثائق والإقامة، وقد يأتون إلى المغرب بعد سنوات لزيارة العائلة. ورغم الانتقادات التي صاحبت الموضوع، إلا أن موجة تعاطف كبيرة سُجلت لصالحهم، خصوصا بعد استحضار الظروف المزرية التي كان يعيش فيها بعضهم.
هذا الفراغ الذي تركته أحزاب اليمين، بسبب فشل نبوءتها السياسية منذ التسعينيات، جعل اليمين المتطرف يعود إلى الواجهة، خصوصا مع تنامي خطاب الكراهية وتفكيك الخلايا الإرهابية التي يحمل المنتسبون إليها الجنسيات الأوروبية وينحدر بعضهم فقط من أصول مُسلمة.
لكن هذا التجييش لا يجد في أغلب الحالات طريقه إلى صناديق الاقتراع. ولهذا السبب لا بد أن يحمل يونيو مفاجآت كثيرة للسياسيين في أوروبا، خصوصا في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا، رغم كل ما تُفرج عنه استطلاعات الرأي من قراءات.
مئات آلاف الحاصلين على جنسيات الدول أعلاه، من الجيل الثالث خصوصا، ممن ينحدر أجدادهم من المغرب، لن يهتموا بنتائج انتخابات البرلمان الأوروبي نهائيا. وفي كل الحالات، خلال اللحظات التي سوف تُفتح فيها صناديق الاقتراع ويضع السياسيون أيديهم على قلوبهم لفرز الأصوات، سوف يكون هؤلاء المهاجرون- المواطنون، مُمددين على امتداد شواطئ المملكة، يتابعون تقلب الأمواج في طنجة أو في أگادير، ويختمون اليوم بوجبة دسمة في منزل العائلة. وفي شتنبر سوف يعودون إلى أوروبا وإلى حياتهم هناك، حتى لو خرج الشيطان نفسه من الصندوق!