شوف تشوف

شوف تشوف

مع رباح مش حتغمض عينيك

عندما قلنا إن وزير التجهيز والنقل يتبعه النحس، في كل مكان يحل به، فإننا لم نكن نمزح. وآخر دليل على هذه الحقيقة جاء من البرازيل، التي طار إليها الوزير نهاية الشهر الماضي لزيارة مصنع طائرات «إمبراير»، وهي الزيارة التي خصص لها موقع الوزارة ملفا كبيرا.
بمجرد ما غادر الوزير، الذي تطارده «التابعة»، مصنع الشركة يوم 30 يوليوز 2015 حتى سقطت طائرة من نوع «إمبراير» يوم 31 من الشهر نفسه، أي يوما واحدا بعد وضع الوزير قدميه بمقر الشركة.
وقد هلك في هذه الحادثة أربعة مسؤولين سعوديين ينحدرون جميعهم من عائلة بلادن الثرية، التي شغل الوزير الداودي أحد أبنائه مديرا لدى إحدى شركاتها بالمغرب.
والواقع أن عزيز رباح يجب أن يستعير من قناة «روتانا» شعارها، مثلما استعار بنكيران من أوباما شعاره، ويسمي حملته الانتخابية «مع رباح مش حتغمض عينيك». فمع الوزير المنحوس لم نعد نرى فقط الحافلات وهي تنقلب مثل علب عود الثقاب في الطرقات، والقناطر وهي تنجرف مثل «بشكيطو»، والشواطئ غير المحروسة وهي تبتلع الأطفال بالجملة، والقطارات تسير بدون سائق، والنيران تشتعل في أرضية مطار الدار البيضاء والمياه تغرق مطار المنارة أو الحرائق تندلع بمحطة قطار مراكش، وسحابة سوداء تغلف سماء القنيطرة لا أحد يعرف سببها، بل أصبحنا نرى الطائرات وهي تسقط بمجرد ما يزور أحد مصانعها.
والمصيبة أن الوزير الذي تطارده التابعة أعلن أنه ذهب إلى البرازيل لكي يقنع هذه الشركة البرازيلية المتخصصة في صناعة الطائرات الصغيرة والمتوسطة للاستقرار بالمنطقة الصناعية بالقنيطرة، فهو يريد أن يضع لشركة «بومبارديي» الكندية ضرة تزاحمها في المغرب، وهي الشركة التي لديها قضايا أمام المحاكم الدولية ضد «إمبراير»، والتي لا يحملها الوزير في قلبه لأسباب سنفصل الحديث بشأنها في مقال مقبل.
وطبعا فهدف وزير التجهيز والنقل من وراء إطلاق هذه الجعجعة حول جلب شركة «إمبراير» البرازيلية إلى المغرب هو إعطاء الانطباع بأنه يساهم في خلق مناصب الشغل، شهرا واحدا فقط على الانتخابات الجماعية.
اليوم، وبعد سقوط طائرة «إمبراير» البرازيلية وهلاك جميع ركابها، دخلت الشركة في أزمة اقتصادية بسبب البحث عن أسباب الحادث، وهو البحث الذي يمكن أن يستمر لأشهر أو سنوات، قبل العثور على مكمن العطب. وخلال هذا الوقت ليس هناك زبون سيغامر باقتناء طائرات «إمبراير» قبل معرفة أعطابها القاتلة، اللهم إذا كان عزيز رباح يريد المغامرة بعقد صفقات لشراء طائرات قد تسقط بركابها في أية لحظة.
وزير التجهيز والنقل لديه هاجس واحد ووحيد، ليس هو جلب الاستثمار إلى المغرب أو خلق 200 ألف منصب شغل، كما يدعي أو التقليص من حوادث السير أو تحسين جودة الخدمات لمستعملي الطريق والمسافرين، بل إن هاجسه هو جلب أصوات الناخبين لكي يستمر على رأس بلدية القنيطرة.
ومن أجل هذا الهدف، يستعمل عزيز رباح كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ومنها استغلال المشروع الملكي بالمنطقة الصناعية للدعاية لنفسه ولحزبه، خصوصا عندما دعا وزير المالية التركي إلى القنيطرة بمعية سفير بلاده، في إطار رد الجميل لرباح الذي مكن شركة نورول التركية من مشروع طريق آسفي السيار المتعثر، ومطالبته تركيا بالاستثمار في القنيطرة، وهو يعلم أن اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا تكلف الميزان التجاري المغربي عجزا قيمته مليارا درهم برسم سنة 2013 وحدها.
أما عندما ذهب رباح إلى العمرة في العشر الأواخر من رمضان فلم يفعل ذلك لأجل التعبد، بل من أجل البحث عن أصوات الناخبين في قلب الحرم المكي.
حدث ذلك يوم عشرين من شهر رمضان، بين صلاتي المغرب والعشاء، حين تقدم رجل يلبس جلابة رمادية اللون منجوجة من ثوب السوسدي للدخول إلى المسجد من باب فهد ابن عبد العزيز، وقصد مباشرة معتمرا سوسيا ينحدر من منطقة ولاد التايمة يوزع يوميا على المعتمرين زيت أرغان والعسل الحر والخبز بعد صلاة العشاء. يتعلق الأمر طبعا بالوزير عزيز رباح الذي تقدم من المصلين من جنسيات مختلفة رافعا يديه لتحيتهم، على طريقة الملوك والزعماء، فاجتمعت حوله طائفة من المعتمرين المغاربة وبدأ يستمع ويسجل مطالبهم، ومنها مطلب فقيه بتارودانت يشرف على مسجد طلب من الوزير مأذونية نقل. وبمجرد ما غادر الوزير بدأ المعتمرون المغاربة يتساءلون عما إذا كان زيت الأرغان والعسل والخبز الذي ظلوا يأكلونه في الحرم هو من تمويل العدالة والتنمية من أجل استمالة أصواتهم.
أي شيء يمكن أن يعطي للرأي العام صورة الوزير خالق مناصب الشغل يستغلها عزيز رباح وينشرها في موقع «الرأي» التابع له، والذي نتحدى المشرفين عليه أن يملؤوا خانة «من نحن» بما يفيد هوية مسؤوليه. وآخر كذبة نشرها الموقع «المجهول الهوية» هي إطلاق رباح لدراسة لإنجاز طريق سيار بين الرشيدية ومكناس، علما أن مشروع الطريق السيار بين آسفي والجديدة ما زال افتتاحه في علم الغيب.
«حليتي حتى لوطوروت ديال آسفي بقا ليك غي لوطوروت ديال الرشيدية ومكناس» ؟
ومن بين شعارات حملة رباح الانتخابية السابقة لأوانها، والتي يصرفها الصيرفي في جريدته، هو أن الحكومة خفضت، بسبب رفع الضريبة، من استهلاك الخمور، وبالتالي من حوادث السير، والحال أن المغاربة يشربون اليوم أكثر من السابق، وإذا كانت أرقام العائدات الضريبية انخفضت فإن الاستهلاك لم ينخفض بسبب الخمور المهربة واستهلاك الخمور المصنعة عشوائيا.
ومن شعاراته أيضا، تمرير قانون تحرير الملك البحري لصالح الشعب، والحال أن هذا المشروع كان موجودا حتى قبل أن يسقط رباح سهوا على وزارة التجهيز، فهناك تصاميم تهيئة موضوعة منذ أكثر من عشر سنوات لإعادة تهيئة الشواطئ وتحويلها إلى كورنيشات على شاكلة كورنيشات الشمال، وهذا موضوع سنعود إليه في مناسبة أخرى لشرح ملابساته حتى لا ينسبه الوزير المنحوس إلى منجزاته، التي لا وجود لها إلا في مخيلته.
أما حملته الانتخابية على ظهر شعار التقليص من حوادث السير، والذي يضخ من أجله مئات الملايين في حساب حسن الفد البنكي وغيره من الفنانين، فإن ما قام به معالي الوزير في السادس عشر من هذا الشهر يهدم هذه الحملة فوق رأسه.
وما وقع هو فضيحة بكل المقاييس، خصوصا إذا عرفنا أن الوزير عزيز رباح ورئيس المجلس البلدي للقنيطرة انتصر للعشوائية عوض الانتصار للقانون، فقط لكي يرضي مستخدمي قطاع سيارات الأجرة الكبيرة المنتمين إلى نقابة الاتحاد الوطني للشغل التابعة لحزب العدالة والتنمية.
حوالي الساعة الثامنة من ليلة ذلك اليوم، أوقفت عناصر من شرطة المرور ثلاثة سائقي سيارات أجرة من الفئة الأولى بسبب حملهم بطريقة عشوائية للمسافرين على مستوى ساحة بئر أنزران.
بمجرد ما تم توقيف السائقين الثلاثة، رفضوا الانصياع لأوامر الشرطة والتحق بهم جمع من زملائهم، فاتصل أحدهم من هاتفه بعزيز رباح، رئيس المجلس البلدي، من أجل التدخل لديهم عند الشرطة. وعوض أن ينصح وزير النقل والتجهيز مناضلي نقابة حزبه بضرورة احترام القانون والتعامل باحترام مع ممثلي الدولة، اتصل بغرفة السير والجولان وطلب عدم تسجيل مخالفة في حق السائقين الثلاثة، بحجة أن الظروف الحالية صعبة بحكم اقتراب موسم الحملة الانتخابية.
غير أن والي الأمن كان له رأي آخر، بحيث أعطى تعليماته من أجل التطبيق الصارم للقانون، مع تعزيز التواجد الأمني في منطقة التجمع الاحتجاجي للسائقين المنتمين لنقابة حزب عزيز رباح إلى حين تفريق الوقفة حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا.
وهكذا عوض أن يشجع وزير النقل على احترام القانون والتطبيق الصارم لمدونة السير، نرى كيف أنه بسبب حرصه المرضي وسعيه المحموم لربح بعض الأصوات الانتخابية، يبادر إلى الاتصال بالمسؤولين الأمنيين من أجل حثهم على تجاوز القانون والتساهل مع خارقيه.
إن ما قام به وزير النقل، المسؤول عن صرف الميزانيات الضخمة من أجل التوعية بمخاطر تجاوز قانون السير، يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، لأنه عوض أن يسهر على احترام مدونة السير يساهم في تمييعها والقفز عليها.
وهذا ليس بغريب على وزير للنقل يضع صورته في أوراق دعايته الانتخابية وهو يسير وسط الطريق «بحال إلى عندو الروايض»، عوض أن يسير فوق الرصيف ككل الراجلين، مما أثار عليه سخرية الجميع.
وماذا يفيد أن ينفق رباح مئات الملايين على وصلات حسن الفد للسخرية من سلوك المغاربة على الطريق إذا كان الوزير نفسه يعرض نفسه ومنصبه للسخرية بسبب اتصاله بالمسؤولين الأمنيين ومطالبتهم بعدم تحرير مخالفات في حق السائقين المتهورين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى